«المأساة من اختصاص الملوك». هكذا يقول الكاتب الفرنسي جان جيرودو الذي يوضّح بلهجة الساخر أن كل فعل يأخذ قيمته من حجم فاعله، فإذا قتل رجل عادي رجلا عاديا آخر تكون جريمة القتل جريمة عادية أما إذا كان القاتل أو المقتول ملكا فإن الجريمة تصبح مأساة وطنية. السيد دومينيك ستروس كان ليس ملكا لكنه يجلس على كرسي يعطيه نفوذا قد يتجاوز نفوذ ملك الملوك الذي تنقاد له الأمصار والرّقاب كما كنا نقرأ ونسمع في حكايات الماضي، ذلك أن السيد ستروس كان المتّهم اليوم بالاعتداء الجنسي ومحاولة الاغتصاب على عاملة باحدى النزل بمدينة نيويورك يتحكّم بصفته المدير العام لصندوق النقد الدولي في مصائر عديد الدول الماليّة ويساهم بدور حاسم في تحديد وتوجيه الاختيارات الاقتصادية في العالم. إنها مأساة عالمية أولا لأن السيد ستروس كان سيقع عزله عن منصبه لا محالة ومهما كانت درجة اعتدائه وهو ما سيربك بصفة خطيرة سير الإصلاحات الجارية للخروج بالعالم من الأزمة الاقتصادية الحادة وهي الاصلاحات التي كان للسيد ستروس كان الفضل في تصورها وانتهاجها. وهي مأساة عالمية ثانيا لأن عديد المناطق والحكومات مندرجة ضمن برامج عمل وقع رسمها بالتعاون مع صندوق النقد الدولي ومن بينها الحدّ من تفاقم المديونية ودعم فاعلية «الأورو» المهدد اليوم بالانقراض في ظل الصعوبات الكبيرة التي تلاقيها اقتصاديات البرتغال واسبانيا علاوة على اليونان. والسيد ستروس كان ليس سيد الاقتصاد في العالم فحسب بل هو كذلك سياسي محنّك ورجل دولة يشهد له خصومه كما أصدقاؤه في الحزب الاشتراكي الفرنسي بالقدرة والكفاءة بل ويرون فيه المرشح الأجدر بحمل لواء الاشتراكيين في الانتخابات الرئاسية الآتية في أقل من سنة. لذلك كان وقع التهمة الموجهة للسيد ستروس كان وقع الصاعقة على الاشتراكيين الذين خسروا زعيما وفقدوا كثيرا من نصاعة صورتهم ومصداقيتهم. والسؤال الباقي هو كيف ينزلق رجل في مثل قيمة ومستوى ومسؤولية السيد ستروس كان في متاهات كنّا نظنها من عادات العوام التي لا تتعدى جرائمهم مساحات أعمدة صدى المحاكم إن وُجد لها مكان ؟ قد يكتفي البعض بالاجابة ان السيد ستروس كان ليس في الأخير الا رجلا. وقد يضيف البعض الآخر أنه رجل لاتيني قد نسي في لحظة أنه في أمريكا التي لا تسامح فيها مع اجرام اسمه الاغتصاب. وقد ينهي آخرون الاجابة عن السؤال بالتذكير بأنه كلما اجتمع المال والسلطة والجنس في غياب الاخلاق كان الانفجار وكانت المأساة. ومأساة السيد ستروس كان ستصيب الاشتراكيين وتؤلم الفرنسيين وتحزن شعوب العالم.