طالت معاناة بعض الشعوب العربية مثل أشقائنا في اليمن وليبيا وسوريا. تحرك العالم الغربي إعلاميا وديبلوماسيا وحتى عسكريا. تكلم المسؤلون في بعض البلدان وحتى في الشرق مثل تركيا. لكن لا أحد حرك ساكنا حتى اليوم في العالم العربي، لا الجامعة العربية ولا الحكومات ولا مكونات المجتمع المدني ولا الفعاليات الشعبية. سواء على مستوى فردي أو جماعي، إلا في نطاق محدود وباحتشام. صحيح أن بعض هذه البلدان تمر بفترة انتقالية مثل تونس ومصر وصحيح أن بعض الأنظمة تتستر خلف مبدإ عدم التدخل في الشؤون الداخلية للدول الأخرى أو احترام سيادة هذه الدول. لكن الصحيح أنه رغم الثورات العربية التي جعلت بعض الشعوب في صدارة الأحداث ومكنتها من تقرير مصيرها بنفسها وصنع الأحداث في بلادها وإن نسبيا وبصفة محدودة وانتقالية، فإن بعض هذه الشعوب منغمسة في همومها اليومية ومنشغلة بضغوطات واقعها الصعب وهي توظف كل جهدها ووقتها وامكانياتها لتحقيق أهدافها في التشغيل والإصلاح السياسي ومحاكمة رموز الفساد وأفراد الأنظمة البائدة. لكن ذلك لا يبرر بالنسبة للشعوب أن تتناسى ما يقع على الجناح الشرقي للوطن العربي. فلماذا لم تخرج حتى الآن مظاهرات شعبية حاشدة لمساندة اخوتهم في هذه البلدان التي تمر بمحنة قاسية ولتقول لا لسفك الدماء والغطرسة وإبادة المواطنين العزل وتهشيم رؤوسهم بالهراوات وتقتيل واغتيال وقنص المتظاهرين السلميين على مرأى ومسمع من وسائل الإعلام وخاصة الشبكات الاجتماعية للاتصال. والأصح كذلك أن «الجامعة» لم يبق لها من الجمع إلا اسمها وهي لم تعد تمثل شيئا في رأي الشعوب العربية وحتى لدى بعض المسؤولين الذين فقدوا ثقتهم فيها. والأصح كذلك أن بعض القادة العرب لهم أسبابهم الخاصة في هذا الصمت وهذا السكوت وهذا السكون وعدم الفعل فالبعض ينحاز للقادة ولو كانوا ظالمين ومضطهدين لشعوبهم أو جلادين وجبارين ومجرمين في حق بلدانهم ومواطنيهم لمجرد المجاملة ومن باب أنصر أخاك ظالما أو مظلوما، وخوفا من نصرة الشعوب والانحياز للثوار لكي لا يأتيهم مد الثورة إلى عقر ديارهم وتطيح نسمات الحرية بعروشهم وكراسيهم وأنظمتهم. لأن الكل في «الهوى سواء» كما يقال. فما يثير هذا الشعب ضد حاكمه في هذا البلد له ما يماثله من الأسباب وربما أكثر في هذا البلد المجاور أو ذاك. فلا أحد يتصور أن حاكما عربيا أو نظاما عربيا واحدا يرضى عما يحصل من بشاعات وفظاعات وانتهاكات واغتيالات وعقوبات جماعية في سوريا.. أو حرب أهلية خطيرة في ليبيا.. أو تهديد بحرب أهلية شاملة في اليمن. لذلك فمن المخجل أن يلازم هؤلاء الصمت حتى الآن بينما اتخذ أردوغان في تركيا موقفا مما يحدث في سوريا وهناك قرارات بعقوبات غربية وأممية ضد النظام السوري واعتراف عدة حكومات غربية بالحكومة الانتقالية في بنغازي. فما ذنب هؤلاء الأبرياء الذين يسقطون كل يوم في هذه البلدان الثائرة لا لشيء إلا لأنهم قرروا استعادة حريتهم وكرامتهم وتقرير مصيرهم بأنفسهم والإطاحة بأنظمة القهر والاستبداد وقمع الشعوب ومصادرة حقوقهم الشرعية في الحرية والديمقراطية والتنفس دون رقابة المخبرين وزبانية هذه الأنظمة التي هي إلى زوال ولن يجديها نفعا ولن يطيل بقاءها هذه الأساليب التي ولى عهدها وانقضى بعد انتهاء عمرها الافتراضي وبقائها في غرف الانعاش لفترات طالت أكثر من اللازم. إن الشأن العربي شأن واحد فلا مجال للتذرع بهذه الترهات والتعلات الواهية والباطلة فعجلة التاريخ بدأت في الدوران والتغيير في المنطقة العربية بعدما هبت عليه نسمات الحرية وعمت فيه روح التحرر وان التاريخ لا يرحم.. انه لن يرحم كل من يبقى في وضع المتفرج سواء من القادة أو الشعوب العربية فلنحسم أمرنا ولنتخذ القرار المناسب لنصرة إخواننا المظلومين والمنتهكين والمقموعين في كل بلد عربي ثائر، وليكن ذلك بسرعة ويكفينا تلكؤا وإضاعة للوقت ولنساير حركة التاريخ ولنساند الثورة الشعبية لأن إرادة الشعوب من إرادة الله وإرادة الله لا تقهر. بقلم: بدر الدين الربيعي (الأمين العام لحزب الحرية والتنمية)