محامي الزغيدي: هذا ما توصّلت اليه الاختبارات الفنية لهواتف موكّلي وبسيّس    عاجل/ رئاسة الحكومة تكشف العدد الجملي للمسجونين من أجل الشيك دون رصيد    المحرس: إحباط عملية إجتياز للحدود البحرية خلسة    تونس تحرص على استكمال جملة من المشاريع الإصلاحية في مجال الطيران المدني    القيروان: ضبط نحو 300 طن من القمح داخل مستودع عشوائي    زغوان: المصادقة على 57 عملية استثمارفي القطاع الفلاحي بقيمة تجاوزت 1 مليون دينار    القصرين: تواصل عملية تحيين السجل الانتخابي بالجهة    رئيس الجمهورية يؤدي بطهران واجب العزاء في وفاة الرئيس الايراني (فيديو)    عاجل/ مجزرة جديدة في غزة..وهذه حصيلة الشهداء..    وزيرة الصناعة: "لا زيادة في اسعار المحروقات حتى آخر السنة"    اتحاد الفلاحة : ''مزارعي الحبوب استبشروا مع بداية الموسم''    اجراء قرعة التناوب بالمجالس الجهوية بداية من 1 جوان    المدير العام للضمان الاجتماعي: الإقبال على القروض كان كبيرا ونسبة الموافقة عليها تجاوزت 70%    اتحاد الفلاحة : '' السماسرة '' بدأوا بالفعل في التحكم في السوق    عزيز دوقاز لاعب التنس التونسي يواجه اليوم الإسباني دانيال رينكون    تونس : المخزون الاستراتيجي من الحليب المعلّب يقدر ب 20 مليون لتر    المرسى: منحرف خطير في قبضة الأمن    باردو: القبض على مورّطين في قضايا سلب تحت طائلة التهديد بسلاح أبيض    تكبير الصدر: أكثر عمليات التجميل إقبالا في تونس..    نابل: القبض على منحرف خطير مندمج في مجال ترويج المخدرات..    أبطال إفريقيا: الترجي الرياضي يشد الرحال إلى القاهرة    عاجل : الترجي يقدم هذه التوصيات لأحبائه الذين سيحضرون مباراته مع الأهلي    التونسي هيكل الشيخاوي يحرز رابع أهدافه في البطولة الاماراتية    بطولة كرة اليد: اليوم دربي الإثارة بين النادي الافريقي والترجي الرياضي    غوارديولا يفوز بجائزة أفضل مدرب في البطولة الإتقليزية الممتازة لهذا العام    عضو بمجلس إدارة البنك المركزي : تعيين لمياء جعيدان مزيغ عوضا عن ليلى البغدادي    اليوم ..مراد الزغيدي و برهان بسيس أمام الدائرة الجناحية الثامنة بابتدائية تونس    سليانة: تحديد يوم 27 ماي الجاري لحصاد الشعير ويوم 3 جوان القادم لحصاد القمح    أبو الغيط يرحب باعتراف النرويج وإيرلندا واسبانيا بدولة فلسطين..    حجز 100 صفيحة من مخدر القنب الهندي داخل منزل بالتضامن    مضيفة طيران تونسية تخنق ابنتها ثم تطعن نفسها بسكين : معطيات صادمة    أبرز اهتمامات الصحف التونسية ليوم الاربعاء 22 ماي 2024    مسرحية "السيدة المنوبية" تفتتح الدورة الرابعة لأسبوع المسرح البلدي بتونس    اتحاد الفلاحة يوجه نداء هام الى هؤولاء..    وزير الصحة يشدّد على ضرورة مواكبة التطوّرات الحديثة في مجال تحليل الجينوم البشري    رئيس الوزراء الإيرلندي يعلن اعتراف بلاده بدولة فلسطين (فيديو)    التوقعات الجوية لهذا اليوم..    يهم التونسيين : درجات الحرارة من المتوقع أن تتجاوز المعدلات العادية في الصيف    إعصار قوي يتسبب في سقوط قتلى وجرحى بولاية أميركية    بطولة العالم لألعاب القوى لذوي الإعاقة: فضية لروعة التليلي وبرونزية لأمان الله التيساوي    النرويج أول دولة أوروبية تعلن استعدادها لاعتقال نتنياهو    في بث مباشر: مغني راب ينهي حياته عن طريق الخطأ    نابل .. استعدادات لموسم الحصاد    انتصرت لها تونس خيمة لسينما غزّة في «قلب كان»... رغم رفض «المهرجان »    المنستير: فقرات ثقافية وتنشيطية وسياحية متنوعة في الدورة الأولى لمهرجان عمر بوزقرو للشركاو    المجمع المهني للصناعة السينمائية يكشف عن خطة عمل ويدعو إلى التعاون من أجل حفظ الذاكرة السينمائية    سوناك يعلن "يوم العار" في بريطانيا بسبب فضيحة فيروس نقص المناعة    صفاقس : نقص كبير في أدوية العلاج الكيميائي فمن يرفع المُعاناة عن مرضى السرطان؟    عاجل/ رسمي: الاعلان عن موعد دربي العاصمة    20 مسماراً وأسلاك معدنية في بطن مريض    سيدي بوزيد: برمجة ثرية في الدورة 21 لملتقى عامر بوترعة للشعر العربي الحديث    في مهرجان "كان": كيت بلانشيت تتضامن مع فلسطين بطريقة فريدة    سعاد الشهيبي تستعد لإصدار "امرأة الألوان"    هل فينا من يجزم بكيف سيكون الغد ...؟؟... عبد الكريم قطاطة    لتعديل الأخطاء الشائعة في اللغة العربية على لسان العامة    ملف الأسبوع...المثقفون في الإسلام.. عفوا يا حضرة المثقف... !    منبر الجمعة .. المفسدون في الانترنات؟    عاجل: سليم الرياحي على موعد مع التونسيين    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



حديث الأحد: شقيق العالم المصري العراقي الذي اغتاله الأمريكان في سجن «أبو غريب» ل «الشروق»: تفتيش... فاعتقال... فاغتيال... هذه مراحل التصفية الجسدية التي اختارها له الاحتلال الأمريكي
نشر في الشروق يوم 18 - 06 - 2005


الاسكندرية (الشروق) حوار فاطمة بن عبد الله الكراي:
لم يكن الطريق من القاهرة الى الاسكندرية (صباح يوم سبت)، شائكا ولا صعبا... كانت السيارة التي حملتني الى بيت شقيق العالم المصري العراقي الدكتور محمد عبد المنعم الازميرلي والذي اغتالته يد الاحتلال في سجن «أبو غريب» تلوي الطريق الصحراوي وتطويه طيا... كان فكري مشغولا بهذا الحدث الذي شاهدت وقرأت تفاصيل منه بدت لي مثيرة ومحثّة لي كي أبحث عن ذاك الرجل شقيق العالم الذي اغتيل والذي أثر في المشاهدين أيما تأثير قصة وتصرّفا... فقد بكى الاستاذ حمدي الازميرلي أمام ملايين المشاهدين وعاود البكاء بأكثر حرقة لما كنت أمامه أسأله عن تفاصيل ما حدث للشقيق العالم الذي فقدته مصر والعراق والأمة... الصدمة كانت كبيرة على الشقيق وعلى كل العائلة، لكن والدتهم والدة العالم الشهيد « عبد المنعم الازميرلي» لا تعلم الى حد إجراء اللقاء شيئا عن ابنها الذي أخذ منه علمه وبحوثه المتطورة والملفتة... حدس الامومة يقول لها إن ابنها به سوء والمعلومات والحقيقة مغيبة عنها الى اليوم خوفا عليها من صدمة قد تودي بحياتها...
الشقيق الاكبر الاستاذ «حمدي الازميرلي» كشف ل «الشروق» في ركن «حديث الاحد» مسيرة عالم آمن أن الروس والامريكان والفرنسيين ليسوا أفضل من العرب سوى بعلومهم... فأتى عبد المنعم العلم وثابر وتألق الى أن لفت النظر اليه من السوفيات الى الامريكان مرورا بالعراقيين... أراد أن يسهم في نهضة بلد عربي تفطن مبكرا أن العلوم والتكنولوجيا هما أساس نهضة الامم وليس المخزون النفطي أو مخزونات الذهب التي يمكن أن ترتقي بشعب الى مصاف الدول المتقدمة... ولان مشروعا كهذا معاد للكيان الصهيوني ومتجاسر على الاهداف والمخططات الامريكية في المنطقة ويعد من «الكبائر» في عرف الامبريالية السائدة ورأس حربتها في المنطقة، فقد كان العراق هو أول من دفع الثمن كبلد وكان د. الازميرلي هو أول من دفع الثمن كعالم...
رحلة مثيرة وقصة مؤثرة تلك التي حملت الفتى والطفل ابن الاسكندرية، سمت به كثيرا في رحاب المعارف والعلوم وفي رحاب الدول والقارات...
سألت محدثي عن قصة الاغتيال وكيف سُجن العالم الدكتور الازميرلي الذي تجاوز صيته كل الحدود الجغرافية وأكد أن في الوطن عقولا قادرة على الخلق والابداع طالما قدم الوطن مشروعا يستحق الدفاع عنه... فتأثر محدثي وقد كانت عواطفه تسبق نطقه فما إن تذكر فترة الصبا التي جمعته مع شقيقه الذي يصغره بعام واحد، حتى أجهش بالبكاء واعتذر وغادر المكان الذي جمعنا في بيته، ثم عاد بعد أن تبعته زوجته الى احدى الغرف بمنديل جفّف به دمعه... كنت التقيته في الموعد المحدد للقاء صباحا، وقد ساعدتني طوال الرحلة الفتاة الشابة سمر نجيدة، وهي لم تبلغ إلا الخامسة عشر من عمرها... جمعت بين المصرية والتونسية أبا وأمّا، وقد فطّنتني منذ الوهلة الاولى التي التقينا فيها شقيق العالم الشهيد، أن الرجل محتقن، وأن الدمع في عينيه سبق رؤيانا...
قال محدثي إن نبوغ الشقيق كان واضحا وحادا منذ السنوات الخمس الاولى... فقد ترافقنا في نفس الحضانة ونفس السنة، فقط لمجرد أن ذكاءه الحاد جعل الاطار التربوي يعرضه على اختبار قدرات، واذا بهم يقررون أن يدخل عبد المنعم المدرسة قبل أوانه «فترافقنا سنوات الدراسة الاولى» وكان الطفل والشاب، محمد عبد المنعم، محبوبا من أساتذته... انتقل من الاسكندرية الى القاهرة وتخصص في علوم الكيمياء العضوية، حيث تخرّج سنة 1960 بدرجة امتياز مع درجة الشرف الاولى... ثم عُيّن معيدا بالكلية نفسها التي تخرّج منها.
بعد سنة من التخرّج أعلنت الدولة المصرية عن بعثات مختلفة لمزيد تعميق العلوم والمعارف للخريجين فكان نصيب الدكتور الازميرلي السفر قصد التعلّم الى الاتحاد السوفياتي، ضمن بعثة الدكتوراه للمركز القومي للبحوث.
بعد أن تحدث عن مناقب الشهيد، العلمية سألت محدثي عن حادث الاعتقال والاغتيال فقال:
عندما قدمت السفارة العراقية بالقاهرة سنة 74 إعلانا تطلب من خلاله دكاترة يعملون بالعراق، وخاصة اختصاص الشقيق الذي يعدّ دقيقا ونادرا (تخصّص في علم الموارث يمسّ الصواريخ وتوجيهها أو تعطيلها)!، وبعد أن عرض عليه صاحبه الاعلان العراقي، رفض أخي تلك الطريقة وقال: «إن كان بالعراقيين حاجة الى اختصاصي وأبحاثي فليس أمامهم إلا أن يطلبوني اما ان أقدم إعارة هكذا بمجرد اطلاعي على إعلان بطلب اختصاصات علمية ومنها اختصاصي، فهذا ما أرفضه»... لكن القدر جرى بعكس ما كان صديقه يعتقد، لما رفض أخي محمد عبد المنعم الاستجابة لاعلان عام... السفارة العراقية طلبت فعليا الشقيق، الذي سافر (في مثل هذا الشهر 16 9 74) الى جامعة بغداد... استمر يدرّس بجامعة بغداد بعد أن غادر مصر وبين جنباته 23 بحثا من الترقيات فقط إضافة الى إشرافه على رسائل علمية وبحوث عديدة بجامعة القاهرة... كان طموحه العلمي والاكاديمي وهو في الخامسة والثلاثين من عمره، بلا حدود، لذلك كان إشعاعه وتألقه في جامعات بغداد بنفس النسق في التصاعد، الذي كان عليه وهو في القاهرة... تزوّج من أخت عراقية فاضلة وهي أيضا عالمة، وتعرضت للاسر والاعتقال بعد سقوط بغداد... هي د. ساهرة عبد الله، اخذ الجنسية العراقية وانجبا بنتين وولدا، الكبرى هي الآن طبيبة واستاذة بكلية الطب (26 سنة) والثانية طالبة بكلية الطب ببغداد (24 سنة) والابن الاصغر اشرف (20 سنة) هو الآن بالقسم النهائي بكلية العلوم ببغداد..
يصل محدثي الى النقطة التي اصر طوال اللقاء على استبعادها فأجهش ثانية بالبكاء وقال: اتصلت بي ابنته الكبرى وبلغتني خبر نعي والدها شقيقي العزيز بعد ان كانت اخبار اعتقاله واعتقال زوجته تصلني اولا بأول..
ثم واصل وهو يراجع الاحداث من الاول بعد ان سألته عن مؤشرات قد تكون بانت للعيان قبل غزو بغداد ولما كان التهديد الامريكي للعلماء واضحا، فقال: كنا نتبادل الرسائل ونتخاطب عبر الهاتف، وقد ذهبت والدتنا اليه عديد المرات على اعتبار ان موقعه العلمي الحساس، لم يكن ليسمح له بالرجوع الى مصر ولو في زيارة... لما بدأ التهديد الامريكي للعراق اتصلت به وقلت له يا شقيق آتيك الى غداد لأطمئن عليك وعلى العراق... فردّ علّي رحمه الله بالقول: الوضع غير واضح... خليّك بالقاهرة، وأنا اعاين الوضع وأقول لك.
هنا عاود محدثي البكاء الحارق الذي ابكى كل من حوله اي زوجته وانا و»صديقتي» الصغيرة التي بدا لي اني حمّلتها مبكرا وزر اخبار الحرب والصهيونية فإذا «بسمر نجيدة» تتأبط على صغر عمرها، كل هذه الاخبار والمعطيات بلا مفاجآت.. شأنها شأن ابناء جيلها من الشباب والاطفال العرب الذين شيّبتهم القضايا المتربصة بالأمة مبكرا..
بعد برهة، وعلى اثر استعراض جزء من الذكريات قد يكون الندم على انه استمع الى رأي اخيه، مسيطرا على وجدانه، فقد كان سيلتقيه يقف على حجم الكارثة المتربصة بالعراق وبمئات العلماء العراقيين، الذين تولت امرهم «الموساد» قبل الامريكان...
يضيف محدثي القصة المثيرة بالقول: بدأت الحرب على العراق في 20 مارس، وكنا كعائلة نحسّ بدمارها وبقوتها وجبروتها الف مرة اكثر من بقية ابناء وطننا... فالعراق عزيز وابننا الغالي عزيز ايضا.. وكنا نعرف جيدا اهمية اختصاصه العلمي ومدى تربص المحتلين بهكذا اختصاص..
في اليوم الخامس من الحرب، اتصلت بأخي في بغداد وكانت فرحتي شديدة حين وفّقت في الاتصال وفي سماع صوت اخي الذي طمأنني عن عائلته الصغيرة فطمأنته بدوري عن عائلته الكبيرة هنا في مصر بالاسكندرية...
قال لي عبد المنعم بالحرف: «نحن عايشين، يا اخي، وادعوا ربنا يسترها معانا»... انقطع الخط الذي كان معجزة الحصول عليه، وذلك بعد ان ضرب الامريكيون ان تذكّرت مركز الاتصالات في بغداد... وتواصل الانقطاع وساد تلك الفترة توجس وخوف في صلب العائلة... وبعد «توقف الحرب» اتصلت بي ابنة اخي الكبرى عن طريق «الثريا» وقالت لي: ىا عمي لقد جاؤوا (الامريكان) واخذوا بابا وماما واخذوا كل ابحاثه والحاسوب واوراقه كلها... ولا نعرف شيئا عنهما»... وبعد ان غلب على محدثي الحزن والأسى واصل على لسان ابنة اخيه الكبرى التي اعلمته بالخبر من بغداد: عمي شوف لي بابا وماما، فين، نحن هنا وحدنا ولا اتصالات داخلية ولا نقدر على شيء من هنا»... وبسرعة بدأت اتصالاتي من هنا من مصر، عبر الصليب الأحمر وبعض الهيئات والدوائر، الى أن عرفت أن شقيقي معتقل في بغداد... قد يكون المطار قبل أن يحولوه الى سجن «أبو غريب»... وعلمت أن زوجة أخي أفرج عنها، ولم تكن تعلم بمكان اعتقال زوجها ولا هو يعلم أي معتقل أو سجن اودعوها...
اتصلت بي ابنة أخي ثانية لتعلمني أن والدتها أفرج عنها... وبعد مدة وصلت أبناء أخي وأمهم رسالة من د. عبد المنعم والدهم، عبر الصليب الأحمر، وبدأت العائلة في مسار لتبادل الرسائل بين الأب المعتقل وعائلته عبر الصليب الأحمر...
كيف كان وضع والدتكم وهي تعلم بالحرب والاعتقال عن هذا السؤال أكد محدثي بأن والدة العالم المغتال، لا تعرف نبأ الوفاة الى اليوم غير أنها والى حدود تمكنها من قراءة الصحف، تعلم أن ابنها معتقل يحقق معه الأمريكان، لأنها تعلم أن ابنها عالم من صنف خاص... وأبحاثه ملفتة...
في عيد الفطر، يوضح محدثي، أعلمتني ابنة أخي أن والدهم خاطبهم بالهاتف لأول مرة «وأنه بخير يا عمي ويسلم عليكم»... ثم عاود مخاطبتهم بالهاتف ثانية بعد العيد وكان يطمئنهم عن صحته وأحواله...
وبعد شهرين أي في عيد الاضحى سمح لعائلة أخي أن تزوره في المعتقل فأخذوهم الأربعة (الأم والأبناء) معصبي الأعين وطلبوا منهم بشدة أن لا يعلموا أحدا بالزيارة... وهنا تتدخل زوجة الدكتور حمدي الأزميرلي لتكشف لي حقيقة موازية مفادها أن حماتها (أم زوجها) قصت على مسامعها هي وأخوات زوجها يوم عيد الاضحى حلما مفاده أنها ولما كانت جالسة على حافة السرير تنتظر الاذان للصلاة، أحست وكأن أحدا يوخزها في جنبها بمرفقه أو بيده حتى تلتفت، ولما التفتت وجدته عبد المنعم ابنها وقال لها : أنا أتيت يا أمي وأنا جائع ولما همت الأم لتستجيب لطلب ابنها الغائب عنها، لم تجده جنبها... ونبهت الأم وهي تروي الحلم بأنه ليس حلما بل رؤيا وأن «أخوكم به سوء»... وتواصل محدثتي ولما تثبتنا من يوم الوفاة وجدنا أنه هو نفس اليوم الذي وافق الحلم أو الرؤيا التي عنونت شعور الأم الذي لا يغيب...
لقد كان أقرب أبنائها الى قلبها، يضيف محدثي فاخي وبحكم أنه أصغر الأولاد، كان قلبها رقيقا تجاهه، وقد ساعد على ذلك «غربته» وبعده عنها... رغم أنها أكثر عنصر في العائلة زاره في العراق وفي منزله...
وهنا يرجع الى قصة الوفاة وملابسات القتل الذي تعرض له العالم الدكتور محمد عبد المنعم الأزميرلي أصيل الاسكندرية والذي ينتظر شقيقه لفتة من حكومته (القاهرة) حتى يستقدم رفاته الى مصر وعائلته كذلك، بحسب طلبه هو قبل استشهاده...
قال محدثي وقد اعتلته أسئلة حيرة كثيرة تجاه هذا التحدي الذي يعانيه العرب إن هم خرجوا عن خط الفقر والتخلف اللذين لا ترتئي الدوائر الإمبرالية غيرهما سبيلا لنا نحن العرب : وفي يوم آخر، وبعد هذه الزيارة لوالدهم والتي وجدوه خلالها بصحة جيدة وجدت على الهاتف ابنة أخي المسكينة وهي تعزيني في شقيقي توأم روحي، عزيزينا وفقيدنا الذي لم يتكاسل ولم يبخل بعلمه في سبيل نهضة عربية تبدأ من بغداد أو من مصر... قالت لي : «البقية في حياتك يا عمي، في بابا»...
لم يكن النبأ هينا، لكن ما هو أشد قسوة منه هو طريقة الوفاة، ففي حين جاء التقرير الطبي لقوات الاحتلال أن الشهيد توفي على اثر احتقان في الدماغ، رفض الطبيب العراقي اعطاء اذن بدفن الجثة التي وصلت المستشفى لأنه وجد مؤخرة رأسه بها جرح بخياطة وجرح آخر على الجبين... وبعد التشريح نص التقرير الطبي العراقي على أن العالم المصري العراقي د. عبد المنعم الأزميرلي تعرض الى ضرب بجسم صلب على مؤخرة الدماغ... ودفن الشقيق يوم الخميس بدل الاربعاء... وهنا اشتد محدثي عصبية وناشد منظمات حقوق الإنسان بأن يحمي حق شقيقه قائلا : إن حق أخي هو عند الاحتلال...
ولا تزال عائلة الازميرلي تخبىء النبأ على الوالدة العجوز التي لم تعد تسعفها نظاراتها قراءة الصحف، مما بعث شيئا من الراحة المؤقتة لدى العائلة.
لكن قلب الأم وإحساسها جعلها تكثر من الأسئلة وتكثر من تفحص الوجوه يوم الجمعة يوم اللقاء العائلي... فلم تقدر الأخوات على لبس الأسود حزنا وحدادا على شقيقهن، ولم يستطع شقيقه د. حمدي الأزميرلي سوى على حبك «خطة» مع أبناء أخيه في بغداد تتمثل في أن يطلبوا الأهل في الهاتف عند الجدة كل يوم جمعة حتى تمر «المسرحية» بسلام، وهي في الحقيقة تراجيديا فاقت اليونانية من حيث حجم الأحزان التي تحويها... الأم لم تر ابنها منذ 16 سنة حين حضرت ببيته ببغداد وحضرت جزءا من حرب ايران والعراق... كان الشهيد محببا من أصدقائه وأقرانه وأساتذته وأهله وذويه... أمه تلازم الفراش في بيتها بالاسكندرية عجزا وهوسا تجاه مصير ابنها الذي لم يؤكد لها أحد ال1 الذي ينقص قناعتها بأنه «راح ولن يعود» وأرملته تلازم الفراش منذ دفنه الى اليوم ببيتها في بغداد... حزنا على فراق الحبيب والزوج المشرف... وأبناؤه لم يجدوا بدا سوى تقديم شكوى بالاحتلال الأمريكي لما وقع لوالدهم من جرم واغتيال...
وما زالت قصة العالم الأزميرلي تتصدر الصحف الأجنبية مثل «القاردين» و»لوس انجلس تايمز» فهاتان الصحفيتان آثرتا منذ غزو العراق أن تكشفا واحدة من لندن والأخرى من لوس أنجلس كل الأسرار التي تهم العلماء... والمسكوت عنه من قبل الاحتلال الأمريكي وعملائه...


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.