كنا نعلم من خلال التقارير العسكرية القادمة من جبهات المعارك في ليبيا أنّ مدار الحرب سيتحوّل الى الشمال الشرقي لليبيا آجلا أم عاجلا. لذلك اخترنا نقل مكان تغطيتنا للأحداث من الذهيبة في الشمال الغربي الى رأس جدير في الشمال الشرقي وفعلا صدقت تكهناتنا. فمنذ وصولنا بدأت الأخبار تصلنا تباعا الى أن تأكدنا أن خارطة المعارك اتسعت لتصل الى زوارة على بعد 30 الى 40 كلم على بوابة العبور براس جدير. مصادرنا أكدت لنا أنّ الثوار قدموا على متن زوارق صبراطة الواقعة على الساحل الشمالي لليبيا والقريبة جدّا من تونس للالتفاف على كتائب القذافي المتمركزة بمدينة زوارة وهي المرة الأولى التي يتمّ خلالها استعمال زوارق عسكرية من طرف الثوّار ممّا يفهم منهم أنّ نوعيات أخرى من الأسلحة قد تدخل المعركة ممّا سيغيّر من موازين القوى بين طرفي النزاع في ليبيا. والحقيقة أنّنا شاهدنا أعدادا كبيرة لكتائب القذافي متمركزة بالقرب من بوابة العبور برأس جدير من الجهة الليبية وحذرنا مسؤولون في النقطة الحدودية من مغبّة التصوير لأن القناصة متمركزون فوق سطوح البنايات وبإمكانهم استهدافنا إن اقتربنا منهم. حالة التوتّر هذه دفعت بالعديد من القيادات العسكرية الى إعلان الانشقاق عن نظام القذافي وآخرها هروب القائد الميداني لكتائب القذافي المتمركزة بمدينة الغزاية القريبة جدّا من بلدة الذهيبة التونسية الذي عبر جبل المرابح مع أحد ضبّاطه مشيا على الأقدام وسلم نفسه الى رئيس فرقة الحرس الوطني بالذهيبة بعد أن كان أعوان المركز المتقدم بالملّس قد تولّوا نقله الى مقرّ الفرقة حيث قال إنه اختار تسليم نفسه الى السلطات التونسية مخافة أن تنتقم منه قوّات الثوّار الذين يتهمونه بالقيام بعمليات اغتصاب للنساء والفتيات وقتل جماعي واستعمال المواطنين كدروع بشرية طيلة شهرين. استنفار تطوّر الأحداث في ليبيا واتساع رقعة المعارك الى الشمال الشرقي لليبيا واقتراب المعارك من بوّابة العبور برأس جدير دفعت بوحدات الجيش التونسي الى درجة استنفاره ووضع قواته في حالة تأهب على طول الشريط الحدودي تحسبا لأيّ طارئ. الى ذلك كثفت دورياته الثابتة والمتحرّكة من عمليات تفتيش لكل السيارات والشاحنات الوافدة من ليبيا وفعلا تمكّنت احدى الوحدات من حجز كميّة هامة من الذخيرة في حدود الساعة الواحدة من نهار أمس بعد تفتيشها لسيارة كانت تقل عائلة ليبية. والحقيقة أن وحدات الجيش التونسي والحرس والأمن والديوانة المتمركزة ببوابة رأس جدير منتشرة على طول الطريق الرابطة بين البوابة ومدينة بن قردان وتقوم بتفتيش كل السيارات القادمة من ليبيا مخافة أن تتسرّب ممنوعات كالأسلحة والمخدّرات. إلى ذلك يتوقع الخبراء أن يتوافد أكثر من مليوني ليبي على تونس إن سقطت مدن الزاوية وزوارة والمطرق وصبراطة المتاخمة للحدود التونسية الليبية. لذلك أصبح العبء ثقيلا على أهالي مدينة بن قردان الذين فتحوا منازلهم منذ بداية الحرب لاستقبال الاخوة الليبيين. والواقع أنّ أهالي هذه المدينة يعانون الأمرّين منذ أكثر من 4 أشهر. فبعد اللاجئين المصريين والأفارقة والأسيويين جاء الدور على الاخوة الليبيين ليفرّوا الى هذه المدينة التي تضرّرت مصالح مواطنيها نتيجة الحرب في ليبيا ذلك أنهم يعيشون على التجارة مع هذا البلد في غياب مصانع ومعامل توفر مواطن شغل لأبنائها ممّا دفع بهم الى التهديد بالدخول في اضراب عام إذا ما واصلت السلطة المركزية في العاصمة تجاهل مطالبهم المشروعة. فبن قردان على غرار أغلبية مدن الجنوب التونسي مدينة لا صناعية ولا فلاحية، بل هي تجارية وهذه التجارة توقفت بالكامل بسبب الحرب في ليبيا. من مبعوثنا الخاص: الحبيب الميساوي