1 ما الذي يمكن قوله عن مساعي حزب الدّستور عام 1951 لضرب حركة الزّيتونيّين وإضعافها بواسطة «حملات تأديبية، ومطاردة لقياديّي اللّجنة (لجنة صوت الطّالب الزّيتوني)، فهوجموا في مدارس سكناهم، وفي الطّريق العامّ، بهدف إجبارهم على الانسلاخ عن حركتهم. ومن تلك الهجومات ذاك الذي استهدف مدرسة نهج الصّبّاغين التي يقطنها العجمي السّايب، غير أنّ قاطني المدرسة تمكّنوا من ردّ المعتدين»(1). وماذا يمكن قوله في أنّ نفس المجموعة اعتدت على الشيخ محمد الفاضل بن عاشور، فيأتي ردّ الفعل سريعا ، إذ «تتوجّه مجموعة من طلبة الزيتونة إلى مطبعة نهج المفتي، حيث تسحب جريدة «الحرية»، ويهدّدون بحرق المطبعة ، ثم جاءت عناصر دستورية استنجد بها عزّوز الرّباعي لتردّ الفعل»(2). وماذا يمكن قوله عن تواصل « المشادّات صباح 18 فيفري 1951 ، إذ تولّت مجموعة من الشبيبة الدّستورية استفزاز الطّلبة الزّيتونيّين أمام الجامع الأعظم، ولم تتوقّف سلسلة العنف المتبادل حتى وصل الأمر إلى استعمال الأسلحة النّاريّة(3). ماذا يمكن قوله في أن « يسعى الدّستوريّون إلى شقّ الحركة الطّالبيّة الزّيتونيّة ،(ببعث منظّمة أخرى منافسة لهم)، فظهرت «كتلة الدّفاع عن المطالب الزّيتونية» في بداية مارس 1951، وأن يساعدوها على الظّهور لدى الأوساط الرّسميّة والشّعبيّة، كممثّلة للطّلبة الزّيتونيّين»(4). ماذا يمكن قوله في حملة إعلاميّة شرسة تبودلت فيها الاتّهامات، وبسببها «تصدّى الدّستوريّون بباب سويقة إلى استعراض طالبيّ بمناسبة الاحتفال بعيد العرش، وفي اليوم الموالي نشب العنف بين الطّرفين أمام القصر الملكي بقرطاج، ممّا أدّى إلى جرح خمسين شخصا. وفي المساء كانت عناصر الشبيبة الدّستوريّة تبحث بالمدينة، وخاصّة قرب مدارس السّكنى عن الطّلبة الزّيتونيّين لاستفزازهم والاعتداء عليهم»(5). 2 ماذا يقال عن ضابط في أيّام الزّعيم بورقيبة ، هو ابن أخ الزّعيم محمود الماطري، يشترك في مؤامرة 1962الانقلابية، فيحاكم ويسجن، بينما يعدم رفاقه ، ثم يخرج من السّجن، ويصير في عهد بن علي من كبار رجال الأعمال، ويصاهر ابنه رئيس البلاد، فيثري الأب والابن، ويسودان على الميدانين المالي والسياسي، كأنّهما يطفئان بذلك جمرة حقدهم على بورقيبة، الذي افتكّ الزّعامة من كبير العائلة، وسجن أصغرها أعواما طوالا. ماذا يمكن قوله في تحرّكات عبد الكريم قمحة بحكم موقعه في لجنة صوت الطّالب الزّيتوني، وانتسابه إلى اللّجنة التنفيذيّة للدّستور القديم لمعارضة التّجربة التّفاوضيّة مع فرنسا، «ومشاغبة الحكومة، خاصّة بعد حادثة التّسميم التي حصلت بالمدرسة المستنصريّة في 23 نوفمبر 1951»(6). والنّتيجة أن دخل على هذا الشابّ الزّيتوني المتحمّس، أخوه المتعصّب للحركة الدّستورية، فرماه برصاصة قاتلة في عقر البيت العائلي. ماذا يمكن قوله في عمليّات المدّ والجزر التي اتّصفت بها تعاملات الحركة العمّاليّة مع الحركة الدّستوريّة؟ فبعد سنوات السّبعين التي استقوى فيها الاتّحاد إلى درجة مساومة الحكومة، بل ورفض قراراتها أحيانا، صار منسجما مع سياساتها ابتداء من عام 1989. وفي ما بين التّاريخين حدثت أزمات خطيرة كادت تقوّض المنظّمتين. ماذا يمكن قوله عن هذا الحصار الغريب على أدبيّات الحركة العمّاليّة في ما بعد 1956، ربّما بسبب ذلك التّقاطع الجذريّ بين قيادتي الحركتين العمّاليّة والدّستوريّة؟ مع أنّ الأولى أن تمثّل الحركة العمّاليّة التيّار الشّعبي، «إذ كان أسبق إلى الظّهور من الحركة الدّستوريّة بشقّيها، وإن تأخّر عنها تهيكلا...إذا ما صحّت نسبته إلى ثورة العربان بقيادة علي بن غذاهم، حيث بدا لنا أنه من العمق والتّجذّر الشّعبيّ ما يصحّ أن نعتبر أنّ ميلاده يقترن بميلاد وعي الشّعب، وأنّه من صميمه، يحسّ بحسّه، (قد) يضرب ويغلّل ويلجم، ولكنّه لا يموت»(7). 3 وبعد كلّ هذا، ماذا يمكن قوله وتاريخنا المعاصر شاهد على تلك الوقائع، التي مازال بعضها حيّا في الضمائر، ولها في جسم شعبنا وروحه ندوب وجروح وشقوق وتصدّعات، بعضها ظاهر، وبعضها مستتر يسري في العروق؟ إنّني أنبّه فقط. وأرجو ممن فرحوا بقيام الثّورة أن يكفّوا عن إثارة النّعرات والضّغائن، وأن لا يتقصّدوا تعويض عهد الظلم الغاشم بعهد أكثر ظلما، فالأيّام قد أثبتت أنّ المقهور والمغلوب والمظلوم ينام على غيظه، لكنّه لا ينساه . ومن قال إنّ شعب تونس لا ينساق إلى الفتنة ، ولا ينشقّ بسهولة ، مداور ومغالط ، فالخطر قائم ، والحذر لازم. (1)Kraiem (M) ,La classe ouvrière tunisienne et la lutte de libération nationale ,Tunis,1980,p.369. (2) Ibid (3) Ibid,p.370 (4) ضيف الله(محمد)، المدرج والكرسيّ ،مكتبة علاء الدّين، صفاقس،2003،ص.33. (5) Kraiem(M) ,op. cit.p.372. (6) الإرادة، 27 نوفمبر 1951» الحوادث تترى في المحيط الزّيتوني». (7) عبيد (عبد الرّحمان)، في النّظريّة العمّاليّة الشّعبيّة،د.ن، تونس،2002،ص.7.