4-تنظيم انتخابات المجلس التأسيسي تمثل المطالبة بإنشاء مجلس تأسيسي هدفا من أهداف الثورة هومحل إجماع بين النخبة وجماهير الشعب وكافة القوى الوطنية سواء منها النقابية أوالمهنية أوالسياسية وجميع الهيئات والجمعيات والشخصيات العاملة في حقل المجتمع المدني، لكن المشكل القائم بخصوص تحقيق هذا المطلب الذي هوفي نفس الوقت هدف من أهداف الثورة يبقى مرتبطا بالاتجاه العملي الذي ينبغي توخيه لتحقيق هذا المطلب والملاحظ أن أغلب الذين يرفعون هذا المطلب في المسيرات والاعتصامات أويعبرون عنه من خلال بعض المواقف في وسائل الإعلام لا يوضحون الإجراء العملي الموصل فعلا لتحقيق هذا المطلب ولأجل ذلك كان لا بد من الخروج من هذه الدائرة المفرغة التي تضع الجميع فيما يشبه المأزق وهوما جعل تفكيرنا ينصرف إلى البحث عن الحلقة المفقودة وذلك في اتجاه الدعوة إلى تسليم أمانة الثورة والسلطة لمجلس انتقالي لرئاسة الدولة يكون حائزا للشرعية الثورية التي يستمدها مباشرة من إرادة الشعب الحرة والحقيقية حتى تكون سائر الإجراءات التي يتخذها مستقبلا حائزة لهذه الشرعية التي هي في الوقت الحاضر شبه مفقودة في غيره من المؤسسات الأخرى ومن هنا يتجه التأكيد على أهمية اضطلاع المجلس الانتقالي لرئاسة الدولة بدوره الوطني في هذه المرحلة الحساسة من تاريخ تونس وذلك لاتخاذ الخطوة الأولى في المسار الوطني الصحيح للثورة والمتمثلة أساسا في المبادرة، منذ انتهاء مهام الرئاسة الوقتية للجمهورية في أجلها الدستوري المحدد بيوم 15 مارس2011، بالدعوة إلى تنظيم انتخابات المجلس الوطني التأسيسي وذلك بعد تشاور المجلس الانتقالي لرئاسة الدولة مع كافة القوى الوطنية من نقابات وهيئات مهنية وأحزاب سياسية ومكونات المجتمع المدني من أجل الاتفاق على تحديد موعد تنظيم وإجراء انتخابات المجلس الوطني التأسيسي وتحديد الإجراءات الممهدة والمرافقة لذلك كضبط القوائم الانتخابية بما يشمل الجميع دون استثناء أوإقصاء ولوباعتماد بطاقة التعريف الوطنية للقيام بالواجب الانتخابي، وكذلك ضبط انطلاق الحملات الانتخابية المؤدية عمليا إلى الانتقال بفكرة المجلس الوطني التأسيسي من مجرد مطلب جماهيري ملح إلى حالة واقعية في حياتنا السياسية.. 5 تنظيم استفتاء على الدستور الجديد مهمة المجلس الوطني التأسيسي تتركز في صياغة دستور جديد للبلاد يتفق مع أهداف الثورة، وقد يحتاج هذا المجلس إلى مدة لانجاز هذا العمل الذي يأخذ بعين الاعتبار عند صياغته النهائية مطالب الجماهير والقوى الوطنية في خصوص ما يجب أن يكون عليه هذا الدستور الجديد من مبادئ وتوجهات وضوابط من أجل أحداث النقلة المنتظرة من النظام الرئاسي إلى نظام حكم جديد يقطع الطريق أمام العودة إلى الاستبداد والدكتاتورية باسم الدستور، وفي نفس الوقت يؤسس لنظام سياسي يحقق توازنا حقيقيا بين السلطات على أساس التفريق بينها بما قد يكون جوهر هذا النظام أقرب إلى النظام البرلماني المعدل ولعل الصورة النهائية لما يجب أن يكون عليه النظام السياسي الجديد وفقا للصياغة النهائية للدستور الجديد تتشكل من ناحية تبعا لتبني مطالب الثورة ومن ناحية أخرى مراعاة لمقتضيات واقع البلاد بصفة عامة، حتى لا نقع في خطيئة نقل دساتير جاهزة قد تكون متماشية مع أوضاع مجتمعات وبلدان أخرى مغايرة لأوضاع مجتمعنا ويكون من مهمة المجلس الانتقالي لرئاسة الدولة، بعد انتهاء المجلس الوطني التأسيسي من صياغة الدستور الجديد، الدعوة إلى تنظيم استفتاء عام بشأن الدستور الجديد اثر التشاور والتوافق مع كافة القوى والهيئات الوطنية لتحديد تاريخ إجراء هذا الاستفتاء 6 تنظيم الانتخابات التشريعية والرئاسية لن نتوقف طويلا عند هذه النقطة، باعتبار أن تنظيم انتخابات رئاسية وتشريعية طبق أحكام الدستور الجديد إنما هي في الواقع مسألة إجرائية ستكون محل تشاور وتوافق بين المجلس الانتقالي لرئاسة الدولة وكافة القوى والهيئات الوطنية والسياسية والنقابية والمهنية من أجل تحديد موعد إجراء هذه الانتخابات وضبط آليات إنجاحها توصلا إلى دخول البلاد في مرحلة جديدة تجسم هذا التأسيس الديمقراطي للنظام السياسي الجديد الذي سيفتح الأمل ويصرف اهتمام الجميع إلى بناء الديمقراطية والتنمية والعدالة والتقدم. 7 الإشراف القضائي على الانتخابات من الضروري أن يبادر المجلس الانتقالي لرئاسة الدولة إلى الإعلان رسميا عن وضع جميع العمليات الانتخابية بدءا من انتخاب المجلس الوطني التأسيسي ومرورا بالاستفتاء على الدستور الجديد وانتهاء بالانتخابات الرئاسية والتشريعية تحت إشراف السلطة القضائية المستقلة وتبرير هذا الإجراء يرتبط بتأكيد ليس فقط استقلالية السلطة القضائية في إطار نظام سياسي جديد يقوم على مبدأ التفريق بين السلط وعلى تحقيق التوازن بينها وإنما يرتبط أيضا بتأكيد ثقة الشعب في نزاهة وأمانة واستقلالية القضاء التونسي.. والإشراف القضائي على العملية الانتخابية هوالذي سيوفر الضمانة الحقيقية لنزاهة ومصداقية وشفافية الانتخابات بما تسفر عنه من نتائج يلتزم الجميع باحترامها والإذعان لها وبذلك يمكن من هذه الزاوية للسلطة القضائية أن يكون لها دور وطني في تنظيم الحياة السياسية في اتجاه ديمقراطي سليم يساهم حقيقة في التأسيس لإرساء قواعد نظام سياسي جديد يبعد شبح الانتكاس والارتداد إلى الخلف ويحقق القطيعة التامة مع سلبيات ومآسي وكوارث الماضي... 8 انتهاء المهام وإرجاع الأمانة إذا كانت تلك هي أبرز المهام الموكولة للمجلس الانتقالي لرئاسة الدولة في هذه المرحلة مساهمة في التأسيس للنظام الجديد وإحباطا لمناورات الثورة المضادة، فإن نجاحه في انجاز هذه المهمات الوطنية التي لا تخلومن صعوبة هوفي الحقيقة إنجاح لمسار الثورة واضطلاع بالأمانة التي تحملها استجابة لنداء الواجب الوطني ونزولا عند إرادة الشعب الذي فجر الثورة وإذا كان المجلس الانتقالي لرئاسة الدولة قد تسلم الأمانة وتحمل أعباء صيانتها والمحافظة عليها فإن من تمام أداء الأمانة هوإرجاعها إلى أهلها، وطالما أن الثورة هي ملك للشعب وأن المجلس الانتقالي لرئاسة الدولة هوالمؤتمن عليها فإنه لا يبقى في النهاية إلا تأكيد انتهاء المهام وإرجاع الأمانة.. ويحضرني في هذا السياق تلك الآية التي ضمنت بنص تلي بمناسبة مائوية المحاماة التونسية سنة 1998 بقصر قرطاج بحضور الرئيس المخلوع والتي جاء فيها « إنا عرضنا الأمانة على السماوات والأرض والجبال فأبين أن يحملنها وأشفقن منها، وحملها الإنسان..» عند هذا الحد الذي قصده الكاتب متعمدا توقف قارئ النص دون أن يدري هذا القارئ بقية الآية، في حين أكملها الحاضرون في صدورهم وهم داخل القصر في حضرة الرئيس المخلوع وفي مواجهة كرسيه «انه كان ظلوما جهولا »، وهذا شكل آخر من أشكال النضال الدائم الذي لا يتوقف ويتكيف ويتأقلم،فإن لم تستطع بفكرك وبقلمك وبقلبك.. وإني أنزه المجلس الانتقالي لرئاسة الدولة من الوصف المذكور بالآية الذي انطبق تماما قبل الوقوع على حالة الرئيس المخلوع، كما أني أثق في أن هذا المجلس سيحفظ الأمانة ويفخر بإرجاعها إلى أهلها، فلكل أمانة ضمانة، وضمانة أمانة الثورة الشعبية هي فيما يحمله ويلتزم به الجيش التونسي من قيم الشرف والوفاء والوطنية... ٭ الأستاذ محمد رضا الأجهوري (كلية الحقوق والعلوم السياسية بتونس)