الذهيبة «الشروق»: لمّا التقيته كنت أعلم أن الرجل لا يتحرك للتحرّك فقط، بل إنه يحمل في نفسه ذلك الحزن العميق نتيجة ما تعرض له شعبه طيلة أربعين عاما من ظلم وقهر وتعذيب وتشريد وغربة لنخبه وكوادره في دهاليز سجون العقيد معمّر القذافي المنتشرة على كامل تراب ليبيا. إنه المهندس عادل المنصوري من النشطاء في مدينة بنغازي ومن الفاعلين في ثورة 17 فيفري التي تصنع ربيع ليبيا الحرّة بدماء أبنائها وكرامة شهدائها. والحقيقة أن الرجل لم يدفعه الى الكلام معي إلاّ حبّه لتونس التي قال عنها: «التاريخ وحده كفيل بابراز مكانة تونس في مستقبل ليبيا». والمهندس عادل المنصوري مثله مثل آلاف الليبيين الذين تحدّثنا إليهم يريد التعبير عن اعترافه بالجميل لشعبنا الذي هبّ لاستقبال إخوان لنا قدموا من ليبيا ليحتضنهم هذا الوطن العظيم ليأخذ الحديث بعد ذلك بعدا جدّيا بما أنه يتعلق بخفايا الحرب في ليبيا. لم نكفر بالنعمة لأن الكثير يعتقدون أن شعب ليبيا يكفر بالنعمة في إعلان ثورته على نظام القذافي قال المهندس عادل المنصوري: «الشعب الليبي ليس أولئك الذين ترونهم في الملاهي في تونس وفي مصر أو في تركيا ومالطا وايطاليا، بل إن أغلبه لم يغادر أبدا ليبيا لقلّة ذات اليد. فمناطق عديدة في ليبيا تعيش على أجور شهرية لا تتجاوز ال200 جنيه. فأموال البترول يتمعّش منها المقرّبون والموالون وقلّة أخرى يستعملها القذافي في التجسّس على الشعب واغتيال الشرفاء ومطاردة المعارضين لحكمه، لذلك تجد أن هذه الثورة تستمدّ قوتها من عمق مأساة الشعب الليبي الذي همّشه العقيد القذافي بل وأمعن في التنكيل به بإفراغ التعليم من محتواه وعدم الاستثمار في البنى التحتية. ولتثبيت حكمه لا يختلف العقيد القذافي عن أيّ طاغية في العالم، فجمع حوله مجموعة من مصّاصي الدماء تتمثل مهمتهم في اجهاض أيّ نفس حرّ ووأد كل تحرّك شريف في المهد ممّا دفع بمحدّثي إلى القول: «الذراع الطويلة للعقيد تتمثل في شخص عبد اللّه السنوسي رئيس المخابرات وهو زوج أخت صفية زوجة القذافي. هذا المسؤول يعتبره الثوار أحد أهم ركائز حكم العقيد القذافي وتحمّله مسؤولية الاغتيالات وتصفية رموز المعارضة بل وحتى عمليات إبادة جماعية في صفوف المساجين والعسكريين الشرفاء». والشخص الثاني الذي تتهمّه الثورة الليبية بالوقوف وراء الجرائم التي ارتكبت في حق الشعب الليبي هو الخويلدي الحميدي زيادة على أبناء القذافي وابنته التي أسند لها رتبة عسكرية هي الأعلى في أي جيش في العالم وهي رتبة الفريق زيادة على الطيب صافي ومصطفى زايدي من مخابرات اللجان الشعبية وهما مسؤولان عن عملية القتل الجماعي الذي استهدف سجن أبو سليم وراح ضحيتها 1200 سجين ليبي. وقال محدّثي إنّ هؤلاء الأشخاص ستتمّ متابعتهم قضائيّا على خلفية الجرائم التي ارتكبوها في حق الشعب الليبي. قلعة باب العزيزية العالم كلّه أصبح يعرف الآن أن اسم العقيد معمر القذافي أصبح مرتبطا بقلعة باب العزيزيّة ولمّا سألت محدّثي عن هذا المكان قال لي: «الليبيون أنفسهم لا يعرفون الكثير عن هذا المكان الذي يشبه كثيرا المباني السوفياتية أيام حكم الشيوعيين. فهذه المدينة تمتد علىمساحة 7 كلم2 وتقع على مشارف العاصمة طرابلس يمنع الدخول إليها وحتى الاقتراب منها على الليبيين وتحرسها كتيبة خاصة من أشرس الكتائب وتحميها ثلاثة أسوار بنيت بشكل لا يمكن للقذائف والصواريخ النيل منها في صورة حدوث هجوم أرضي وتتقسم الى عدّة شاليهات وفيلات وقصور راقية بُنيت على أنفاق طولها مئات الكيلومترات مجهّزة بأحدث تقنيات المراقبة والتجسّس، على أنّ طرقات عديدة تربط بين هذه الأنفاق يمكن السير فيها بسيارات محصّنة صنعت خصيصا للعقيد معمر القذافي. ومثل هذه القلعة قلاع أخرى بُنيت بالبيضاء وبنغازي ومصراتة يستعملها العقيد وأبناؤها إما للتعذيب أو للهو والعبث.