على اثر الاجتماع العام الذي نظمه التكتل من أجل الحريات بصفاقس، و افانا الدكتور عبد الكريم الفراتي نائب رئيس رابطة الأجيال بصفاقس وعضو اللجنة الثقافية الجهوية بصفاقس بالتوضيح التالي : في بداية هذا المقال أود أن أهنئ الشعب التونسي بثورة 14 جانفي 2011، فهي بحق ثورة تاريخية، ومن خلالها انتزع التونسيون حريتهم وكرامتهم المسلوبة من طرف النظام الدكتاتوري البائد. وليس هناك وجه للمقارنة بين الثورة التونسية التحديثية التنويرية وما سمي بالثورة المصرية. جل المحللين السياسيين يتفقون على أن الحكم العسكري الذي أخذ بزمام الأمور بمصر والذي أفضت اليه الانتفاضة الشعبية هو الرجوع الى نقطة الصفر أي ثورة 1952 واضمحلال الحكم المدني. أما الدولة التونسية المدنية فهي مازالت قائمة الذات وتحاول الخروج بتونس الى بر الأمان. فهنيئا لنا بثورتنا، الثورة الأولى من نوعها في تاريخ الانسانية. وفي اطار التعرف على الأحزاب التي تحاول اقناعنا بتوجهاتها وبرامجها وطرق عملها أو ايديولوجيتها، تلقيت دعوة رسمية من المكتب السياسي «للتكتل الديمقراطي من أجل العمل والحريات» لاجتماع عام بصفاقس، يوم الأحد 13 فيفري 2011 بقاعة الأفراح البلدية على الساعة العاشرة صباحا تحت اشراف الأمين العام للتكتل الدكتور مصطفى بن جعفر. فلبيت الدعوة وكنت في الموعد. أذكر أني الى حد الساعة لا أنتمي الى حزب معين، وهذا لا يعني أني غير مهتم بالشؤون السياسية فأنا أحضر جميع اجتماعات الأحزاب التي يصلني منها استدعاء رسمي. بدأ الاجتماع في أجواء كنت أحسب أنها «ديمقراطية من أجل العمل والحريات»، كما يوحي اسم هذا الحزب. لكن من خلال سير أعمال هذا الاجتماع، لاحظت استعمال نفس الطرق والأساليب البالية التي كان يستعملها «التجمع الدستوري الديمقراطي» والتي قهر بها الشعب التونسي. من بين هذه الأساليب : 1 توظيف النشيد الوطني بترديده عدة مرات، مرافقا بصيحات، وخطاب حماسي يخاطب العواطف لا العقل. وذلك لتمرير ايديولوجيا لاعقلانية للسيطرة على عقول الحاضرين. هذه الممارسات هي ممارسات بالية يحاكي بها «التكتل» «التجمع» المنبوذ. فهل أن «التكتل» هو أيضا حزب تصفيق وتبندير «كالتجمع» ؟ هذا ما لاحظته في الاجتماع العام بصفاقس. 2 من بين هذه الأساليب البالية اقصاء الحاضرين وعدم اعطاء الكلمة للذين يخالفونهم الرأي، لاسكاتهم وتمرير أفكارهم الهدامة. كل هذه الأساليب لمغالطة الرأي العام عهدناها في «التجمع»، «فالتكتل» لم يأت بشيء جديد. لقد اعتقدنا أن الثورة التونسية قد قضت على مثل هذه الممارسات.. ان «التكتل» و»التجمع» هما كلمتان مترادفتان ترمزان الى حزبين يستعملان نفس الأساليب البالية لاقناع الجماهير، لفرض ارادة الزعيم الأوحد والقائد الفذ. هذا أسلوب مرفوض ومنبوذ.. أعود الى ما جرى في الاجتماع العام لحزب التكتل، فالخطاب الملتهب بالمشاعر الهدامة كان يحرض على الثورة. ولكن أي ثورة؟ حسب زعيم التكتل «الثورة على منظومة الاستبداد» حسب تعبيره، وهو يعني «الحكومة التونسية المؤقتة» والتي مازالت قائمة بعد خلع الرئيس السابق بن علي. حسب رأيي كمواطن غيور على بلاده، الأمين العام للتكتل هو بصدد زرع الفتنة في البلاد والعباد على غرار «الفتنة اليوسفية» في بداية استقلال تونس. ان الأمين العام للتكتل قد عمل بالمثل القائل : «أما أنا نحكم والا نحرم». لقد تابعت تصريحات السيد الأمين العام للتكتل عن طريق القنوات التلفزيونية التونسية في بداية المفاوضات لتشكيل حكومة وحدة وطنية مؤقتة. فمن بين تصريحاته الأولى أنه «سوف يعمل كل ما في وسعه على صيانة الثورة التونسية». ثم تصريحاته في عدم المشاركة في الحكومة لاختلافه مع الوزير الأول السيد محمد الغنوشي في أن المشكل هو بالأساس مشكل اقتصادي (كما يراه الوزير الأول) أم هو مشكل بالأساس سياسي (كما يراه الأمين العام للتكتل). وأنا من يرى أن المشكل هو في آن واحد اقتصادي وسياسي، ولكن المشكل الاقتصادي في الظروف الراهنة هو استعجالي لأن البلاد سوف تسقط في دوامة العنف والبطالة المتفاقمة والذي يزعم أنه يحاول ايجاد حل لها. في رأيي إن الأمين العام فكر في كرسي الحكم قبل أن يفكر في استقرار البلاد التونسية التي يدافع عن ثورتها كما يزعم. فهو يحرص على الثورة والفوضى لا على ثورة المعلومات والمعرفة. أقول لمن يزعم أن الثورة هي التحريض على الفوضى والشغب في الشارع، أن الثورة التونسية بريئة من أعمالهم. ثورتنا هي ثورة العمل، هي ثورة في عقول البشر. ان الثورة التونسية هي ثورة المعلومات والمعرفة، الثورة التي جسدها الشعب التونسي على أرض الواقع هي ما بشر به علماء الغرب، والتي بقيت حبرا على ورق. أعود مرة أخرى الى ماجرى في الاجتماع العام للتكتل. بعد اختتام خطابه حاولت طلب الكلمة لأعبر عن رأيي في ما سمعناه وذلك في عديد المرات دون جدوى، معللين رفضهم بأنه ليس هناك من لا يوافق على مثل هذا الخطاب الرائع حسب تعبيرهم. فأجبت أن هناك من يرفض هذا النوع من الخطابات. لكنهم فضلوا الاستماع الى الشعر الذي يمجد خصائل «التكتل» وانجازاته العظيمة. مما يذكرنا بعهد التمجيد والتهليل للزعيم الأوحد. بعد ذلك لم يبق لي الا تصعيد اللهجة والوقوف للاحتجاج على مثل هذه الأساليب القمعية التي مارسها من قبله بن علي والتجمع المنبوذ. لكن ما راعني الا أن أجبرت قصرا على مغادرة قاعة الاجتماع لمنعي من الادلاء برأيي في ما قاله الأمين العام للتكتل. فماذا أردت التعبير عنه لو أعطوني الفرصة؟ في ما يلي ما أردت التصريح به لو سنحت الفرصة : اني أعرف الدكتور مصطفى بن جعفر وأنا أحترمه وأقدره منذ أن كنت أستاذا جامعيا بكلية الطب بتونس العاصمة وحتى موقفه العدائي للحكومة المؤقتة. فقد اعتبرت عدم دخوله الى الحكومة المؤقتة غلطة فادحة وأن عداوته للحكومة المؤقتة هي محاولة منه لطمس الحقائق. ان موقف الأمين العام للتكتل المعادي للحكومة التونسية المؤقتة هو موقف خاطئ لا يعبر الا عن قصر نظر سياسي واجتماعي واقتصادي، ولا يستند على أي سبب منطقي وعقلاني ما عدا الجري وراء كرسي الحكم. الدكتور عبد الكريم الفراتي (طبيب استشفائى جامعي سابقا، كلية الطب بصفاقس نائب رئيس رابطة الأجيال بصفاقس عضو اللجنة الثقافية الجهوية بصفاقس)