تونس الشروق : ماذا جرى في ميدان التحرير بقلب القاهرة أمس؟... ما قصّة الخيول والجمال التي دخلت أو أدخلت الى ساحة المواجهة التي دارت رحاها على امتداد ساعات طويلة بين أنصار الرئيس حسني مبارك ومعارضيه؟ ومن حاول اشعال مثل هذا «الحريق» الذي أوقع مئات القتلى والجرحى؟... ثم كيف عاش المرابطون في ميدان التحرير هذا الكابوس المرعب... ما هي مطالبهم... وأهدافهم... وهواجسهم؟ أسئلة عديدة تفرض نفسها بقوة على سطح الاحداث التي تعيشها مصر هذه الأيام والتي تدوّي على وقعها هتافات تطلقها حناجر ملايين المتظاهرين مطالبة بسقوط الرئيس المصري حسني مبارك... أسئلة طرحتها «الشروق» عبر الهاتف أمس على عدد من الشهود... من ميدان التحرير بالذات... قلب «المواجهة» المشتعلة بين النظام المصري ومعارضيه في هذا التحقيق الخاص... السيد عبد العظيم المغربي أكّد في روايته ل «الشروق» أن عددا من ضباط الحرس الجمهوري استولوا ظهر أمس على مداخل العمارات التي تطلّ على ميدان التحرير ومكّنوا بعض القناصة من الصعود واطلاق قنابل حارقة ورمي الحجارة على المتظاهرين... وقال «لقد قبضنا على بعض المأجورين المجرمين الذين كانوا يحملون سكاكين وحزمة من الطوب والحجارة وأكّدوا لنا أنه تم تكليفهم من قبل رجال أعمال ونواب في الحزب الوطني الحاكم بضرب المتظاهرين». وأضاف «لقد كان الهدف من وراء ذلك اقتحام الميدان وفضّ التظاهر بالقوة لكن الشباب تمكّنوا من صدّهم واستبسلوا في مواجهتهم وتمكنوا من اعتقال عدد كبير من هؤلاء المجرمين». ومن جانبه قال النائب جمال ظهران الذي شارك في هذه الاشتباكات إن النظام القمعي في مصر حاول قمع المتظاهرين بطرق عفى عليها الزمن حيث جنّد بضع مئات من الأمن المركزي والضباط الذين كان بعضهم من ضباط الشرطة وبعضهم من أمناء الشرطة ممن كانوا يلبسون زيا مدنيا لنشر الفوضى وارتكاب حماقات ضد المتظاهرين سعيا إلى إجهاض الثورة... وأشار إلى أنه كانت هناك معارك بطولية استمرت لساعات طويلة حيث شارك فيها نحو 250 ألف متظاهر... وأضاف «إن مجموعة من البلطجية حاولت إثارة الفزع والهلع مما دفعنا إلى الاستنجاد بالجيش وتحميله المسؤولية عما يجري وطالبناه بالانحياز إلى الشعب والخروج من موقع الحياد السلبي إلى الحياد الإيجابي». ويتابع النائب جمال ظهران في روايته قائلا «الحقيقة ان المظاهرات أظهرت طبيعة النظام القمعي في مصر وإصرار على التشبث بالسلطة وإن كان ذلك على حساب دماء الشعب الذي يدعي أنه يحميه ويدافع عنه... وحمّل ظهران رجال الحزب الوطني ورجال الأعمال ممن استفادوا من المنافع والمزايا في نظام مبارك وممن زوروا الانتخابات الماضية المسؤولة عما جرى مشيرا إلى أنّ الاشتباكات خلّفت حوالي 10 شهداء ومئات الجرحى... وأوضح أن ما حدث هو جريمة جديدة تضاف إلى نظام مبارك مشيرا إلى أن البلاد تشهد حالة فوضى وشللا غير مسبوقين بالمرة. وأكّد في هذا الصدد أن البنوك لا تزال مغلقة والبورصة مقفلة وأنّ هناك حالة إضراب عام وجميع أجهزة الدولة متوقفة... وحذّر من أنّ البلاد مقبلة على ما هو أسوأ بكثير في حال استمر مبارك في الحكم مشيرا إلى أن اليوم (الجمعة) سيكون حاسما ومصيريا وسيكون «يوم الرحيل أو الشهادة»... وفي ردّه على سؤال حول مدى استفادة الثورة المصرية من نظيرتها التونسية أشار النائب المصري إلى أن الثورة التونسية يعود إليها الفضل الكبير في ما يجري بمصر لكونها حركت الشعب المصري وشحنته وأكدت له أنّه «إذا الشعب يوما أراد الحياة فلا بد أن يستجيب القدر»، كما يقول شاعر تونس الخضراء أبو القاسم الشابي. وتابع قائلا: «في الحقيقة استفدنا كثيرا من النموذج التونسي والدليل أننا استبدلنا شعار ارحل... ارحل يا مبارك بالشعار الذي رفعه الشعب التونسي «الشعب يريد إسقاط الرئيس». ومن جهته يقول السيد محمد سيف الدولة الذي كان يتحدث ل«الشروق» من ميدان التحرير إن ما حصل كان كارثة بكل المقاييس كادت تفجّر فتنة قد تأتي على الأخضر واليابس في البلاد... وأضاف ساردا شهادته ومشاهدته لما حدث «أن الذي حصل أن مبارك ألقى خطابا مساء الثلاثاء الماضي كان خلاله في حالة استجداء وقال فيه إنه قائد صادق يريد أن يموت في وطنه» مشيرا إلى أن هذا الخطاب تأثر به عدد من الناس الذين خرجوا ليعبّروا عن تعاطفهم مع مبارك فتوجهوا تحت قيادة أشخاص مريبة إلى ميدان التحرير حيث اكتشف أنهم مجموعة من البلطجية يقومون بترويع المتظاهرين مقابل أموال من الحزب الحاكم... وأضاف «لقد بدأوا بالتحرّش بنا بالقنابل الحارقة والسلاح الأبيض وحاولوا اقتحام ميدان التحرير بالجمال والبغال والأحصنة فتصدى لهم الشباب بقوّة وببسالة. وتابع في ذلك الوقت تراجع الناس المتعاطفين معه واكتشفوا أنه مجرّد التفاف على غضب الناس وقد أدركوا أنه إذا استثمر مبارك في الحكم وأجهض الثورة فستكون هناك أشهر أخرى من المذابح... وأضاف «لذلك فإنّ هذه المظاهرات لن تتوقف إلا بعد رحيل مبارك الذي سيسقط بإذن الله بعد ساعات قليلة كما سقط الرئيس التونسي المخلوع زين العابدين بن علي».. وأشار الى أن الشعب المصري استلهم الكثير من الدروس والعبر من ثورة الشعب التونسي ولذلك كما يضيف «ما إن هدأت الثورة التونسية حتى انطلقنا في ثورتنا التي أردناها أن تكون على شاكلة الثورة التونسية شكلا ومضمونا». وتابع «رغم حجم الدم والألم فإننا سنواصل المعركة ضد الطاغية كلّفنا ذلك ما كلّفنا.. ولن نوقف ثورتنا إلا برحيل مبارك وترحيله الى السعودية ليلتحق بالطاغية التونسي الفار بن علي». وأشار الى أن المعارضة متمسّكة اليوم بمطالبها وشروطها بألا تبدأ أي نقاش حول أي قضية كانت قبل رحيل مبارك. وتابع «اليوم أمامنا خطر كبير بعد أن أصبح مبارك مثل الأسد الجريح وليس له مانع في إبادة الشعب من أجل أن يبقى في السلطة»، مشيرا إلى أن الجميع في مصر بات مجمعا على ضرورة رحيله اليوم قبل الغد. ومن جانبه أشار أحمد المغربي الذي كان بصدد العلاج في مركز طبي بميدان التحرير والذي أصيب بجروح على مستوى رأسه الى أن ما حدث أول أمس في قلب القاهرة كان حربا حقيقية شنها البلطجية على المتظاهرين بالخيول والجمال والبغال موضحا أن هذه المجموعة باغتت جموع المتظاهرين بهجوم مفاجئ بقنابل المولوتوف والحجارة وأوقعت عشرات الشهداء والجرحى.. وأضاف «كنت في مقدمة المتظاهرين لا نفعل شيئا سوى المطالبة بسقوط الدكتاتور الى أن وقعت حجرة كبيرة على رأس كادت تودي بحياتي لولا ألطاف اللّه». وأشاد أحمد كثيرا بدور الأطباء المتطوعين الذين يتواجدون في ميدان التحرير والمتجندين لإنقاذ الجرحى مؤكدا أنه لولا هؤلاء الأطباء لوقعت مجزرة فظيعة». وأضاف أحمد أن حالته شهدت تحسّنا طفيفا لكن هناك الكثير من الجرحى الذين يحتاجون الى عمليات جراحية عاجلة بعد أن تعكّرت حالتهم الصحية. ومن جهته قال الدكتور أشرف بيومي الذي كان يتحدث ل«الشروق» عبر الهاتف إن البعض ممّن ألقى عليهم المتظاهرون القبض كانوا يحملون سكاكين واعترفوا بأنهم حصلوا على نحو 500 جنيه بينما اعترف البعض من أصحاب الجمال والخيول أن الواحد منهم قبض 5000 جنيه. وأضاف «لقد قبضنا على المئات من المأجورين ورجال الأمن المتخفّين الذين استخدموا الرصاص الحي ضد المتظاهرين وقاموا بترويع الناس ونشر الفوضى. وفي ردّه على سؤال حول السبب الذي حال دون تدخل الجيش بشكل حازم أوضح الدكتور أشرف بيومي أن المشكلة هي أن الجيش منقسم.. فيه عناصر موالية للسلطة تقف الى جانب مبارك في هذه المعركة لكنه شدّد على أن الجيش سينحاز في النهاية الى دوره الوطني وسيقف الى جانب الشعب.