كما كان متوقعا تناثرت شظايا «القنبلة» المدوية التي فجّرها السيد فرحات الراجحي في اتجاهات عدة... وسببت أحداثا كنا نتمنى لو أنه استحضرها وتمثّل مخاطرها أمامه قبل اطلاق تصريحاته وقبل ان يعود ويعتذر عنها بعد فوات الأوان... وبعد أن سبق السيف العذل ... لماذا هذه التصريحات النارية؟ ولماذا في هذا التوقيت بالذات؟ ولمصلحة من جرى اطلاقها؟ وتخدم مصالح من حالة الفوضى والارباك التي تبعتها؟ ومن «يسعد» برؤية شيطان الانفلات الأمني وهو يطلّ برأسه بعد أن خلنا انه في طريقه الى الرحيل الى غير رجعة؟ أسئلة حائرة فجّرتها «قنبلة» السيد فرحات الراجحي وخلّفها رجع الصدى الذي أحدثته سواء على «الفايس بوك» أو في حديث المقاهي والأسر التونسية أو في جدل المنابر والمكاتب... والذي اختار جمع من شبابنا ترجمته على طريقتهم من خلال المظاهرات التي شهدتها العاصمة يوم أمس والتي أعادت الوضع الى مربعات خلنا أنها صارت من التاريخ لأنها بما شهدته من فوضى وانفلات وما جوبهت به من قمع تحيلنا الى ماض مظلم نريد لتونسالجديدة ان تتخلص منه الى الابد بعد انتصار ثورة الحرية والكرامة... أجل هذه الثورة أعلنت العديد من القيم النبيلة وأرست قواعد وسلوكات جديدة يفترض ان تتحلى بها النخب السياسية وفي طليعتها المصارحة والشفافية.. وهي صفات طبعت أداء السيد فرحات الراجحي أثناء توليه حقيبة الداخلية في ظرف دقيق وحسّاس من تاريخ تونس.. ولعل ما أحدثته صراحته لدى الرأي العام الوطني والرصيد الذي صنعته له في المزاج الشعبي التونسي هما اللذان اتكأ عليهما في تفجير قنبلته المدوية وهو القادم الجديد الى عالم السياسة بما يعنيه ذلك من غياب التجربة والدهاء في التعاطي مع الحقائق والأشياء وغياب «الفرامل» التي يفترضها واجب التحفظ في رجل السياسة سواء جاء اليها راغبا أو دفعته اليها الظروف دفعا... وأيا كانت الدوافع التي حركت السيد الراجحي وأيا كانت مبرراتها فإن روح المسؤولية كانت تفترض منه قراءة العواقب واستشعار وقع تصريحات من هذا العيار وفي هذا التوقيت والظرف الذي تمر به البلاد قبل اطلاقها.. كما أن واجب التحفظ كان يتطلب منه التسامي عن أحاديث المقاهي والانطباعات السطحية والامتناع عن تحويلها الى حقائق تقدم الى عامة الناس على أنها مسلّمات.. لتبنى عليها سيناريوهات مغلوطة لا تؤدي الا الى زرع الفتن والى مزيد من الارباك لأوضاع هشة وشديدة التعقيد والارباك أصلا... فهل يشفع الحرص على الشفافية والتزام المصارحة لمسؤول في حكومة معينة بتهدئة الاوضاع وبالسعي الى استتباب الأمن والاستقرار والوصول بالبلاد الى شاطئ الأمان بما يمكّن من انجاح الثورة وجني ثمارها، هل يشفع له هذا الحرص أن يعمد الى ارباك هذه الحكومة وهزّ استقرار البلاد هزّا باسم الشفافية والصراحة؟ وهل يكفي غياب رصيد كبير من الخبرة لمسؤول في الحكومة أن يوجه اتهامات خطيرة للمؤسسة العسكرية ولأكبر رموزها وهي السقف الأخير الذي يحتمي به كل التونسيين ويعوّلون عليه لعبور هذه الفترة الحرجة؟ وهل من التلقائية أن ينفخ مسؤول على نار الفتنة الجهوية فيسعى إلى اخراج شيطانها من قمقمه؟ وهل من الأصول والأخلاقيات في شيء أن يتهم مسؤول في حكومة رئيسها ورئيسه بالكذب وهو في حالة مباشرة والسائل يسأل هنا ماذا يفعل السيد الراجحي في حكومة رئيسها كاذب؟ وهل يغيب عن السيد الراجحي وهو القاضي المشهود له بأن البيّنة على من ادعى وأنه من حقنا عليه أن نطالبه بأدلته على اعتزام الجيش القيام بانقلاب إذا فازت «النهضة» في الانتخابات وبتلك الحافلات التي أعدها «السواحلية» لتوزيع الأموال وشراء أصوات الناخبين؟ انها أسئلة حارقة فعلت فعلها في الشارع التونسي.. وقد يكون لها مفعول كرة النار (لا قدر اللّه) على وضع مايزال هشا بطبعه ومازالت الحكومة والأحزاب وأعضاء الهيئة العليا لتحقيق أهداف الثورة وعديد الجهات والمنظمات تجاهد حتى يتدعم وتقطع بلادنا مع مخاطر الانفلات والفراغ نهائيا.. والرجاء كل الرجاء أن يتحلى الجميع بما يكفي من الجرأة والحكمة لتطويق شظايا وتداعيات هذه القنبلة المدوية. قد يكون اعتذار السيد فرحات الراجحي مدخلا في هذا الاتجاه يفترض أن تتسع لاستيعابه الصدور المتأججة واعتذارات يفترض في رجل قانون أن يستحضر مخاطره وأضراره قبل حصول المحظور.. وقبل تدحرج كرة النار في عديد الاتجاهات.. ليبقى السؤال الحائر قائما: لماذا الآن.. ولمصحلة من أطلقت هذه التصريحات القنبلة ؟