تتسارع المستجدات في الملف الليبي وتأخذ هذه المرة منحى إيجابيا بما يعني أن الحل السياسي المؤمل أصبح على مرمى حجر وأن مجهودات المبعوث الأممي وزير الثقافة والتربية اللبناني الاسبق غسان سلامة بصدد أن تأتي أكلها من خلال تطوير اتفاق السخيرات لسنة 2015 الذي تم التوصل إليه تحت لواء المنتظم الأممي لجعله مقبولا من طرف كل الفرقاء الليبيين. يبدو أن التفاؤل أصبح سيد الموقف تبعا للإحاطة التي قدمها أمام مجلس الأمن الدولي يوم الاثنين الماضي 21 ماي حيث أكّد أن مشاورات واسعة تمت بين الليبيين في 27 موقعا مختلفا شارك فيها بعض الآلاف في نطاق ما أسماه «مؤتمرا وطنيا» سوف تنتهي فعالياته في أواخر جوان وقد بينت «هذه العملية التشاورية واسعة النطاق التي عقدت في مختلف المدن والبلدات» بروز نقاط للتوافق ومنها خاصة «التوق إلى دولة موحدة وذات سيادة، وإيمان مشترك بأنه لتحقيق هذا يجب أن تكون الدولة أكثر لامركزية ورغبة قوية في مؤسسات الدولة الموحدة والعمل بشفافية، مع اختيار القادة على أساس كفاءتهم وليس هويتهم وكذلك جيش موحّد ومهني وجهاز أمني متماسك، خال من التدخل السياسي، يعمل وفق قواعد واضحة المعالم ودعوة لإجراء انتخابات يمكن أن توحد البلاد. وأخيرا، توق شديد واضح للخروج من المرحلة الانتقالية.» هذا لا يعني أن الأمور على أحسن ما يرام بل لا زالت التحديات الأمنية قائمة وربما تأخذ منحى تصاعديا في الفترة القادمة لأن بعض الجماعات المسلحة والأطراف الإرهابية ليس من فائدتها استتباب الأمن وما الهجوم على لجنة الانتخابات بطرابلس وتفجير سيارة مفخخة في شوارع بنغازي في الأيام القليلة الماضية وما نجم عنهما من سقوط ضحايا أبرياء إلا دليلا على ذلك. المبعوث الأممي واع تمام الوعي بهذه التحديات وقد أكد أمام مجلس الأمن أنه قام «بإشراك الجماعات المسلحة مباشرة، بالتشاور الوثيق مع الحكومة» وأنه في المراحل النهائية من المشاورات مع السلطات الليبية لوضع اللمسات الأخيرة على الاستراتيجية ووضع خطة لتنفيذها، وهي خطة لن تنهي الجماعات المسلحة غدا ولكنها ستساعد على بدء هذه العملية الطويلة بشكل جدي» مبينا «إن مساعدة ليبيا على التعامل مع الجماعات المسلحة تعالج أحد التحديات العديدة التي تواجهها ليبيا في قطاع الأمن.» في نفس اليوم الذي تحدث فيه غسان سلامة أمام مجلس الأمن انعقد بالجزائر العاصمة الاجتماع التشاوري الرابع بين وزراء خارجية تونس والجزائر ومصر في إطار متابعة المبادرة الرئاسية التونسية للحل السياسي في ليبيا وذلك للنظر في آخر مستجدات الوضع في ليبيا وآفاق المسار السياسي الذي تقوده الأممالمتحدة لإحلال السلام في هذا البلد، وكيفية مساهمة دول المبادرة الثلاثة في تذليل الصعوبات التي تعيق هذا المسار. والمعلوم أن مبادرة رئيس الجمهورية التونسية الباجي قائد السبسي المعلنة يوم 17 ديسمبر 2017 تقوم على مبادئ ثلاثة أصبحت المبادئ المشتركة لكل التحركات لإيجاد حل للأزمة الليبية وتتمثل هذه المبادئ في رفض أي حل عسكري وتدخل أجنبي في ليبيا والسعي أن يكون الحل ليبيا-ليبيا وتشجيع الفرقاء الليبيين على إجراء حوار شامل تحت رعاية الأممالمتحدة وفقا لخارطة الطريق التي أعلنها المبعوث الأممي الخاص إلى ليبيا غسان سلامة وبالاستناد إلى الاتفاق السياسي الموقع في ديسمبر 2015. اتفق الوزراء على مواصلة التشاور والتنسيق في قادم الأيام حول مختلف الاستحقاقات الإقليمية والدولية التي تتناول الأوضاع في ليبيا مع التأكيد على أهمية تشريك دول المبادرة الثلاثة في الجهود الرامية لحل الأزمة الليبية. كما تم اعتماد بيان مشترك بين تونس والجزائر ومصر شدد على الدور الهام لهذه الدول في إسناد المجهود الأممي لحل الأزمة الليبية ودعوتها جميع الفرقاء الليبيين إلى تجاوز خلافاتهم ووضع مصلحة بلدهم فوق كل اعتبار. كما شدد البيان على رفض التدخل الأجنبي في ليبيا والذي من شأنه أن يؤدي إلى مزيد تصعيد الأزمة ويقوّض العملية السلمية بما يهدد الأمن والاستقرار في ليبيا وفي باقي دول الجوار. آخر المستجدات تشير إلى أن العاصمة الفرنسية باريس ستحتضن اجتماعا هاما غدا الثلاثاء 29 ماي يشارك فيه تحت إشراف الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون رئيس المجلس الرئاسي فائز السراج وقائد الجيش الليبي المشير خليفة حفتر ورئيس مجلس النواب عقيلة صالح ورئيس مجلس الدولة خالد مشري وذلك بغرض البحث عن ظروف الخروج من الأزمة من خلال وضع إطار لقيام مؤسسات دائمة معترف بها من قبل المجموعة الدولية وخاصة الإعداد للاستحقاقات الانتخابية التي يأمل الجميع في إجرائها في أقرب الأوقات وإن أمكن قبل نهاية السنة الجارية وقد دعت الرئاسية الفرنسية لهذا الاجتماع ممثلون عن 19 دولة ومنها الدول الخمس دائمة العضوية في مجلس الأمن وإيطاليا ودول الجوار الليبي تونس ومصر والجزائر والتشاد ودول هامة في المنطقة مثل الإمارت وقطر والكويت والمغرب وتركيا, كما يحضر الاجتماع رئيس الكونغو دنيس ساسو نغيسو بوصفه رئيس الهيئة عالية المستوى للاتحاد الإفريقي حول ليبيا وبالطبع الممثل الاممي غسان سلامة، ويذكر أن الرئيس ماكرون كان عقد لقاءا بين السراج وحفتر في جويلية الماضي. قد يبدو هذا الاجتماع هاما ولكنه قد يؤدي إلى إقصاء الدول المعنية أو على الأقل تهميش دورها ومنها بلادنا من الجهود الدولية لإحلال السلم في البلد الشقيق والجار وما يتبعها من إعادة الإعمار. لقد قدمت تونس أكبر التضحيات لفائدة الأشقاء الليبيين ونتمنى أن لا ينسوا ذلك.