ولاية مدنين تسجّل أعلى عدد وفيات بسبب حوادث الطرقات في ولايات الجنوب    اختتام الدورة النيابية الأولى للسنة البرلمانية 2024-2025    القيروان: حجز وأتلاف كميات ضخمة من اللحوم الفاسدة    قريباً: رفيق حفلاتك الأمثل بتقنية الذكاء الاصطناعي – هاتف OPPO Reno14 F 5G هنا ليخطف الأضواء!    في وقفة احتجاجية امام وزارة التربية المعلمون يطالبون بالحوار وتنفيذ الاتفاقات السابقة    بطولة افريقيا للأمم لكرة اليد للوسطيات: المنتخب الوطني ضمن المجموعة الاولى    جندوبة: حفل ناجح لرؤوف ماهر بمهرجان بلاريجيا الدولي    دولة عربية تسجل حرارة تلامس ال50 مئوية لأول مرة في شهر جويلية    أكثر من مليون تونسي يعاني من الشقيقة.. و''الكنام'' ما يعترفش بيها    السويد تطالب أوروبا بتجميد الشراكة التجارية مع إسرائيل    الاتحاد الاوروبي يشرع في تطبيق استثناءاتٍ لفائدة بعض المنتجات النسيجية التونسية    مباراة ودية: النجم الساحلي يفوز على نجم المتلوي    بطولة افريقيا للأمم لكرة اليد للصغريات: المنتخب الوطني ضمن المجموعة الأولى    عاجل/ العثور على جثة امرأة بهذا الوادي..    جريمة مروعة: زوج يطعن زوجته داخل المحكمة..    رسميا/ هذا موعد إنتاج وتوزيع ورق الكراس المدرسي..#خبر_عاجل    حفريات معبد تانيت...التوصل الى اكتشافات هامة    تفاعل جماهيري مع عرض نوردو في مهرجان سليانة الدولي    وزارة التجارة تكشف نتائج نشاط المراقبة الاقتصادية خلال هذه الفترة..    عاجل: انطلاق عملية نشر نتائج التوجيه الجامعي عبر خدمة الإرساليات القصيرة    أشغال تطوير كبرى بمركب الترجي استعدادًا لانطلاق موسم الشبان    فيديو يُشعل مواقع التواصل: سيارة خاصة تعرقل مرور سيارة إسعاف لمدة 10 دقائق!    عندكم فكرة على ''سوق الكرموس'' في الرقاب ؟    عمرو دياب يُفاجئ الجمهور: بكليب ''خطفوني'' بمشاركة ابنته جانا    للّي كبروا على صوت ''البيس''...هذه حكايتكم!    الزهروني: محاولة قتل شاب خلال "براكاج" مروّع في الطريق العام    موجتهم الأولى من الأمل: هيونداي تونس تُمكّن أطفالاً يتامى من اكتشاف البحر لأول مرة    20 شاحنة مساعدات إماراتية تستعد للدخول إلى غزة..    المعهد الوطني للتراث يستعيد ست قطع أثرية تمت إعارتها إلى معهد العالم العربي بباريس منذ سنة 1995    خزندار : محاصرة بارون ترويج المخدرات    تنبيه/ تراكم الدهون في الكبد ينذر بأعراض صحية خطيرة..    تأهل البولونية شفيونتيك والأمريكية كيز واليابانية أوساكا إلى الدور الثالث ببطولة مونتريال للتنس    تونس تخرج من موجة الحر: تراجع الكتل الساخنة والأجواء منعشة    تونس تحصد 58 ميدالية في دورة الألعاب الإفريقية المدرسية بالجزائر    مونديال الألعاب المائية بسنغافورة - الفرنسي مارشان يحطم الرقم القياسي العالمي لسباق 200 متر متنوعة    تحب تحلّ حساب؟ البوسطة ولا البنك؟ هاو الفرق!    العربي بن بوهالي: تضخم مستمر وأرباح مرتفعة للبنوك والشركات... والفقراء يدفعون الثمن    إطلاق مبادرة وطنيّة من أجل إنتاج غذائي بحري مبتكر ومستدام    بلدية تونس تُعلن عن عفو جبائي لسنة 2025: امتيازات مالية هامة للمواطنين    تطاوين : فرقة "تخت للموسيقى العربية" تحيي حفلا بمشاركة الفنان الليبي علي العبيدي والفنان الصاعد محمد إسلام المهبولي    "لاس ميغاس" تهز ركح الحمامات بإيقاعات الفلامنكو الجديد    عاجل من الافريقي: متوسط ميدان ليبي يمضي رسميًا    من طبرقة إلى جرجيس: كل الشواطئ مفتوحة أمام التونسيين هذا الويكاند    باحثون يطورون علاجا لهشاشة العظام...تفاصيل لا تفوتها    طرشق في صوابعك تنجم توصل للسبيطار...سّر باش يصدمك    مدفيديف يرد بسخرية على تحذير ترامب له ا ويذكّره ب"اليد الميتة" النووية الروسية    عاجل/ رئيس الدولة يفجرها تونس لن تكون لقمة سائغة للوبيات ولأعوانهم..    تسجيل 8 هزات ارتدادية عقب زلزال كامتشاتكا شرقي روسيا    عاجل/ دولة جديدة تعلن عزمها الاعتراف بدولة فلسطين في سبتمبر المقبل..    التوقعات الجوية لهذا اليوم..    نجاح أول عمليات منظارية على الأربطة المتقاطعة بالمستشفى الجهوي بقبلي..    إضراب النقل يُربك التنقلات في العاصمة.. و"التاكسي" يدخل على الخط: شهادات متباينة ومطالب مهنية    تاريخ الخيانات السياسية (31) البوّاب أخذ ألف دينار    سعرها حوالي 100 مليون دولار.. تحطم ثاني مقاتلة أمريكية "إف- 35" خلال عام    سهرة فلكية بمدينة العلوم    تاريخ الخيانات السياسية (30)...تمرّد المبرقع اليماني بفلسطين    عاجل/ التحقيق مع أستاذة في الفقه بعد اصدار فتوى "إباحة الحشيش"..    يوم غد السبت مفتتح شهر صفر 1447 هجري (مفتي الجمهورية)    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



هل تتخلّص الساحة السياسية من «عُنفها الإيديولوجي» القديم؟
نشر في الشروق يوم 12 - 06 - 2011

تتراكم الأحداث والتطوّرات داخل المشهد السياسي التونسي بشكل مُتسارع ، وتبرزُ رويدا رويدا حقائق ومعطيات تكشفُ المزيد من خبايا الأحزاب والطبقة السياسيّة وكواليسها وخفاياها.
ليس من شكّ في أنّ المعطى الحزبي والإيديولوجي لا يزال هو دينامو الحراك السياسي ومن المؤكّد أنّ التجاذب الّذي حصل حول مسارات الانتقال الديمقراطي وموعد انتخابات المجلس التأسيسي، سواء على سطح الحياة السياسية وعبر مختلف الوسائط الإعلامية والاتصالية أو كذلك في جلسات وأروقة الهيئة العليا لتحقيق أهداف الثورة والإصلاح السياسي والانتقال الديمقراطي ، لا شكّ في أنّ ذلك التجاذب يبقى «حمّالا» لإرهاصات تنازع إيديولوجي في اتجاهه إلى أن يكون علنيّا خلال الفترة القليلة القادمة بعد مرحلة من التخفّي والمواربة ومن جسّ نبض الأطراف المتقابلة بعضها لبعض.
هل تحتاج «تونس» إلى طبقة سياسية جديدة؟
أضحى من تحصيل الحاصل أنّ الطبقة السياسية التونسية التي استلمت مسار الإصلاح السياسي غداة ثورة 14 جانفي قد وقفت في مأزق حقيقي نتيجة حالة التباين التي كانت موجودة حول موعد انتخابات المجلس التأسيسي بين المتمسكين ب24 جويلية والداعين إلى 16 أكتوبر، بل كذلك حول نوعية العملية السياسية برمتها بعد أن تصاعدت ولا تزال أصوات تُنادي بوأد «مسار التأسيس» واستبداله بمسار آخر هو الاستفتاء على دستور 1959 والمرور مباشرة إلى انتخابات تشريعية أو رئاسية حسب نتائج الاستفتاء.
الحالة على ما هي عليه الآن لا تنبئ باستقرار وشيك وسط تصاعد حدّة المواجهة بين أكثر من طرف على خلفيات إيديولوجية وعقائديّة ولكن كذلك بسبب تضارب صارخ في الأجندات الحزبيّة مثلما عكست ذلك حالة الجدل «الحامي» الّذي دار في الجلسة الأخيرة للهيئة العليا لتحقيق أهداف الثورة في علاقة ببيان «مجموعة ال13» والذي بلغ درجة «السباب» و«الشتيمة» و«القدح»، وعلى ما رشح من أخبار فإنّ هذا الجدل لن ينطفئ قريبا بل سيتواصل على خلفية جدول أعمال الجلسات المقبلة والّذي سينظرُ في مسائل هامّة على غرار «العقد الجمهوري أو الديمقراطي» وحزمة القوانين المنظمة للحياة السياسية والجمعياتيّة وللمشهد الإعلامي.
ويرى عديدون أنّ «هذا الجدل» داخل أهم فضاء حواري اليوم في تونس على اعتباره يعكسُ عيّنة جيّدة ممثّلة للتنوّع الحزبي والإيديولوجي والفكري الممكن ، يرون أنّ هذا الجدل سينتهي إلى إقرار حالة من الفرز بين من يؤمن بإرادة الشعب ومستعد للتماهي معها بما فيها من خيارات انتخابية وتطلعات في التعدديّة الفعلية والحريات وبين من يؤمن بأنه بالإمكان الالتفاف على تلك الإرادة الشعبيّة و»قولبتها» وفق أجندة فئويّة ضيّقة ولو أدّى الأمر إلى «التغاضي» عن المسار الانتخابي وتوجيه الاهتمامات إلى مسائل أخرى ليس أقلّها خطورة محاولات تقييد صلاحيات المجلس التأسيسي وتوجيه عملية الانتقال الديمقراطي لخدمة مصالح وأجندات ضيّقة.
ومن الوجيه أن يقرأ المتابعون لتطورات الجدل السياسي الدائر اليوم بمنطق «تاريخي» يستحضرُ فاعلية مختلف الأطراف المتصارعة داخل هيئة تحقيق أهداف الثورة أو خارجها في فترات سابقة من عمر البلاد، ومن نتائج مثل تلك القراءات التحليليّة أنّ الطبقة السياسية الحالية بأحزابها وتياراتها ونخبها وكأنّها تستحضرُ في تحرّكاتها اليوم ماضيها في الصراع والتجاذب الإيديولوجي الذي طبع مرحلة سبعينيات القرن الماضي إلى أواسط ثمانينياته فتسعى لإسقاط أجزاء وصور منه على راهن الجدل السياسي وآفاقه على نحو تكون فيه أجندات العمل الحينيّة مشدودة إلى عُقد نفسيّة و»عنف أو عفن إيديولوجي» ماضوي كثيرا ما شوّه «الحالة الخلافيّة» بين طلبة الأمس (أحداث كليّة الآداب بمنوبة سنة 1981 وحالة القمع التي تعرّض لها الطلبة الدستوريون وحالات التضييق الواسعة ليس فقط على الإسلاميين بل على ظاهرة التديّن وممارسة الشعائر الدينيّة في أروقة الكليات والجامعات)، وحتى بقراءة الأسماء والوجوه الفاعلة اليوم داخل المشهد السياسي والحزبي (سواء داخل هيئة تحقيق أهداف الثورة أو خارجها ومثلما بدأ ينعكسُ ذلك على المعطى النقابي محليّا وجهويّا) فإنّ تلك الأسماء تكاد تكون هي نفسها بين الأمس القريب واليوم ، إلى درجة أنّ حالة من التطابق تكاد تكون واقعة بين ما حدث في الثمانينيات وما يحدثُ الآن على مستوى التجاذب السياسي والإيديولوجي وثنائيات الصراع والانتقاد.
ما أشبه اليوم بالبارحة
الخلاف الّذي شقّ الساحة الطلابيّة منذ بداية سبعينيات القرن الماضي إلى أواسط ثمانينياته والّذي تجاذبته ثنائيّة المؤتمر الخارق للعادة للاتحاد العام لطلبة تونس التأسيس لمنظمة طلابية جديدة ، هذا الخلاف يُعاد اليوم بنفس الشخوص وبنفس الأسماء المؤثّرة تقريبا وبنفس التجاذبات الإيديولوجية بين راغبين في إنجاح وإتمام متطلبات «التأسيس الجديد» وراغبين في قصف ذلك الخيار واستنبات مسار ثان يطرح التأجيل والتأخير ظاهريا ويستبطنُ في جوهره العدول عن التأسيس إلى الاستفتاء أو المرور مباشرة لانتخابات رئاسية والبناء على ما هو موجود بعد إجراء بعض التعديلات عليه ، على أنّ العديد من المحلّلين يذهبون إلى فلسفة هذا الشق في ربح المزيد من الوقت ومن ثمّ «الهروب» من المنازلة الانتخابية التي يعتقدون وفق ما لديهم من استشرافات أنّها ستؤول لخصومهم «التقليديين» أي الإسلاميين.
البعض من قوى اليسار التي اختارت في فترات سابقة التلبّس بتلابيب الدولة ومختلف أجهزتها بغاية تحقيق إيديولوجيتها «الثورية» في إقصاء واجتثاث خصومها السياسيين يبدو أنّها في اتجاهها لكي تتحرّك بنفس الآليات وعلى نفس المنهجيّة، ووجّه القيادي في حركة النهضة مؤخّرا انتقادا للقطب الحداثي الديمقراطي الّذي نعتهُ بأنّه «تحالف ضدّ ..(تيار معيّن) وليس تحالف من أجل...(أهداف وطنية إصلاحية وديمقراطية)، وهذا الانتقاد يجعل من القطب الحداثي الديمقراطي أشبه ما يكون بتجمّع إيديولوجي يساري فرنكفوني يستبطن عنفا إيديولوجيا ليس فقط في اتجاه تيارات سياسية معيّنة كما ذهب إلى ذلك العريّض بل يروم التأسيس لأجندة تقضمُ أجزاء من الضمير الجمعي لغالبية التونسيين وتصعد بأفق البلاد ما بعد الثورة إلى أفق فرنكفوني علماني كما ذهب إلى ذلك المفكّر أبو يعرب المرزوقي ، ويكفي للتدليل على «جوهر ذلك القطب» والخلفيّة الّتي تُحرّكهُ تعداد الأسماء الّتي جلست على المنصّة الرئيسيّة لندوة الإعلان عن هذه «المبادرة السياسية-الانتخابية»، وهم: سعدون الزمرلي ورياض بن فضل ومصطفى بن أحمد وعبد القادر حمدوني وسامي بن ساسي وفاطمة الشرفي وعائدة السريحي ، إذن هي شخصيات لا يُعرفُ عنها أيّ انتماء تنظيمي مباشر بل أغلبها يُعرف بتوجّهه الحداثي والقرب من الإطار الفرنكفوني وهذا ما يدلّل بصفة تكاد مطلقة على أولوية أطروحات هؤلاء في اختيارات الأحزاب المنضوية تحت لواء «القطب» وتوجهاتها السياسية لهذه المرحلة واستعدادها للمواعيد السياسية والانتخابية القادمة.
مراجعات و«بارقة أمل»
على الرغم من ذلك الاتجاه الفئوي فإنّ تيارات عديدة من اليسار واليمين تتّجه اليوم إلى تنفيذ مراجعات إيديولوجية وعقائديّة عميقة و»شجاعة» تذهبُ إلى رفض القصويّة والاقتراب من «الوسطيّة» بشكل أوجد توصيفات جديدة للتيارات السياسية نظّر لها مؤخّرا المفكّر أبو يعرب المرزوقي الّذي أقرّ في قراءاته التجديديّة الأخيرة (انظر الشروق الأحد بوجود «يسار لليمين»(الإسلاميون حركة النهضة) و«يمين لليسار» (القوميون بعض أطراف اليسار).
وما من شكّ في أنّ هذا التمازج بين اليمين واليسار يعكسُ توجّها من مختلف التيارات وتسابقها نحو «الوسطيّة والاعتدال» والابتعاد عن التطرّف والأفكار الإقصائيّة ، وهو ما يُرشّح المشهد السياسي لكي يكون قابلا لهضم تشكّلات جديدة داخله كانت قد برزت منذ فترة سابقة من خلال تجربة «تحالف 18 أكتوبر» حيث التقت أطراف عديدة متباعدة إيديولوجيا وفكريا وعقائديّا على صياغة أرضية مشتركة عنوانها الأبرز توافق حول مكونات الهوية العربية الإسلاميّة لتونس وحماية الحريات ومكاسب الحداثة.
إلى ذلك تواصل حركات وتيارات سياسية في مرحلة ما بعد الثورة استلهام روح الوسطيّة وإجراء عمليات جريئة في نقد الذات ومزيد التشبّع بفلسفة الإيمان بالرأي الآخر والطرف المقابل على غرار ما تذهب فيه الآن حركة الديمقراطيين الوطنيين وحزب العمال الشيوعي التونسي انتصارا لمعاني الهوية العربية الإسلامية ومن تأكيدات هذا التمشي رفضُ حزب العمال الالتحاق بالقطب الحداثي الديمقراطي وإعلان «الوطد» (شكري بلعيد) بشكل مبدئي وصريح عن قناعته بالانتماء العربي الإسلامي العميق لتونس ورفضه كلّ محاولات التشكيك أو احتواء هذا الانتماء ، إضافة إلى ما تكدحُ حركة النهضة الطرف الأبرز في التيارات الإسلامية في سبيل التأكيد على استيعابها لمتطلبات المرحلة من ديمقراطية وتعدديّة وحماية المكتسبات الحداثيّة والاستعداد للسير في منهج الوفاق الوطني حتّى مع خصوم الأمس إلى منتهى مداه وتفنيد ما يروّج عنها من تخفّ وازدواجية في الخطاب.
فهل تتمكّن هذه المراجعات والتوجّهات الإيديولوجية والفكرية والعقائديّة الجديدة من الصمود وسط خيارات الغطرسة والإقصاء وتصل إلى «صناعة» واقع سياسي جديد ينتصرُ للديمقراطية الحقّة والتعدديّة الفعليّة بعيدا عن عنف عفن الإيديولوجيا الإقصائيّة والفئويّة الضيّقة؟


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.