٭ بقلم: فاطمة بن عبد الله الكرّاي قد يكون جل التونسيين قد تنفسوا الصعداء أمس، عندما أعلن الوزير الأول في الحكومة المؤقتة، ان تاريخ اجراء انتخابات المجلس الوطني التأسيسي، قد تحددت بالتوافق بين كافة ألوان الطيف السياسي، حتى يكون يوم الأحد 23 أكتوبر القادم، هو يوم الانتخابات المذكورة... وقد يكون أغلب التونسيين، قد طالبوا بموقف قاطع وبتاريخ محدّد، لهذه الانتخابات وعيا منهم بأن الوضع خطير من حيث افتقاد المشهد السياسي لأية شرعية... فهذه الحكومة مع الرئاسة الوقتية، هما من اختار يوم 24 جويلية 2011، على أساس انه تاريخ جراء انتخابات المجلس التأسيسي اذ بالتأكيد كان الطرفان على علم بأن متطلبات هذا الموعد الانتخابي، من مسائل لوجيستيكية وتحديد القائمات الانتخابية وترسيم للناخبين، وجعلها انتخابات تستجيب للقواعد الدولية العامة والمتعارف عليها، يعدّ أمرا معقّدا يتطلب مدة لا تقل عن الستة أشهر.. كما ان الحكومة المؤقتة كما الرئاسة المؤقتة، كانتا بالتأكيد على علم بهذه الحقيقة، خاصة أن تشكيل لجنة مشرفة على الانتخابات، لم يكن أمرا يسيرا لا من حيث اختيار الشخصيات، ولا من حيث المدة التي أخذها هذا القرار. لكن حدث وأن أعلن الرئيس المؤقت عن يوم 24 جويلية 2011 كموعد محدد لإجراء انتخابات المجلس التأسيسي... وإلى حدود أسابيع انقضت، كان ذات الموعد يتردد على لسان الوزير الاول السيد الباجي قايد السبسي... الى أن صدع السيد كمال الجندوبي رئيس الهيئة العليا للانتخابات، بموعد آخر، يتخذ من يوم السادس عشر من أكتوبر القادم موعدا مناسبا لانتخابات نزيهة... قد يكون كل التونسيين قد تنفّسوا الصعداء أمس حين أعلن عن مبدإ التوافق بين كل الأطراف المعنية، ولم يكن ارتياحهم نتيجة تحديد الموعد، لأن تاريخ اجراء انتخابات لمجلس وطني تأسيسي يتولى إصدار دستور جديد للبلاد، عرف نوعا من المضاربة spéculation حيث بدأت كل جهة تدلي بدلوها في موضوع التاريخ، دون ان يتفطن اي طرف من الأطراف التي قدّمت اقتراحات لتواريخ الى أن مبدأ المشاورات والتوافق هو الفيصل... وهو المبدأ الذي انتجته الثورة التونسية مبادئ القطع مع الماضي من بورقيبة الى بن علي. الشعب التونسي هو النبض الحي ومحرّك ثورة 14 جانفي لذلك يمكن للأطراف المنخرطة في هذا المسار الانتقالي ان تغفل عن هذا او ذاك لكنها لا يجب ان تفعل ذلك مع الشعب الذي أمّن الثورة وحملها بصدور عارية، على راحتيه... وتونس الثورة، قادرة على تأمين المسار الديمقراطي، تماما كما هي قادرة على حماية ثورتها... ولا مزية لأحد هنا في النجاح والتوصل الى تحقيق أهداف الثورة، غير الشعب التونسي. شعب تونس ليس قوة هلامية، وليس تسمية معلّقة بين الأرض والسماء بل هو حقيقة ممثلة في ألوان الطيف السياسي والفكري أحزابا ومنظمات وجمعيات ونقابات... لذلك فإن التوافق يعني التشاور بين مكوّنات المشهد السياسي والمشهد المدني كذلك... بقي أن إطلاق زفرة «الصعداء» ليست كافية في هذا الظرف السياسي والتاريخي للبلاد... فعندنا تطوّرات على الساحة الداخلية وأخرى مرتبطة بالتطوّرات في ليبيا من شأنها ان تؤثر في اي قرار سياسي مهما يكون حازما.. لذا فإن طبيعة المرحلة تقتضي ان يعرف الشعب كل التفاصيل عن كل الهيئات والأحزاب والمنظمات المعنية بعملية الانتقال الديمقراطي مع القطع مع أساليب ورثها الجميع دون استثناء عن العهدين السابقين وأقصد مرونة التعاطي السياسي مع امتلاك أو تملّك صفة عزيزة وصعبة المنال في آن واحد وهي ان يتعلّم الجميع ودون استثناء كيف يستمع الواحد الى الآخر... من هنا تبدأ التربية الديمقراطية او امتحان الديمقراطية: الإصغاء... الى الطرف المقابل... والإيمان بأن الحكم الفردي (حزبيا او شخصيا) قد ولى وأن المكان اليوم هو للحكم التشاركي... او لنقل مبدأ المشاركة في السلطة وليس الاستحواذ على السلطة.