اللجنة الوطنية للحج تستعدّ لموسم 1447ه: ترتيبات متكاملة لضمان أفضل الظروف للحجيج    طقس الخميس: سحب عابرة وحرارة تصل إلى 36 درجة بالجنوب الغربي    ترامب يصنف "أنتيفا" منظمة إرهابية كبرى بعد اغتيال حليفه تشارلي كيرك    شبكة إيه بي سي توقف برنامج جيمي كيميل بعد تصريحاته حول اغتيال كيرك وترامب يصف القرار ب"بشرى عظيمة"    دوري أبطال أوروبا: باريس سان جرمان يكتسح أتالانتا برباعية وفوز مثير لليفربول على أتلتيكو مدريد    اريانة: جلسة عمل اللجنة الجهوية لتفادي الكوارث ومجابهتها وتنظيم النجدة    "وول ستريت جورنال": ترامب غير راض عن تصرفات نتنياهو ويعتبر أنه "يسخر منه"    سرقة عينات من الذهب بقيمة 700 ألف دولار من متحف في باريس    فقدان 61 مهاجرا غالبيتهم سودانيون في انقلاب قارب ثانٍ قبالة ليبيا    تنظمها مندوبية تونس بالتعاون مع المسرح الوطني...أربعينية الفاضل الجزيري موفّى هذا الأسبوع    تونس ضيفة شرف مهرجان بغداد السينمائي...تكريم نجيب عيّاد و8 أفلام في البرمجة    من قلب القاهرة... عبد الحليم حافظ يستقبل جمهوره بعد الرحيل    تونس وكوريا: نحو شراكة في الابتكار الطبي والبيوصيدلة    مع الخريف: موسم الفيروسات يعود مجددًا وهذا هو التوقيت الأمثل للحصول على لقاح الإنفلونزا    تحويل جزئي لحركة المرور قرب مستشفى الحروق البليغة ببن عروس    وزير الداخلية: تونس في مواجهة مُباشرة مع التحدّيات والتهديدات والمخاطر السيبرنية    وزير التشغيل والتكوين المهني يعطي من قبلي اشارة انطلاق السنة التكوينية الجديدة    غار الدماء: وفاة أم أضرمت النار في جسدها بسبب نقلة ابنتها    الديوانة تحبط محاولة تهريب مخدرات بميناء حلق الوادي الشمالي    القمة العالمية للبيوتكنولوجيا: وزير الصحة يعلن بسيول إطلاق مركز وطني للتدريب البيوطبي لتعزيز قدرات إفريقيا في إنتاج الأدوية واللقاحات    تسجيل تراجع في صابة "الهندي" الأملس    شهر السينما الوثائقية من 18 سبتمبر إلى 12 أكتوبر 2025    عاجل/ إسبانيا تلوّح بمقاطعة المونديال في حال تأهّل إسرائيل    إلغاء الإضراب بمعهد صالح عزيز    فتحي زهير النوري: تونس تطمح لأن تكون منصّة ماليّة على المستوى العربي    تحذير صارم: أكثر من 30 مصاب بالاختناق جراء تلوث المنطقة الصناعية في قابس...شفما؟    تونس تحدد مخزون الحليب الطازج المعقم    سورة تُقرأ بعد صلاة الفجر لها ثواب قراءة القرآن كله 10 مرات    عاجل: آخر سفن الأسطول المغاربي لكسر الحصار تغادر ميناء قمرت    جريدة الزمن التونسي    الكاف: حجز كميّات من المواد الغذائية غير الصالحة للاستهلاك    القصرين: مشروع نموذجي للتحكم في مياه السيلان لمجابهة تحديات التغيرات المناخية والشح المائي    جندوبة الرياضية تتعاقد مع اللاعب بلال العوني    أولمبيك سيدي بوزيد يتعاقد مع الحارس وسيم الغزّي واللاعب علي المشراوي    وفاة "العراف سحتوت" تثير جدلًا واسعًا على منصات التواصل الاجتماعي    عاجل/ الجامعة التونسية لكرة القدم تحذر وتتوعد بتتبع هؤلاء..    الرابطة الأولى: تشكيلة شبيبة العمران في مواجهة النادي الإفريقي    ارتفاع الحرارة ليس السبب...النفزاوي يكشف أسرار نقص الدواجن في الأسواق    الرابطة الأولى: تشكيلة النادي البنزرتي في مواجهة مستقبل قابس    الدينار التونسي يتراجع أمام الأورو إلى مستوى 3.4    المريض هو اللي باش يطلب استرجاع المصاريف من الكنام.. تفاصيل جديدة    الحماية المدنية: 597 تدخلا منها 105 لإطفاء حرائق خلال الأربع والعشرين ساعة الماضية    أكثر من 100 شهيد في مجازر ارتكبها الاحتلال في قطاع غزة    مقارنة بالسنة الفارطة: زيادة ب 37 مدرسة خاصة في تونس    الكورة اليوم ما تفلتهاش... هذا برنامج المقابلات للرابطة الأولى    قطاع التربية يحتج اليوم: ساعتان من الغضب داخل المؤسسات وأمام المندوبيات    طقس اليوم: سماء قليلة السحب    عاجل: طلبة بكالوريا 2025 ادخلوا على تطبيق ''مساري'' لتأكيد التسجيل الجامعي..وهذا رابط التطبيقة    بنزرت: إصابات خفيفة في انقلاب حافلة عمّال بغزالة    جريدة الزمن التونسي    لمدة 48 ساعة فقط.. جيش الاحتلال يعلن عن ممر آمن لإخلاء سكان غزة جنوبا    وفاة روبرت ريدفورد: رحيل أيقونة السينما الأميركية عن 89 عامًا    فيلمان تونسيان ضمن مسابقات مهرجان الجونة السينمائي    انطلاق المخطط الوطني للتكوين حول الجلطة الدماغية    كلمات تحمي ولادك في طريق المدرسة.. دعاء بسيط وأثره كبير    أولا وأخيرا ..أول عرس في حياتي    أبراج باش يضرب معاها الحظ بعد نص سبتمبر 2025... إنت منهم؟    مع الشروق : الحقد السياسيّ الأعمى ووطنية الدّراويش    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الأمن القانوني والأمن القضائي(3) La sécurité juridique et la sécurité judiciaire
نشر في الشروق يوم 22 - 05 - 2011


2 تأثير اجتهاد القاضي على الأمن القضائي:
الاجتهاد القضائي ليس سوى تأويلا للقاعدة القانونية المكتوبة وهو يدخل في باب ابتكار القاضي للقاعدة القانونية والهدف منه توضيح غامض وتفصيل مجمل وتقييد مطلق، والاجتهاد القضائي ليس مستقرا فهو قابل للتحول وهذا يؤثر لامحالة على الحقوق المكتسبة وعلى الثقة المشروعة للمتقاضي، إذ بعد اطمئنانه لاجتهاد قضائي معين ثابت ومستقر تعامل معه مدة زمنية معينة ونظم دفاعه على ضوئه يتم التراجع فيه فجئيا وبأثر رجعي. ألا يؤثر هذا على الأمن القضائي والأمن القانوني عموما ؟
لقد أجابت محكمة التعقيب الفرنسية بأن «الأمن القانوني لا يمكّن من الاعتداد بحق مكتسب بواسطة اجتهاد ثابت ، لان تطور الاجتهاد متروك للقاضي في تطبيقه للقانون» ورأت العديد من المحاكم الفرنسية بأن الاجتهاد ليس مضرا بالصالح العام ولا يشكل عدم امن قضائي لان ذلك يحرم القاضي من إعمال العقل وملاءمة القواعد القانونية مع متطلبات العصر، وبناء عليه يمكن القول بان القانون الحي هوالذي تصنعه المحاكم وبالتالي فان قابلية التوقع في الحكم القضائي ليست بالسهولة المطلوبة، لكن المحكمة الأوروبية لحقوق الإنسان أكدت أن السلطة التقديرية le pouvoir discrétionnaire SPAN dir=rtl للقضاة يجب أن تكون محصورة في مداها وكيفياتها وبالتالي ليست مطلقة. ووعيا بالصعوبة التي ترافق الاجتهاد في علاقته بالأمن القضائي لا سيما في ما يتعلق بالتراجع عن الاجتهادات السابقة التي تعوّد المتقاضي عليها ، لا بد من الحد من التضارب في اجتهادات دوائر محكمة التعقيب المفروض فيها التوحد وذلك عن طريق الدوائر المجتمعة التي قل ما تجتمع ، ولا بد كذلك من تكوين فرق عمل في مركز الدراسات تهتم بمتابعة الاجتهاد القضائي لتأمينه «Sécurisation de la justice»، ولتأمين جودة الأحكام لا بد من الإكثار من الملتقيات الجهوية يشرف عليها رؤساء دوائر بمحكمة التعقيب التي هي بالأساس محكمة قانون خاصة أن القرارات التعقيبية المنشورة لا تفي بالحاجة، وغني عن البيان أن مشمولات محكمة التعقيب تتمثل بالأساس في ترسيخ سيادة القانون من خلال استخلاص معناه الحقيقي تحقيقا للأمن القضائي لان اختلاف محاكم الأصل في تطبيق القانون من شأنه أن يؤدي إلى تعدد معناه واختلاف القضاة في تفسيره ، وهذا الأمر يؤثر لا محالة في الأمن القانوني بما يزعزع سيادة القانون ويخل بمبدإ المساواة أمامه، لذا وجب على محكمة التعقيب وهي محكمة المحاكم أن تُفعّل دورها وأن تحرص على منع الاختلاف بغاية تحديد الاستقرار في تحديد معنى القانون لضمان سلامة تطبيقه.
وبالإضافة إلى ذلك فإن القاضي في بعض الحالات يلتجئ إلى قواعد العدل والإنصاف فيفاجأ المتقاضي وبالتالي لا بد من استبعاد هذه الطريقة طالما أن المادة القانونية متوفرة وتستوعب المسائل المعروضة وتفي بالحاجة.
3 اجتهاد النيابة العمومية وتأثيره على الأمن القضائي :
إن الفصل 30 من مجلة الإجراءات الجزائية صريحا في اجتهاد النيابة العمومية في تقرير مآل الشكايات والمحاضر التي تنهى إليها وإن اجتهاد النيابة العمومية يؤثر تأثيرا بالغا في الأمن القضائي ومنه الأمن القانوني إذا لم تكن ممارسته طبق قواعد معيارية مضبوطة باعتبار أن حفظ المحاضر وعدم تتبع الجرائم اعتمادا على مطلق اجتهاد أعضاء النيابة العمومية يرتب في بعض الأحيان حيفا قضائيا لا يمكن جبره باعتبار أن تحريك الدعوى الجزائية على المسؤولية الخاصة طبق الفصل 36 من مجلة الإجراءات الجزائية ليس في كل الحالات ميسورا خاصة أن قاضي التحقيق في بعض الأحيان يقدر مبلغا ماليا بعنوان مصاريف تقاضي قد يكون مشطا وبالتالي يتعذر على المتقاضي ممارسة حقه في التقاضي.
وهنا لا بد من الإشارة إلى وجوبية أن تكون العدالة الجزائية مجانية وان يكون قيام الدولة بها واجبا ولا تتقاضى عليه أجرا وسندنا في ذلك أن في السلطة القضائية تجتمع المصلحة الخاصة والمصلحة العامة حتى يستتب الأمن الاجتماعي ومنه استتباب الأمن الاقتصادي والسياسي.
ب‌ الاكراهات الخارجة عن إرادة القاضي :
إذا كانت الدولة في كل المحافل تدعو وتزعم أن العدل أولوية من أولوياتها باعتباره أساس العمران بمقولة ابن خلدون ، فلماذا لم يتحقق الأمن القضائي في تونس في صورته النموذجية؟ إنه السؤال الأكثر إلحاحا والمفارقة التي لا نجد لها تفسيرا.
هل العيب في الدولة أم في القضاء أم في مساعديه ؟ هل العيب في المتقاضي باعتباره هوالمنطلق وهوالغاية ؟
لا غرو إن قلنا بان كل هذه الفعاليات تساهم متظافرة في الاكراهات والعوائق التي تعرقل تحقيق الصورة النموذجية للقضاء ومنه الأمن القضائي لان الواقع المترسخ عنيدا وصعب التغيير ويتطلب لتهذيبه إرادة سياسية حازمة ومخططا واضح المعالم وإمكانيات مادية كافية ضرورة أن ميزانية وزارة العدل حسب علمي في حدود واحد بالمائة وهي ميزانية هزيلة لا يمكن أن تحقق الطموحات المرتجاة من جهاز القضاء.
ماهو دور المواطن في المنظومة القضائية ؟
نظرا لتفشي الأمية الحقوقية والقانونية كثيرا ما يتراءى للمتقاضي انه ظلم من القضاء حال كونه لم يهتد لمزاولة حقه في التقاضي كما يجب قانونا خاصة أن المحاماة غير وجوبية في معظم القضايا، وهنا أناشد المشرع التدخل لتوسيع رقعة تدخل المحامي فيصبح وجوبيا خاصة في إجراءات القيام بالحق الشخصي لدى المحكمة الابتدائية إذ انه يعسر على المتضرر من الجريمة أن يحرر طلباته المدنية بالوجه المقرر قانونا وكثيرا ما يرفض قيامه بالحق الشخصي شكلا أوأصلا لخلل في القيام أولعدم تحرير الطلبات بالطريقة القانونية والقاضي محايد في هذا الخصوص بدلالة الفصل 12 من مجلة المرافعات المدنية والتجارية.» ليس على المحكمة تكوين أوإتمام أوإحضار حجج الخصوم».
وإضافة إلى انعدام الوعي القانوني والمعرفة به ترسخ في السنوات الماضية وهمًا لدى المواطن بأن الوساطة والرشوة هي الطريق المضمون ، ومن هنا تكونت لدى المتقاضي ثقافة الوساطة والرشوة «culture de népotisme et de corruption» وهي لعمري مرض مزمن ومستفحل ينخر النسيج الاجتماعي منذ أمد بعيد وترسخ بسياسة دولة مبرمجة وممنهجة تبارك ولا تحارب وإلا لما وصلت الأمور إلى ما وصلت إليه الآن من عدم ثقة في الجهاز القضائي، ويصبح حينئذ القضاء كبش فداء يدفع الفاتورة كاملة ولا احد ينصفه، هذا لا يعني أن الرشوة والوساطة منعدمة في الجهاز القضائي لكن ليس بالشكل الذي تسوقه بعض الأبواق الناعقة التي لم يخمد صوتها بعد.
كما انه تفشت في ظل الحكم السابق ظاهرة الاستهانة بالقانون وبالطرق المشروعة لكسب الحقوق، وهنا لا يسعنا إلا الاستنجاد بقولة ابن خلدون « دين الرعية على دين الملك».
ماهو دور الضابطة العدلية في المسألة؟
الفصل 9 من مجلة الإجراءات الجزائية صريح في أن «الضابطة العدلية مكلفة بمعاينة الجرائم وجمع أدلتها والبحث عن مرتكبيها وتقديمهم للمحاكم» أعوان الضابطة العدلية، ودون ولوج الجانب الأخلاقي في عملهم ، يعوزهم التكوين القانوني فإن لم يكن منعدما فمنقوص والتجربة المهنية رغم أهميتها لا تكون رجل قانون ، إن التكوين القانوني الأكاديمي لا مندوحة لنا عنه اليوم خصوصا بعد الثورة.
إن الخصومة الجزائية غاية في الخطورة وفي الأهمية ولن تستقيم إذا كان البحث الأولي معيبا ، وإن البحث الجزائي مسألة مبدئية ومفصلية خاصة وأن معظم القضايا الجزائية تحال من طرف النيابة العمومية على القضاء الجزائي بموجب بحث أولي ينجزه عادة أعوان الشرطة والحرس دون زيادة ولا نقصان.
وهنا أسرد نادرة اعترضها في عملي من حين إلى آخر وتتمثل في استعمال عبارة « حبس ائتماني» من طرف أعوان الضابطة العدلية والمقصود بذلك «الاحتفاظ» «la garde à vue» وهذا أن دل على شيء فانه يدل على عدم إلمام بالقانون الإجرائي وبمصطلحاته كما أن إجراءات الاحتفاظ كما جاء بها الفصل 13 مكرر من مجلة الإجراءات الجزائية غير محترمة كما يجب قانونا حتى أن المحامين كثيرا ما يثيرون بطلان الإجراءات ويجد القاضي نفسه بين مطرقة الإجراءات وسندان العدالة. وليس من نافلة القول بأنه إذا كان البحث الأولي لا تتوفر فيه الضمانات الشكلية والموضوعية الضرورية يرتب بالضرورة إكراها للقاضي حتى انه يجد نفسه ملزما في بعض الحالات للتصريح ببطلان إجراءات البحث حال كون الجريمة ثابتة وخطرة على الهيئة الاجتماعية وهذا يحز في نفس المتضرر من الجريمة باعتباره لا يفقه الإجراءات ولا يمكنه تقبل إطلاق سراح المتهم الذي أضر به ويعجز فكره عن قبول قرار المحكمة وتنتابه التآويل المشينة للقضاء، وهنا يكون القاضي كبش فداء وغيرها من الحالات الأخرى التي يعجز المقال عن ذكرها جميعها، ويزداد الوضع سوءا عندما لا تقوم أجهزة الرقابة القضائية وفي مقدمتها وكيل الجمهورية بواجبها. فالرقابة إن لم تكن منعدمة فضعيفة لأسباب ذاتية أوموضوعية.
وهنا أناشد مشرع الثورة إلحاق الظابطة العدلية بوزارة العدل على غرار السجون والإصلاح وان تعذر ذلك لعيب في الإمكانيات فالحرص على أن يكون رؤساء مراكز البحث ورؤساء فرق الشرطة العدلية ورؤساء فرق البحث والتفتيش ومن باب أولى وأحرى رؤساء الإدارات الفرعية المختصة بالبحث رجال قانون متمرسين مع تمكين المواطن من إنابة محام لحضور إجراءات البحث الأولي على غرار البحث بموجب إنابة تحقيق وهي ضمانة إضافية تنضاف إلى بقية الضمانات الممنوحة للمواطن في المادة الجزائية.
وهل من دور للمحاماة في الموضوع ؟
لا غرو إن قلنا بأن المحاماة هي الركيزة الثانية للقضاء, فهي الجناح الثاني لطير العدالة إلى جانب القضاء وبالتالي فانه من الإجحاف والسخف أن يوجه بعض المحامين الطعنات الانفعالية غير المدروسة لجهاز القضاء دون تمييز ولا تفرقة لأن همنا واحد مع التأكيد على انه لا نجاح للقضاء بدون محاماة نزيهة وفاعلة ولا تميّز للمحاماة بدون قضاء شريف وناجز.
وماذا عن الخبراء العدليين ؟
إن القضاء كثيرا ما يلتجأ إلى الخبرة وما يقال من أن الاختبار لا يلزم القاضي ومن انه خبير الخبراء فهو كلام مرسل ومقولة من نسج الخيال ضرورة أن الاختبار في الواقع يلزم القاضي ويقيده باعتباره غير متمرس في الأمور الفنية فهل يعقل أن لا يلزم الاختبار الطبي القاضي وهو لا يعلم شيئا عن الطب وعن معظم الكلمات الفنية إن لم نقل جميعها فمثلا إذا أنتج الاختبار الطبي أن المتهم لا يتحمل المسؤولية الجزائية باعتباره معتوها خاصة ان العته من أسباب عدم المؤاخذة الجزائية على معنى الفصل 38 من المجلة الجزائية. هل بإمكان القاضي الحكم بالإدانة والعقاب ؟ لا وألف لا لأنه يكون حينئذ ضربا بعرض الحائط بحق الدفاع وبمصلحة المتهم الشرعية ويكون خارقا للقانون والأمثلة عن الاختبارات عديدة وعديدة جدا وكثيرا ما يظلم القاضي بجريرة محرر الاختبار والحال أن لا تزر وازرة وزر أخرى.
وماذا عن عدول التنفيذ؟
إن العبرة كل العبرة ليس في النطق بالأحكام بل في إيصال الحقوق إلى أصحابها عبر بوابة التنفيذ لقد قال الفقيه مارك شميتز «Marc schmitz» «إن أحسن حكم في العالم وصادر عن أحسن قاض لا فائدة منه اذا لم ينفذ». هذا يعني أن التنفيذ هوثمرة الحكم والتنفيذ في بلادنا يشكل أم المشاكل التي تعيشها عدالة التنفيذ. نعم, إن تنفيذ الأحكام المدنية خصوصا يشكو من اكراهات مادية وبشرية خاصة عندما تتعطل الأمور لدى القوة العامة وعدول التنفيذ كثير التشكي من هذه المسألة همسا وتصريحا حال دون عدم تنفيذ الأحكام وهو يؤشر على بوادر انحلال الدولة.
واخلص للقول بان القاضي تصنعه التجارب والقضاء صنعة تتكون بالدربة وبالوعي الشديد والإخلاص الأشد وبالفكر الذي هومصدر كل حق ومركز كل خرق والقضاء حب من حب وكره من كره حامي الديمقراطية التي اخترناها عقيدة وهو مأمن الخائفين وملاذ المظلومين وهوضامن التوازن بين حق المجتمع في الحماية والأمن وحق المواطن في محاكمة عادلة خاصة في زحمة العدالة الانتقالية ويجب على أسرة القضاء أن تنخرط اليوم بفعالية ومسؤولية في الإصلاح الجذري والمصيري ولا أقول التطهير لصيانة المواطن من كل شطط في استعمال السلطة . بهذا أنهي، ملتمسا المعذرة إن أخطأت في بعض النقد وذريعتي أنه لم تتكون لدينا بعد «ثقافة النقد».
بقلم القاضي الطاهر بن تركية
(رئيس دائرة بمحكمة الاستئناف بنابل)


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.