أثيرت أول أمس داخل مجلس نواب الشعب مسألة دستورية ما يُعرف ب"مسار قرطاج"وتحديدا المشاورات الجارية في إطار الإعداد لوثيقة قرطاج 2 حول ادخال تغييرات على الحكومة. تونس «الشروق»: انتقل الجدل في تونس من الحديث عن التغييرات المنتظر ادخالها على الحكومة في إطار مشاورات قرطاج وعن الأسماء المرشحة لرئاسة الحكومة القادمة إلى النظر في مدى دستورية هذا التمشي أصلا باعتبار ان تغيير الحكومة او رئيسها مسألة ينظمها الدستور. «الشروق» أشارت في عدد أمس إلى ان عددا من نواب المعارضة البرلمانية تولوا صياغة عريضة تطالب بعقد جلسة عامة لمناقشة ما اعتبروه «سطوة» رئاسة الجمهورية على صلاحيات مجلس النواب وما وصفوه ايضا ب"الانقلاب" على الدستور من خلال مشاورات قرطاج حول تغيير الحكومة واستبدال رئيسها وصياغة برنامج عمل للحكومة. دستور خصص دستور جانفي 2014 ما لا يقل عن 5 فصول لطريقة تكوين الحكومة ولكيفية اختيار رئيسها (الفصل 89) وايضا لكيفية انهاء مهامها والتي تكون عبر 3 آليات دستورية وهي : سحب الثقة منها بطلب من ثلث النواب (الفصل 97) –سحب الثقة منها بطلب من رئيس الجمهورية (الفصل 99) - استقالة رئيس الحكومة من تلقاء نفسه والتي تعد استقالة للحكومة برمتها (الفصل 98) - حصول شغور نهائي لمنصب رئيس الحكومة لاي سبب عدا حالتي سحب الثقة او الاستقالة، مثلا الوفاة او العجز التام .. (الفصل 100). من الناحية الشكلية الصّرفة لم يتضمن الدستور بالتالي - وفق المختصين- أية إشارة إلى أية طريقة أخرى يمكن من خلالها انهاء مهام الحكومة او رئيسها عدا سحب الثقة او الاستقالة او اسباب اخرى. كما لم يتضمن طريقة اخرى لتعيين رئيس جديد عدا تولّي رئيس الجمهورية تكليف شخصية بتشكيل حكومة جديدة وفق الفصل 89.. مسار قرطاج ما حصل خلال اجتماعات قرطاج الاخير في اطار الاعداد لوثيقة قرطاج 2 أعاد الى الاذهان ما حصل خلال صائفة جوان 2016 عندما طرح رئيس الجمهورية مبادرة حكومة الوحدة الوطنية وانطلقت اجتماعات الاحزاب والمنظمات الوطنية ليقع الاتفاق في الاخير على انهاء مهام حكومة حبيب الصيد ووقع تفعيل الاجراءات الدستورية (سحب الثقة) ثم اختيار يوسف الشاهد وتكليفه بتشكيل حكومة جديدة وفق الفصل 89 من الدستور. غير أن ما حصل آنذاك كان ضمن خيار وطني كبير وقع التوافق حوله وهو الوحدة الوطنية وتشكيل حكومة وحدة وطنية بنية مساعدة البلاد على تجاوز وضعيتها الاقتصادية والاجتماعية الصعبة. وحظي هذا الخيار بموافقة كل الاطراف بما في ذلك المعارضة ( رغم ان بعضها لم يوقع وثيقة قرطاج) والمنظمات الوطنية واستمد مشروعية واسعة رغم انه كان بدوره مخالفا للدستور. قرطاج 2 بدأ الحديث عن امكانية ادخال تحويرات على الحكومة وعلى رئيسها منذ اول اجتماع لرئيس الجمهورية بالموقعين على وثيقة قرطاج في جانفي 2018. وعلى مدى حوالي 5 أشهر قدمت أغلب الاطراف الفاعلة على الساحة ( احزابا ومنظمات وطنية) مواقفها ومقترحاتها حول الحكومة معتبرين ان توقيعاتهم على وثيقة قرطاج تسمح لهم بالمشاركة في التحويرات الوزارية او في انهاء مهام رئيسها. هذا التمشي تعتبره بعض الاطراف لادستوريا لان انهاء مهام الحكومة او رئيسها او الابقاء عليهما مهمة 3 أطراف وهي الحزب الفائز في الانتخابات ومجلس نواب الشعب ورئيس الجمهورية. وأكثر من ذلك فقد نص الفصل 95 من الدستور على ان الحكومة مسؤولة امام مجلس نواب الشعب ولم ينص على انها مسؤولة امام لجنة مراجعة وثيقة قرطاج والتي كان عليها الاكتفاء فقط بالناحية المضمونية ( خارطة طريق عمل الحكومة) دون التدخل في الناحية الشكلية. كل ذلك يطرح أكثر من سؤال حول هذا التمشي برمته ( مسار قرطاج) وعن الفائدة التي حققها او سيحققها للبلاد خاصة اذا اصبحت سلبياته اكثر من إيجابياته.