خطير/ منحرفون يثيرون الرعب ويهشمون سيارات المواطنين.. ما القصة..؟!    عاجل/ تعزيزات أمنية في حي النور بصفاقس بعد استيلاء مهاجرين أفارقة على أحد المباني..    منوبة: تقدّم ّأشغال بناء المدرسة الإعدادية ببرج التومي بالبطان    الحماية المدنية: 17 قتيلا و295 مصابا في ال 24 ساعة الماضية    فتح تحقيق في وفاة مسترابة للطبيب المتوفّى بسجن بنزرت..محامي يوضح    %9 حصّة السياحة البديلة.. اختراق ناعم للسوق    وزير الخارجية الأميركي يصل للسعودية اليوم    نقطة ساخنة لاستقبال المهاجرين في تونس ؟ : إيطاليا توضح    الخارجية الإيرانية تعلّق على الاحتجاجات المناصرة لغزة في الجامعات الأمريكية    كأس الكونفدرالية الافريقية : نهضة بركان المغربي يستمر في استفزازاته واتحاد الجزائر ينسحب    الدوري المصري: "معتز زدام" يرفع عداده .. ويقود فريقه إلى الوصافة    مدنين : مواطن يحاول الإستيلاء على مبلغ مالي و السبب ؟    نشرة متابعة: أمطار رعدية وغزيرة يوم الثلاثاء    تعرّض سائق تاكسي الى براكاج في سوسة أدى إلى بتر إصبعيه    17 قتيلا و295 مصابا في ال 24 ساعة الماضية    سليانة: 4 إصابات في اصطدام بين سيارتين    قيس الشيخ نجيب ينعي والدته بكلمات مؤثرة    ما حقيقة انتشار "الاسهال" في تونس..؟    تصل إلى 2000 ملّيم: زيادة في أسعار هذه الادوية    تونس : ديون الصيدلية المركزية تبلغ 700 مليار    هام/ بشرى سارة للراغبين في السفر..    كأس الكاف: حمزة المثلوثي يقود الزمالك المصري للدور النهائي    عاجل/ ستشمل هذه المناطق: تقلبات جوية منتظرة..وهذا موعدها..    الرابطة الأولى: برنامج مباريات الجولة السادسة لمرحلة التتويج    جائزة مهرجان ''مالمو'' للسينما العربية للفيلم المغربي كذب أبيض    بعد مظلمة فرنكفورت العنصرية: سمّامة يحتفي بالروائية الفسطينية عدنية شبلي    التونسيون يتساءلون ...هل تصل أَضحية العيد ل'' زوز ملايين'' هذه السنة ؟    زلزال بقوة 4.6 درجات يضرب هذه المنطقة..    أخيرا: الطفل ''أحمد'' يعود إلى منزل والديه    يوميا : التونسيون يهدرون 100 مليار سنويا    زيارة ماسك تُعزز آمال طرح سيارات تسلا ذاتية القيادة في الصين    دكتور مختصّ: ربع التونسيين يُعانون من ''السمنة''    عاجل/ تفكيك شبكة مُختصة في الإتجار بالبشر واصدار 9 بطاقات إيداع بالسجن في حق أعضائها    غوارديولا : سيتي لا يزال أمامه الكثير في سباق اللقب    معز السوسي: "تونس ضمن القائمة السوداء لصندوق النقد الدولي.."    تونس / السعودية: توقيع اتفاقية اطارية جديدة مع المؤسسة الدولية الإسلامية لتمويل التجارة    خط جديد يربط تونس البحرية بمطار تونس قرطاج    قرار جديد من العاهل السعودي يخص زي الموظفين الحكوميين    ثمن نهائي بطولة مدريد : أنس جابر تلعب اليوم ...مع من و متى ؟    بطولة ايطاليا : رأسية أبراهام تمنح روما التعادل 2-2 مع نابولي    طقس الاثنين: تقلبات جوية خلال الساعات القادمة    حزب الله يرد على القصف الإسرائيلي ويطلق 35 صاروخا تجاه المستوطنات..#خبر_عاجل    السعودية: انحراف طائرة عن المدرج الرئيسي ولا وجود لإصابات    عملية تجميل تنتهي بكارثة.. وتتسبب بإصابة 3 سيدات بالإيدز    أسير الفلسطيني يفوز بالجائزة العالمية للرواية العربية    البنك التونسي للتضامن يحدث خط تمويل بقيمة 10 مليون دينار لفائدة مربي الماشية [فيديو]    انطلاق فعاليات الدورة السادسة لمهرجان قابس سينما فن    50 % نسبة مساهمة زيت الزيتون بالصادرات الغذائية وهذه مرتبة تونس عالميا    وزير السياحة: عودة للسياحة البحرية وبرمجة 80 رحلة نحو تونس    بمشاركة ليبية.. افتتاح مهرجان الشعر والفروسية بتطاوين    برنامج الدورة 28 لأيام الابداع الادبي بزغوان    في اليوم العالمي للفلسفة..مدينة الثقافة تحتضن ندوة بعنوان "نحو تفكرٍ فلسفي عربي جديد"    البطولة الوطنية: النقل التلفزي لمباريات الجولتين الخامسة و السادسة من مرحلة التتويج على قناة الكأس القطرية    القواعد الخمس التي اعتمدُها …فتحي الجموسي    خطبة الجمعة .. أخطار التحرش والاغتصاب على الفرد والمجتمع    منبر الجمعة .. التراحم أمر رباني... من أجل التضامن الإنساني    أولا وأخيرا...هم أزرق غامق    ألفة يوسف : إن غدا لناظره قريب...والعدل أساس العمران...وقد خاب من حمل ظلما    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



حديث الأحد: فدوى البرغوثي ل «الشروق»: يوم سقوط بغداد قال مروان: انه يوم أسود وحزين
نشر في الشروق يوم 18 - 06 - 2005

عمان «الشروق: حاورتها بالاردن مبعوثتنا الخاصة: فاطمة بن عبد الله الكراي
هي بكل المقاييس ليست امرأة عادية... وهي ليست أمّا عادية... وهي كذلك ليست زوجة عادية... لو قدّر لأحدهم ان يسمع قصتها بكل تفاصيلها ولكل معاناتها الذاتية والموضوعية، على اساس انها الأم التي اعتقل ابنها بلا سبب واضح غير الظلم والغطرسة، وأنها الزوجة التي ضحّت برؤية زوجها طوال اربعة اشهر كاملة قبل اعتقاله وتعرّضه الى اقسى محاكمة والى ظلم غير مسبوق، وكذلك على اساس انها المحامية الممنوعة من ممارسة مهنتها والمهددة في كيانها ايضا بعد ان اعتقلها الصهاينة المحتلون لإرهابها حتى لا تقف في خط «الدفاع» ان كان يجوز القول ان في «اسرائىل» محاكم وقانون، اذن لو قدّر للمرء ان يسمع هذه القصة، لجُنّ اولا وفقد صوابه ثانيا ولأصيب بالقرف ثالثا..
قابلتها صدفة، والاردن كما تأكدت فعليا من ذلك اضحى اليوم ارض اللقاءات وبامتياز بين الأهل والأهل من فلسطين وبين الأهل والأهل من العراق.. وجدتها في بهو مجلس النواب قابلت لتوّها رئيس مجلس النواب السيد المجالي، وكان الوقت ضيّقا لأنني أليها في لقائه، فاستبشرت بتونس واهل تونس من خلال تلك الدقائق... تونس التي تعني لها الكثير فمروان البرغوثي كان يوما بيننا وهي ايضا تعرف تونس وتقول انها افضل ايام عمر المناضلين الذين رجعوا الى فلسطين وسلاحهم الانتفاض ضد المحتل والاصرار على الحق... ولو ذاتيا، لأن الغطاء العربي الى زوال..
التقينا وقد كان برفقتها ابناؤها الثلاث، ما عدا قسّام الذي يقبع في سجون الاحتلال منذ ستة اشهر ونيف... احتقن الدمع في عينيها منذ اللحظات والكلمات الأولى وعاود الاحتقان مرة أخرى فكان الوجه يشتدّ احمرارا، والدمعة تلمع لكنها لا تخرج... بكيت ولم تبك دمعا سائلا، بل كانت «كجلمود صخر» وكأن لسان حالها يقول: « ليس الآن... فالوقت ليس وقت بكاء... انها تجوب البلاد العربية لترفع غشاء النسيان عن قضية المناضل مروان البرغوثي... الاستاذة فدوى البرغوثي ولما تجالسها حديثا وذكريات ومواقف، تحسّ ان النضال رضاعة فلسطينية يشربها المرء منذ نعومة اظافره، ان كان يرنو الى واقع افضل لبلاده... تحسّ ان الواعز النضالي عند فدوى البرغوثي ليس مستحدثا ولا هو ظرفي وليس مرتبطا بمصير مروان ولا قسّام... ماذا لو كانت هذه المرأة العالمة والمتمكّنة من اختصاصها القانوني، تنتمي الى بلد مستقلّ لا يسطو عليه الغرباء ولا يلقى اهله في الشوارع والمخيمات او يقذف بهم خارج الحدود الوطنية؟ طوال مراحل اللقاء الذي زاد عن ثلاث ساعات، ما فتئت المحامية الشابة تقصّ عليّ عذابات عائلة، حكم على رئيسها (مروان البرغوثي) بالمؤبد مثنى وثلاثا ورباعا... عذابات شعب قدره ان يكون في طليعة هذه الأمة «المأزومة»...
كانت الاستاذ فدوى البرغوثي في عمان قبل ان تتوجه الى لبنان ومصر وبعض البلدان العربية، تحشد التأييد العربي لمروان ولقسّام ومن خلالهما كل مساجين فلسطين عند الاحتلال...
تحدثت عن ارهاب السجانين لمروان... دون ان يفلحوا في زعزعته... تحدثت عن ارهاب الدولة المنظم الذي تربص بالطفل «القسّام»، اذ ما ان بلغ الثمانية عشر حتى سجنه المحتلون بتهمة جاهزة ومهيأة سلفا تقول والدته ان الاحتلال الاسرائىلي اراد ان يحقق هدفين بضربة واحدة: إحداث انهيار نفسي لدى مروان في سجنه ومنع «القسام» من دخول الجامعة، وبالتالي، وككل استعمار بغيض يمنع المعرفة والعلم عن ابناء فلسطين... لكن هيهات ان يكون هدف من اهدافهم قد تحقق... فالقسام» جسور كأبيه... و»من شابه اباه فما ظلم»..
تقول محدثتي عن عملية اسر القسّام، ابنها البكر الذي نجح بامتياز وينتظر دخوله الجامعة: كان ابني القسام راجعا من القاهرة حيث كان يقضي اجازة هناك... فوقع اعتقاله... وماهي الا ثلاثة ايام تلت الاعتقال حتى كانت لائحة الاتهام في حق الطفل الذي بلغ منذ ايام معدودة سن الرشد (18 سنة) ... وقدّم المعتدون شاهدا واحدا قال تحت التعذيب انه شاهد شبانا في يوم معين يقذفون الحجارة على سيارة «جيب» عسكرية اسرائىلية... اي بعد ثلاثة ايام من دخوله من مصر الى فلسطين... كانت اللائحة جاهزة والشاهد تبيّن انه «ما شافش حاجة» عندما وصل الى المحكمة... في الجلسة الاولى للمحاكمة... الشاهد لم يعرف «القسّام» يوما.. ولم يره ابدا... ثم تواصل السيدة فدوى البرغوثي بعد ان تمكّن منها احساس الأم ان «القسام» كان تحت انظار الاحتلال، يريدون القبض عليه، لكنه (الاحتلال) انتظر ان يبلغ الطفل سن الرشد حتى لا يقع تحت وابل نقد من منظمات حقوق الانسان...
اردت ان احوّل الموضوع من ذاتيته وشجونه والعواطف المشحونة امومة الى سؤال موضوعي عن طبيعة المحاكم الاسرائىلية، هذه «المحاكم الاستعمارية» ومدى قانونيتها وكيف تتعامل معها هي كمحامية فقالت:
ان المحاكم الاسرائىلية غير قانونية وغير شرعية ولا يتأمل المرء منها عدلا... لقد كان من المفروض ان يقع الافراج عن «القسّام»... لكن قرار المخابرات هو الذي ابقاه الى الآن قابعا في السجن..
لقد اخذوا ابني على المعابر بين الاردن وفلسطين المحتلة... حققوا معه لمدة خمس ساعات وكانوا يتحدثون معه على اساس ان لائحة اتهامه جاهزة، وانهم لا يلوون من خلال اسئلتهم عن معلومات... فكل شيء جاهز... وقال له احد مستجوبيه: ستقبع في السجن... وكفى..
واصلت السيدة فدوى البرغوثي وقد تأملت قليلا مجالا ممتدا لا تلوي نظراتها على شيء ملموس، حديثها تارة عن الزوج المعتقل وطورا عن فلذة الكبد المعتقل ايضا، لتقول في تواضع تام ومن منظار وطني صرف، ان «مروان» و»القسام» هما الأب والابن الفلسطينيان... هما ليس الا صورة لما يقع لفلسطين ولشعبنا... مئات الآلاف من المناضلين المعتقلين في سجون الاحتلال المترامية...
قالت محدثتي ايضا وهي تعلّق على ممارسات الاحتلال التي تستهدف نفسية المناضل مروان البرغوثي: انه «يوم اعتقل ابنها «قسّام» لم يكن مروان الى حد ذاك اليوم يتلقى جرائد او يسمح له بالاطلاع على الصحف... لكن ثاني يوم اعتقال قسّام، ولما كان الخبر يتصدّر الجرائد، مكّن السجانون «ابو قسّام» من حزمة جرائد حتى يفهم الرسالة من اعتقال ابنه فيخضع لهم ويخرّ لهم..».
ثم واصلت زوجة مروان البرغوثي تتحدث عن نفسية الاب وكيف ان للانسان حدودا للاحتمال والتحمّل وكيف ان مروان كأب كان يمكن ان ينهار، لأنه ترك ابنه منذ سنتين ونصف طفلا بكل معاني الطفولة...
اخذت تقصّ على مسامعي معاني في الابوّة ومشاعر الاب السجين، وهي مشاعر أراد ان يمسّها الاحتلال... لكن كل هذه التصوّرات التي خامرت السيدة فدوى البرغوثي لم تتم..
كيف ذلك؟
في اول موعد التقى فيه محامي مروان بموكله بعد اعتقال ابنه، جاءني المحامي مشدوها وغير مصدق من قدرة مروان على استيعاب الصدمات.. ويحوّلها الى ازمات تمسّ نفسية الاحتلال..
قال مروان لمحاميه معلقا على عملية اعتقال ابنه الطفل الذي تحوّل الى رجل في غيابه: عندما اعتقلت اول مرة كنت اصغر من قسّام... كان عمري 15 سنة يواصل مروان لمحاميه الذي نقل الصورة بأمانة الى زوجته الممنوعة من زيارته...».
ولم يخف المحامي ما اكده له مروان انه مواطن فلسطيني، وابنه كذلك وامامهما استحقاق وطني مطلوب من كل ابناء فلسطين..
اردفت محدثتي في قسم آخر من شخصية مروان وحياته ان المناضل مروان البرغوثي ولما اعتقل في عمر القسّام ثانية اي عندما كان عمره 18 سنة، بقي في السجن باقعا اربع سنوات متتالية».
هذا هو قدر المناضلين القابضين على الجمر... يورّثون القضية التي لا تموت، لجيل بعد جيل دون كلل ولا ملل.
هنا سألتها عن يوم اعتقالها، ولما اخذها السجانون الصهاينة لساعات طويلة، وكيف ان الحقد وصل بهم الى وضع الأب والابن والأم في السجن، وسألتها عن سرّ اعتقالها وما الذي يريدونه من محامية وأم ومناضلة لا تريد من الدنيا سوى الانتصار لقضيتها وشعبها، فقالت: .. في محاكمة من محاكمات القسّام، دخلت القاعة كمحامية... وكانت المحاكمة تقع في الضفة الغربية وبالتالي لم يكن عندي مشكل التنقل او الدخول لكن تفاجأت وبعد ان انتهت الجلسة، ان جاءني احدهم ومسكني وأعلمني انني معتقلة على ذمة التحقيق لمدة 48 ساعة... لم يكن هناك من سبب سوى انه غير مرغوب فيّ كمحامية وأم ان اكون في قاعة المحكمة التي يحاكم فيها ابني.. هذه سياسة الترهيب الاسرائىلي.. يمارسون ذلك حتى لا أعود مرة ثانية، وحتى اعي انهم لن يتوانوا في وضعي انا ايضا في السجن... اي جل العائلة في الاعتقال... كانت هذه رسالتهم... لكن تم الافراج عني بمجيء محامي مروان وهو نفسه محامي القسّام ومحاميّ انا، فغادرت بعد 5 ساعات بعد ان جاء المحامي «جواد بولوص».
سألت السيدة برغوثي ان كان وجودها يستفزّهم في المحكمة اولئك الذين يسجنون كل الشعب الفلسطيني، المحتلون (اسم فاعل) الصهاينة، الذين عرّتهم الانتفاضة وعرّتهم السجون والمعتقلات اين يمارسون فن التعذيب «بشراهة» فقالت دون تردد: «نعم ان وجودي في المحكمة يستفزّهم... لأننا ما ان نغادر قاعة المحكمة كمحامين حتى ننقل ممارساتهم ووحشيتهم الى العلن... وهذا يقلقهم... لقد شهدنا كمحامين دماء الاسرى تسيل في المحكمة.. والمحاكم الاسرائىلية ليس لها علاقة بالقانون تأتي النيابة العامة بلائحة الاتهام والقاضي ينطق بالحكم الجاهز... والنيابة العامة تعمل تحت امرة جهاز المخابرات... وهذه مناسبة اطلق فيها صيحة للاخوة المحامين الفلسطينيين والعرب ان لا تطأ اقدامهم قاعات المحاكم الاسرائىلية لأن اسرائىل تحوّل المحامي الى مراسل لا غير... ووجود المحامي يعطي شرعية لمحاكم الاحتلال».
طلبت من السيدة فدوى البرغوثي عن الطريقة المثلى لتطبيق ذلك، حتى يؤتي الامر أُكله فقالت في نبرة واثقة: على السلطة الفلسطينية ان تعمل على تثبيت وتأكيد ان المعتقلين الفلسطينيين هم اسرى حرب تنطبق عليهم اتفاقية جنيف. لقد حاول مروان مع كل الفصائل الوطنية المقاومة ان يثبّت هذا الامر حتى لا يضيع الحق الوطني...
ليلة اعتقال مروان كيف تمّت المسألة، وبأية طريقة؟
بعد ان ارسلت زفرة فيها حنق وغضب وأسى ولوعة قالت: منذ اربعة اشهر قبل اعتقاله، لم يكن مروان ليستطيع دخول المنزل... اقتحموا (قوات الاحتلال) منزلنا ثلاثة ايام متتالية.. وكان مروان يخاف في ان يكون اقتحامهم خلّف زرعهم لآلة مخابرات او جهاز تنصّت، حتى اذا ما دخل البيت يقبضون عليه... فغادر المنزل وبقي طريدا ولا اقول شريدا لأنه في وطنه وبين اهله كان..
واعادة احتلال الضفة سنة 2002 جاءني في نفس اليوم وبالنهار الى مكتبي (محامية) ودخل من الباب الخلفي ومروان لا يأتيني عادة... جاء بشكل خفيّ وغير معلن..
قال لي مروان: انني ومن خلال متابعتي للصحافة العبرية ارى ان الامور تتجه الى وضع خطير... اتوقع مجازر كبرى واعادة احتلال وعدوان كبير على شعبنا... ثم واصل بعد برهة صمت: قد اغيب عنكم لوقت... لكن رام الله بلد صغير... وسوف احاول ان اغادرها... واذا حصل لي شيء فسيتمّ نقله عبر الاعلام... وكان يقصد الاستشهاد... وقال لي ما يمكن ان يقوله مناضل لزوجته من توصيات بالصبر وبرعاية الأولاد... وقفت امامه وقلت: يا رب فليكن فقط الاعتقال وتبقى لنا حيّا... يعتقلوك ولا الشهادة يارب..
فردّ عليّ مروان بالقول: الذي جرّب الذّل والاعتقال يقول ان الموت ارحم.
قلت له: انا انانية يا مروان... حتى وان تعذّبنا أنا والاطفال، المهم تظلّ عائشا.
اذكر ان يومها كانت كل الامور واضحة لمروان... ثم تضيف محدثتي وقد اختنقت ثانية بالدمع دون ان يسيل فبكيت ولم تبك... قصّة كانت تحكيها لي بكل عواطفها الذاتية والموضوعية.. عاود مروان الحديث مرة أخرى وكأنه يعلمني بشيء قادم: انهم سيمارسون المطاردة وحملات الاعتقال بشكل غير مسبوق... في نفس اليوم تواصل محدثتي الصابرة، على الساعة السابعة مساء طلبني عبر الهاتف ولم تكن تلك عادته، وكان بالمناسبة فيه بيننا رمز للتخاطب والتلاقي متفقين عليه، خرجت الى احدى المحلاّت وقابلته ثانية وخلسة وودّعته بعد ان رفض مروان مرة أخرى فكرة الاختفاء في المقاطعة... قال لي اخاف على «الرئىس» (عرفات) وشدد لي: بصراحة اذا اختفيت عند الرئىس فسوف يطلبون تسليمي بكل «شدّة وقوة واذا سلّمني الرئىس عرفات فسيكون الامر شيئا وسيحدث بلبلة نحن كلّنا في غنى عنها واذا لم يسلّمني اخاف ان يقتحموا المقاطعة، وأصبح وقتها محل ملام وأكون وقتها مسؤولا عن قتله... قتل الرئيس عرفات.
هكذا كان تحليل مروان ولم يخضع فكرته الى المناقشة او الجدل... هذه قناعة ولا يحيد عنها.. ثم اعلمني مروان قبل ان يودّعني انه سيعمل على ان لا يبقى في مكان واحد ثلاثة ايام متتالية، حتى لا يتم القبض عليّ... سأكون عند اصدقاء موثوق فيهم..
كان الامر كذلك، ويوم اعتقاله، وبعد نصف ساعة من وصوله (مروان) الى موقع ما، وكان يتهيأ لمغادرة رام الله كليا، التقى هو ومرافقه في نفس اليوم الذي تم فيه الاعتقال لاحقا.
وهنا شددت السيدة فدوى البرغوثي على انه لا يمكن الا ان يكون هناك جواسيس لرصد تحرّكات مروان خلال تلك الفترة... فلا احد يظن ان مروان الطريد كان بلا عيون تبحث عن اثره... في تلك الفترة التي سبقت اعتقال مروان كانت سلطات الاحتلال، لو تتذكّرين تطمئن الشارع الاسرائىلي بأنهم يقدّمون له اكبر هدية باعتقالهم مروان البرغوثي.. كان مروان داخل شقة في عمارة سكنية يتهيأ للمغادرة ليلا... يغادر «رام الله».
وماهي الا برهة حتى طوّقت قوة عسكرية هائلة المبنى وطالبوا بالابواق العالية، ان يخرج جميع من في العمارة... لم يبق في العمارة سوى مروان ورجل مسنّ وامرأة مسنّة ايضا... لم يقدرا (العجوزان) على النزول... طالبوا مروان (قوات الاحتلال) بالاستسلام... اخرجوا طبيبا فاوض مروان بعد ان وضعوا متفجرات لنسف كل العمارة... طبعا هنا التحدي كبير... هؤلاء الناس ليس امامهم الا بيوتهم... ولم يكن ممكنا ان يدع مروان هؤلاء يضحّون ببيوتهم دخلت قوة عسكرية واخذوه بالقوة لأن مروان لم يكن يريد ان تنسف بيوت الناس، ولكن ايضا رفض الاستسلام ورفع الراية البيضاء.
لقد كان مروان محرجا من الأهالي لأنه لم يستسلم، لكنه كان سيكون اشدّ احراجا لو انه سلّم نفسه... فقد كانت كاميراتهم جاهزة... كان مروان يستعدّ يومها الى مغادرة «رام الله» الى اماكن مهجورة.. فقد كان يقول لي دوما: اخاف ان اتسبب في موت ناس...
لم أر مروان منذ سنتين، آخر مرة رأيته كانت 3 أشهر بعد اعتقاله... منعوني من زيارة مروان كمحامية وكزوجة لكن ابناءنا لم يروا والدهم منذ اختفى واصبح طريدا لمدة اربعة اشهر..
لكن ماهي ظروف اعتقاله... ما نوعية التعذيب التي اخضع لها مروان؟
اولا مروان ممنوع من الزيارة الا من محاميه، وبعض مؤسسات حقوق الانسان الفلسطينية (48)، فمروان يقبع في اراضي 48 بسجن بئر السبع. هو الآن معزول في زنزانته الانفرادية وهي زنزانة مساحتها ثلاثة امتار مربعة. هي زنزانة تحت الارض يعود تاريخها الى عهد الاحتلال البريطاني وكانت مهجورة وفي الانتفاضة الثانية لسنة 2000، فتحها الاحتلال ليزجّوا فيها بأبناء فلسطين تباعا... زنزانة مروان، يعيش فيها الصراصير والحشرات والجرذان وهي بلا شمس طبعا.
لا يسمع مروان في زنزانته صوت البشر... الا اصوات السجانين (هذا اذا كانوا من عداد البشر)... انهم يشددون الخناق والأسر على مروان حتى يؤكدوا للشارع الاسرائىلي بأن هذا هو مروان الرأس المدبّر للانتفاضة.. ها هو في السجن تحت انظارنا وبين ايدينا...
تواصل السيدة فدوى البرغوثي وقد جعلتني اعيش تلك الصور اللاإنسانية والتي تقاذفها الاستعمار بكل انواعه الواحد عن الآخر... فهذه ممارسات الاستعماريين القدامى والحاليون، واعني سجون العراق المحتلّ اليوم... قالت محدثتي ما يمكن ان يقطع بأن ما كان يطلقه من صرخات، مساجين ومعتقلو الاحتلال الاسرائىلي لم يكن مبالغة ولا خيالا: قال لي المحامي، انه لما يذهب الى زيارة مروان، كان يعرف ان مروان قادم اليه من على بعد 30 مترا، كيف؟
قال: اعرف انه قادم من اصوات الجنازير والسلاسل التي تربط اليدين والرجلين لمروان... مروان يخرج ساعة في اليوم الى ساحة مسقوفة بعازل للشمس يتطلع مروان الى السماء فلا يراها.. ويكون ايضا مقيّدا بالسلاسل... كل هذا للتأثير على معنويات الاسير مروان البرغوثي وليمسّوا من صلابته... لكن مروان، اؤكّد لك ولقرّاء «الشروق» انه اقوى الف مرة من جلاّديه...
يقول لي المحامي: انا اذهب الى مروان مكتئبا... واقول في نفسي ان مروان يعيش في اسوإ ظروف ممكن ان يعيشها انسان... فأجد ان معنوياته افضل مني.
مروان يواصل المحامي يعطيني رسائل معيّنة الى الفصائل الوطنية الفلسطينية ولا تخرج تلك الرسائل الا من نسان قوي... ادخل على مروان متثاقلا اخرج كلي معنويات عالية وهمّة اعلى..
كان مروان ولا يزال يتابع كل اخبار فلسطين حتى المباريات الرياضية كان يبعث بتشجيعاته وتهانيه ودعمه للفرق الرياضية.. مرة بعث لفريق كرة القدم كان سيتبارى مع فريق اوزباكستان يشجعهم ويرفع معنوياتهم... هناك رسائل تصل مروان عبر الراديو الأسري يناشدونه وهم يشعرون بأمان وهو يخاطبهم..
هل تصلك رسائل عن طريق الصليب الاحمر من مروان؟
الصليب الاحمر ينقل لنا اخبار مروان ورسائل منه ايضا. الرسائل تكون خاصة اليّ انا في المقدمة والأولاد، ثم المتن يضمّنه مواقفه الموضوعية للشعب ويضمّن الرسالة عادة ايمانه القطعي بحتمية النصر لأبناء شعبنا كله.
هل تخضع الرسائل الى رقابة من الاحتلال؟
نعم... منذ فترة اضحى مروان ينقل الرسائل شفاهيا... فممنوع على مروان ان يمسك ورقة وقلما.
هل هناك مساندة على المستوى الدولي لمروان وللمعتقلين الفلسطينيين في سجون الاحتلال؟
لقد نجحنا وفق بعض التحركات بالخارج ان ننقل القضية الى العالم... في البرلمان الاوروبي والمحامون الاوروبيون وقفوا معنا...
والحقيقة ان تونس والجزائر والمغرب قد اعانونا الى اقصى درجة، المواطنون المهاجرون الى اوروبا من المغرب العربي... كانوا يجهزون لي الاجواء لأتدخّل واتكلّم وأخاطب المنتديات وجمعيات حقوق الانسان، وكلما ذهبت الى اوروبا حسب المغاربيون ابناء امتنا هناك في اوروبا ان القضية قضيتهم... وهذا يستحق الشكر والتنويه..
سأسأل سؤالا ذاتيا، واعرف انه مؤلم... مؤلم لي ولك. كيف حال الاطفال في غياب والدهم وشقيقهم كيف يتصرفون... ماذا يقولون؟
في الحقيقة ابتعد دائما عن هذا الجانب، لكن هذا طبعا خطأ... كامرأة وكحاجة انانية يحدوني شعور اناني ربما، واريد ان يكون زوجي الى جانبي... زوجي الذي احببته واؤمن بما يؤمن.. أصعب شيء على الأم ان تربّي ابناءها وحدها في حياة والدهم... خاصة ابناء في سن ابنائي... فقسّام الابن الاكبر عمره الآن ثمانية عشرة سنة ونصف (نصف سنة يقبع في سجون الاحتلال) وابني الاصغر 14 سنة، (لمروان وفدوى ثلاثة ابناء وبنت واحدة) «شرف» عمره 15 سنة و»غرب» عمره 14 سنة وربى تصغر قسّام بعام واحد (17 سنة ونصف)... كم حلمت كأم ان أخذ «القسّام» الى الجامعة وأراه على مقاعد الكلية... كم حلمت بتربية اولادي والاهتمام بتفاصيل حياتهم... حلمت ان اكفّ عن انتظار ابني على باب المصعد افتح له محفظته وأرى ما بها وما ينقصها..
لو رأيت «رُبى» يوم محاكمة مروان (5 مؤبدات و40 سنة سجنا!) كانت تدخل اليوم الموالي امتحانات الباكالوريا... لقد ظلمت نفسي بموضوع ظهوري قوية بالصورة... قبل وبعد المحاكمة... قد يكون ظلم للمرأة ان تحضر وان تُمنع من ان تبكي الا عندما تكون وحدها.
هذا هو حالي... لا اريد ان احبط ابنائي وابناء الشعب الفلسطيني، هم يرون ان زوجة مروان البرغوثي لا يجب ان تنهار... ليس هناك من اعتبرني امرأة عادية لها مشاعر ووحيدة وكنت لا اسمح لنفسي ان انهار...مرة أخرى يحمرّ وجهها بشدة... تلتمع عيناها بدمع فائض ولكنه لا ينزل... مرة أخرى تحبس فدوى الدمعة ولا تدعها تخرج من المقلة... كم هي قوية... لقد اربكتني وابكتني... ثم واصلت مفسّرة هذه القوة الظاهرة: الام الفلسطينية لا امثلها انا فحسب وزوجة المعتقل ليست انا فحسب، انهن كل نساء فلسطين اللاتي يطالعننا على التلفزيون واغلبهن لا نراهن...
لا يحق لي ان انهار امام امهات الشهداء وأمهات المعاقين والمشردين من ابناء شعبنا الفلسطيني..
وعندما ترجعين الى البيت..
تقاطع وقد فهمت السؤال: اعود كأمّ لا جواب عندها لأطفالها... كل اسئلة ابنائي الحارقة ازدادت حرقة لما اعتقل «القسّام».. «ماذا فعلتم لبابا..»... هل سيخرج... ألعب اكثر في دور الأم المطمئنة لأبنائها المراهقين والمحامية المطلوب منها توفير مدخول معيشي للعائلة...
دوري في الاعلام شدّ ازر الناس ودوري في البيت شدّ ازر ابنائي... لو رأيت غرف ابنائي وصور ابيهم المعلقة بكثرة على الجدران «عرب» و»شرف» يضعان صورة ابيهما في السقف بالنصف بينهما، وهي فكرة عرب بالاساس. وعندما سألت لماذا تضعان الصورة ملصقة بالسقف قال لي عرب: حتى انام وأصحو على اول وجه... وجه ابي في السقف...
انشيء اولادي على الحمدلة على الوضع، وانهم جزء من شعب فلسطين... الصابر والذي يعاني منذ اكثر من خمسين عاما... دفع شعبنا شهداء اكثر عددا من اي شعب آخر.
سألتها عن معنويات القسّام وكيف يعايش الظلم والقهر في سجون الاحتلال فقالت: عندما زرت القسام بعد 24 ساعة من اعتقاله كمحامية، قال لي ما زاد في شجاعتي وافتخاري به قال يا امي، انا سافرت ورأيت الناس كيف احترموني ويعاملونني على صيت ابي ونضاله وصورته... ولهذا الامر ثمن يا امي علي ان اسدده... قلت له قبل ذلك «ارفع رأسك يا ولدي».. فوجدته مرفوع الرأس اكثر مما تصوّرت... اكثر من توقعاتي بابني.
القسّام الآن يدرّس الانقليزية في السجن للمعتقلين... وهو يتعلّم «العبري» الآن وبسرعة... لقد تربّى تربية وطنية سليمة.. هذا هو ابن مروان البرغوثي. الشباب في سن «القسّام» يواجهون مشاكل عاطفية وابني يواجه في هذه السن احتلالا قاسيا. انا فخورة ب «القسّام»...
آخر سؤال عن سقوط بغداد وماذا قال مروان عن الحدث؟
اكبر مأساة للشعب الفلسطيني ما حدث للعراق... انه المأساة قال مروان ايعقل ان يدخل احتلال جديد في بيت العرب بعد ان كنا نظن اننا سنخرجه من فلسطين؟ من المفروض، يقول مروان، ان يكون الاحتلال الصهيوني آخر احتلال لدولة عربية وليس ان نبدأ من جديد... اكثر ما اثر فيه سقوط بغداد 9 افريل 2003 كان يوما اسود في حياتنا...
ثم شددت الاستاذة فدوى البرغوثي على ان مران هو احد المناضلين الفلسطينيين من اجل استقلال فلسطين وعزّتها.. وان مروان يرفض استئناف الحكم لأن لا ثقة بمحاكم الاحتلال... ولا شرعية لها وللاحتلال اصلا..


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.