٭ أجرى الحوار: محسن عبد الرحمان ٭ تونس «الشروق»: كشف الكاتب الصحفي الفرنسي نيكولا بو، صاحب المؤلفين الشهيرين «حاكمة قرطاج» (La regente de Carthage) و«صديقنا بن علي» (Notre ami ben ali) أن الفساد المالي والسياسي في تونس، في عهد الرئيس المخلوع، طال حتى شخصيات سياسية فرنسية. وقال إنه بصدد إعداد كتاب في ذلك سيصدر موفى أفريل 2011. نيكولا بو الذي كان وراء فضح ممارسات وسلوك ليلى بن علي زوجة الرئيس المخلوع أيام كانت في قصر قرطاج، بمشاركة زميلته كاترين قراسيي، حل بيننا منذ أيام لتوقيع كتابيه اللذين كانا ممنوعين في تونس في عهد النظام السابق. وكانت إقامته بيننا فرصة لإجراء حوار معه هذه تفاصيله: ٭ كيف كان شعورك لما شاهدت كتابيك «حاكمة قرطاج» الذي ألفته مع كاترين قراسيي و«صديقنا بن علي» الذي اشتركت فيه مع جان بيار توكوا، يباع في تونس بعد أن كانا محظورين فيها؟ بطبيعة الحال، سعدت بذلك، وأنا الآن أكثر سعادة بلقاء أصدقائي من التونسيين فأنت تعلم أنني كنت ممنوعا من دخول تونس منذ أكثر من عشرين سنة، ولذلك أنا سعيد بوجودي في تونس مع أصدقائي، سواء المقيمين في تونس، أو الذين كانوا في المنفى في فرنسا يناضلون ضد «البنعليية» «Le benalisme». ٭ لاحظت منذ أن بدأنا الحوار، أن هاتفك المحمول لم يتوقف عن الرنين، وسمعتك تتحدث عن منزل بيرتران ديلانوي رئيس بلدية باريس، في بنزرت. هل أنت بصدد إعداد تحقيق صحفي؟ هل كنت تستمع إلى حديثي في الهاتف؟ لا بأس، نعم أنا بصدد إعداد كتاب جديد عن الامتيازات التي كانت تحصل عليها بعض الشخصيات السياسية الفرنسية في تونس زمن الرئيس المخلوع، وأبحث في الظروف التي حصلوا فيها على هذه الامتيازات من عقارات ومنازل وأشياء أخرى. وسيصدر الكتاب، وهو في الحقيقة، كتيب، في موفى أفريل القادم. وسيكون عنوانه «باريس تونس، الروابط الخطيرة» (Paris-Tunis les liaisons dangereuse). ٭ هل نفهم من حديثك، أن الفساد المالي والسياسي في عهد بن علي، طال حتى شخصيات سياسية فرنسية؟ هذا ما ستكتشفه في كتابي القادم مثلما ذكرت، وربما أنشر منه فصولا في مدوّنتي التونسية على الأنترنت (nicolasbeau.blogpost.com)، وهي مدونة موجهة إلى كل التونسيين تعبيرا مني عن مساندتي لهم ووقوفي إلى جانبهم سواء زمن الرئيس المخلوع أو في الوقت الحاضر وفي المستقبل. ٭ لو نعود إلى كتابك الأخير «حاكمة قرطاج» الذي ألفته مع كاترين قراسيي، ما هي الأسباب التي دفعتك إلى كتابته ولأي هدف؟ أنت تعلم أن عائلة بن علي، وخصوصا عائلة زوجته، ليلى الطرابلسي أو جناح الطرابلسية كانوا قد أحكموا قبضتهم وقتها على البلاد. وكانوا يستعملون كل الطرق للسيطرة على مختلف القطاعات. حتى المدارس الفرنكفونية الخاصة، مثل مدرسة بوعبدلي، لم تسلم منهم فسعوا إلى غلقها رغبة منهم في امتلاكها.. وما ينشر اليوم في وسائل الإعلام التونسية يؤكد ذلك، إلى درجة أن ما جاء في كتاب «حاكمة قرطاج» يعدّ شيئا بسيطا جدا مقارنة بالواقع الذي بدأ اكتشافه الآن ومنذ سقوط النظام السابق. وقد كنا حذرين جدا عند تأليف الكتاب بخصوص المعلومات التي كنا نستقيها من مصادرنا. ٭ بصراحة، ما هي مصادركم في ذلك الوقت؟ مواطنون عاديون، منهم موظف في وزارة التجهيز، وموظفون بنكيون، إضافة إلى بعض العاملين في سلكي القضاة والمحامين أذكر منهم على سبيل المثال صديقنا أكرم المنكبي. فهناك العديد من المواطنين التونسيين الذين كانوا كلما مرّوا من باريس، يحدثوننا مما يجري في تونس من فساد داخل القصر. إضافة إلى أن الأجنحة المتصارعة داخل القصر وقتها، كانت تفيدنا بالمعلومات، وذلك كلما اختلفت أو تصادمت مصالحها. وقد ساعدنا المعارضون التونسيون من أصدقائنا والذين يعيشون في المنفى بباريس، من التثبت في كل المعلومات التي كانت ترد علينا. وأقدر كثيرا شجاعة هؤلاء الذين يحبون تونس بصدق وكانوا يناضلون ضد النظام السابق. ٭ ألم يقع تهديدك من أي جهة لما صدر الكتاب؟ كان لا بدّ من المغامرة والشجاعة أيضا لنشر الكتاب إضافة إلى أنني كنت في باريس بعيدا عن كل تهديد وربما ما أثار تعجبي هو عدم شتمي من قبل النظام وزبانيته مثلما كان يحدث مع جل المعارضين في المنفى مثل سليم بقة وسهام بن سدرين. والغريب أن ديلانوي ذاته لم يسلم من سبابهم حين عبّر عن مساندته لتوفيق بن بريك. وأعتقد أنه لو حصل «الطرابلسية» على الحكم، لكانوا قاموا بتصفيات جسدية لعديد المعارضين وكل من وقف ضدهم، لأنهم كانوا يتصرفون على طريقة عصابات المافيا. ٭ تردد ان وزير الاتصال السابق اتصل بكم لوقف نشر الكتاب او شراء كل النسخ حتى لا يخرج للسوق. ما مدى صحة هذا الكلام؟ هذا ليس صحيحا، كان هناك اتصال واحد من قبل أحد أصدقاء بن علي، طلب مني حذف ثلاث مقالات كنت كتبتها في موقع «بقشيش» وكانت تتعرض للحياة الخاصة للرئيس فحذفتها لأنها كانت تتعارض وأخلاقيات المهنة الصحفية وحقوق الانسان الشخصية. وبعد ان حذفتها قالوا لي: «ماذا تريد مقابل ذلك، فأجبتهم: كان بإمكانكم رفع قضية ضدي يمكن ان تربحوها». ٭ الى جانب الطرابلسية ماهي الأجنحة التي كانت تتصارع على السلطة، حسب رأيك؟ التجمع الدستوري الديمقراطي وجناح من الجيش التونسي. وكان للتجمع شرعية أكبر في علاقته ببن علي. أما «الطرابلسية» وأساسا ليلى بن علي فقد كانت مرفوضة من الأمريكان لعدم الكفاءة وقربها من العقيد معمر القذافي. كما لم تكن محبوبة حتى من التجمع الدستوري الديمقراطي الذي كان يخشى منها تحويل البلاد الى ما يشبه جمهوريات الموز، تحكمها عصابات المافيا. ٭ ما هو موقفكم من الاحتجاجات الأخيرة ضد السفير الفرنسي الجديد في تونس؟ أعتقد ان ما حصل مع بوريس بوايون في نظري هو سوء تفاهم ولا يمكن أن يمثل صدمة وخصوصا بعد الأخطاء الكثيرة التي ارتكبتها باريس سواء في تعيين أحد أقارب ساركوزي على رأس السفارة الفرنسية في تونس وهو بوريس بوايون، او في غض النظر عما كان يقوم به نظام بن علي طيلة 23 سنة. ولعل بوريس بوايون يبدو جادّا في حديثه عن طي صفحة الماضي والبدء بصفحة جديدة. وفي نظري يحاول بوايون تنظيف 23 سنة من العلاقات الفرنسية التونسية التي كانت في نظري مادية فيها مناصرة واضحة لبن علي. ٭ ألا ترى ان طريقة تعيين السفير في تونس وقتها فيها مس من سيادة الدولة التونسية، خصوصا أن تعيينه تم حتى قبل تشكيل الحكومة الانتقالية، اي انه لم تقع استشارة اي جهاز في الدولة كما ان الحكومة الفرنسية لم تقدّم سيرة هذا الرجل للاطلاع عليها من قبل الدولة التونسية التي من حقها أن تقبله أو ترفضه؟ أنت تعرف أن الحكومة التونسية لم تكن جاهزة في ذلك الوقت. وكانت عاجزة حتى عن التواصل. وفي تسمية فرنسا لسفير جديد لها في تونس، فيه أكثر من رسالة أهمها فتح صفحة جديدة وعلاقات جديدة مع الشعب التونسي الذي تم تجاهله والتعتيم عن مشاكله من قبل الإليزي. ٭ كيف ترى مستقبل تونس بعد الثورة؟ حاليا لا أرى شيئا لأنني كما تعلم غبت عن تونس أكثر من عشرين سنة ولكن حسب معرفتي هناك مؤشرات ومعطيات كثيرة تدعو الى التفاؤل وتبشّر بمستقبل ايجابي للبلاد ومنها بدرجة أولى نسبة التعليم الكبيرة في تونس وتتمتع المرأة بكل حقوقها من خلال مجلة الأحوال الشخصية. أضف الى ذلك الصناعات المتطوّرة وخصوصا روح التسامح المذهلة لدى الشعب التونسي.