شكلت قضية ضيعات ستيل بكل من جمنة من معتمدية قبلي وزعفران من معتمدية دوز قضية القرن بولاية قبلي وذلك لأسباب عديدة منها ان القضية امتدت منذ بداية القرن العشرين حين استولى بعض المعمرين الفرنسيين على اراضي الاهالي وأقاموا عليها ضيعات خاصة وامتدت مع قانون 1964او ما سمي بقانون الجلاء الزراعي حيث خرج المستعمر الاجنبي كي تستولي الدولة على أملاك الاهالي اذ تم تسويغ هذه الضيعات الى الشركة التونسية لصناعة الحليب ستيل وذلك سنة1972لمدة 30 سنة مجانا وبدون مقابل وليصبح الظلم في هذه القضية سافرا و«جهارا نهارا» منذ سنة 2002 حين انهت ستيل عقد التسويغ لينتقل التسويغ إلى بعض أصحاب الاموال عن طريق عقد تسويغ. كي نطلع على جذور القضية أردنا أن ندخل البيوت من ابوابها فقصدنا ادارة املاك الدولة بولاية قبلي باعتبارها الادارة التي كانت باستمرار مواكبة لمختلف أطوار هذه القضية ولكننا وجدنا المسؤول الاول بهذه الادارة في رخصة واعتذر نائبه عن اطلاعنا على الوثائق في غياب رئيسه فتفهمنا الوضع وقصدنا مكتب السيد والي قبلي لنستفسره جلية الامر ولكن السيد الوالي الجديد بالمنطقة لم يكن ملما بكل تفاصيل القضية المتشعبة فأعاد احالتنا الى ادارة املاك الدولة لنظفر هذه المرة بمساعدة شفاهية حول فحوى بعض العقود التي تم عن طريقها تسويغ هذه الضيعات ولكننا لم نتمكن من الاطلاع على الوثائق. وإزاء هذا الوضع عدنا الى الاهالي نجمع ما عندهم من أخبار عن تاريخ هذه الضيعات فقصدنا اهالي زعفران يساعدنا في ذلك السيد بلقاسم بن علي الغناي عضولجنة متابعة واحة الستيل بزعفران فأجمع أهل الذاكرة والسماع منهم على ان الواحة المسماة واحة النخيل قد أنشأتها الشركة التونسية لصناعة الحليب الستيل على أراض بيضاء تعود ملكيتها الى اهالي زعفران على وجه الشياع أي باعتبارها اراضي اشتراكية بحكم عقد صوري أبرمه معها بعض الافراد الذين عينتهم السلطة باعتبارهم مجلس تصرف وذلك سنة 1972وقد مكن هذا العقد شركة ستيل من استغلال هذه الضيعة مدة30سنة مقابل احيائها اما عن المساحة المحددة في العقد فيقول الاهالي انها 70 هكتارا ولكن هذه الشركة قد وسعت نشاطها حسب الاهالي لتمتد غراساتها على مساحة123هك من اراضي الاهالي دون وجه حق كما اشار لنا الاهالي ان العقد الاول ينص على ان تعود ملكية هذه الضيعة الى العاملين عليها من ابناء زعفران بمجرد انتهاء مدة تسويغها أي 30 سنة كما أفادنا السيد بلقاسم بن علي الغناي ان بعض ابناء زعفران حاولوا في وقت سابق ان يتصلوا بإدارة شركة ستيل او بمصالح ادارة أملاك الدولة ليتمكنوا من نسخة من العقود الاصلية ليعرفوا الوضع القانوني للضيعة بدقة ولكنهم صدوا عن ذلك وتم تهديد بعضهم و حتى توقيف بعضهم الاخر لتتوقف رحلة البحث عن الحقيقة. أما في جمنة حيث تتشابه القصة مع ما جرى بزعفران فقد كان الشغل التوثيقي الذي أنجزه الاهالي حول ضيعتي الستيل والجهد الذي ما انفكت الرابطة الشعبية لحماية الثورة بجمنة تنجزه حول الموضوع خير مساعد لنا لانجاز هذا التحقيق فقد أمدنا أهالي جمنة بوثائق الملكية التي تثبت ملكيتهم العادلة للاراضي التي أقيمت عليها الضيعتان كما دعموا هذه الوثيقة بما ورد في كتاب أحد القادة العسكريين الفرنسيين حيث يشير الى ملكية أهالي جمنة للارض التي اقام عليها احد المعمرين الفرنسيين هذه الغراسات وهذا الكتاب هو حرب تونس 1942 1943 لصاحبه القبطان «لويس اودوان دي بري». ومع صدور قانون الجلاء الزراعي سنة 1964حاول أهالي جمنة استعادة اراضيهم فراسلوا في الامر السيد كاتب الدولة للفلاحة بتاريخ 27 أكتوبر1964والسيد وكيل كاتب الدولة للفلاحة بتاريخ14فيفري 1964طالبين استعادة اراضيهم في مراسلات لدينا نسخ منها وكلفوا بذلك محاميا وجمعوا مالا بحساب فتح باسم والي قابس ولكن المحامي الذي كان حينها شقيق الوالي نفسه أضاع القضية والمال والارض ولينتهي الأمر بأهالي جمنة كما انتهى بأهالي زعفران الى تسويغ هذه الارض الى شركة ستيل سنة 1972 أيضا مع فارق وحيد ان أهالي جمنة يحتفظون الى اليوم بنسخ من الوثائق التي تم بمقتضاها تسويغ الارض الى الستيل من قبل أشخاص نصبتهم السلطة بدعوى انهم يمثلون الاهالي كمجلس تصرف ومع كل ذلك تبقى هذه الوثائق غير مستوفية للشروط القانونية التي تشرع عملية التسويغ التي تكون بذلك باطلة اصلا وشكلا. ولكن مع كل هذه الحيثيات التاريخية فإن قضية الأهالي اليوم تتعلق بالحلقة الأخيرة من حلقات التلاعب بأراضيهم كما يقولون والتي تبدأ مع انتهاء السنوات الثلاثين التي استغلتها شركة ستيل لهذه الضيعات أي من1972حتى سنة2002. العقد الأخير أو صفقة القرن بقبلي فهذه المرحلة من تاريخ ضيعات الستيل تبدأ مع تخلي شركة ستيل عن استغلال هذه الضيعات اذ قبل انتهاء المدة القانونية للتسوغ تم الضغط على العاملين في هذه الضيعات لمغادرتها و تم إغراء بعضهم ببعض المال للمغادرة كما تم تخويفهم بإفلاس شركة ستيل وان لا مستقبل لهم مع هذه الضيعات وكل ذلك حتى يسقط حقهم الشرعي في ان تعود ملكية الضيعات إليهم أو ان يكون لهم حق اولوية تسوغها وفي هذه الاثناء يتقدم بعض الاثرياء من ابناء المنطقة احدهم مقاول اشغال عامة والثاني اخ لاحد كوادر وزارة الداخلية بمطلب لتسوغ هذه الضيعات في رسالة شهيرة الى السيد وزيرالفلاحة. وطبعا كان الجواب بالموافقة التي قال الاهالي عنها الكثير ومازلوا الى يوم الناس عنها يقولون وكيف لا يقولون وهذا العقد الذي أبرم في الغرض وعندنا اليوم نسخة منه يسوغ بمقتضاه السيد الوزير وبترتيب من السيد الوالي حينها ضيعة بها123هك من النخيل المنتج ومجهزة بآبار ري بمبلغ لا يتجاوز10الاف دينار في السنة في حين تخضر هذه الضيعة بمليار ومائتي مليون انه الربح الذي يفوق كل أنواع المضاربات وحتى التجارات الممنوعة كتجارة المخدرات فنسبة الربح في هذه الصفقة تقدر ب15000 في المائة اما حجة الوزارة في عقد صفقة كهذه انها اعتمدت في التسويغ ثمن انتاج الهكتار من قناطير القمح وكأن الأرض التي سوغت أرض بعلية بيضاء وليست ضيعة نخيل يحتوي الهكتار منها على130نخلة تنتج كل نخلة معدل150دينارا في حين سوغ الهكتار كاملا ب80 دينارا. مواقف الاطراف ولاستكمال التحقيق في هذه القضية توجهنا بالسؤال عن موقف الاهالي من هذا الامر الى السيد الطاهر الطاهري احد النشطين في مجال الدفاع عن حق الاهالي في هذه الضيعات فأجابنا بأن موقف الاهالي لم يعد موقفا نظريا وإنما تحول الى فعل بعدما لم يجدوا تجاوبا مع السلط ولا مع المتسوغ اذ اعتصم الاهالي عند مداخل الضيعات وحرصوا على انجاز عملية تلقيح النخيل حتى لا تتلف الصابة وذلك ترقبا لتدخل القضاء للبت في القضية التي لا تعني فحسب استعادة الواحات وإنما كذلك مردودها خلال السنوات الماضية. أما عن الحل الذي يقترحه السيد الطاهر الطاهري فهو تسويغ أو إسناد هذه الضيعات لأبناء منطقة جمنة وزعفران في شكل مقاسم للحد من البطالة ولدفع مسيرة التنمية الاقتصادية والاجتماعية بشكل فعلي بالمنطقة. كما اتصلنا في نفس السياق بالسيد عبدالله بن عامر مقاول الاشغال العامة الذي تسوغ مع مجموعة من الشركاء من أفراد أسرته خاصة هذه الضيعات لنستجلي منه موقفه من هذه القضية فأفادنا بان قضية هذه الضيعات تم تشويهها بعدد كبير من المغالطات قصد التضليل منها ادعاء بعضهم ان للطربلسية يدا في هذا الاستثمار كما عمد بعضهم التغافل عن اننا تسوغنا هذه الضيعات عن طريق المشاركة القانونية في مناقصة شاركت فيها شركات أخرى كبرى وقد وعدنا السيد عبدالله المبروك ان يمدنا بما يثبت وجود هذه المناقصة ولكنه لم يفعل في الموعد المحدد كما أشار السيد عبد اللّه ان هذه الضيعات حين تسوغها كانت في حالة اهمال يجعل معلوم تسوغها عادلا كما يقول إنه لو عرضت هذه الضيعات على الاهالي حينها حتى باقل من ذلك السعر ما كانوا ليقبلوها وفعلا فهم لم يتقدموا لمناقصة تسويغها رغم نشر إعلان ذلك بالصحف حسب مقتضيات القانون كما أشار السيد عبد الله المبروك ان احتلال الاهالي لضيعته بزعفران سبب ضياع قطيع ابقاره وبعض تجهيزاته مما رفع حجم خسائره الى ما يناهز370الف دينار حسب الخبير الذي تم توجيهه نحو الضيعة بعد تقديم قضية في الغرض.