يقول الله –عز وجل- في كتابه العزيز: {شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِيَ أُنزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدًى لِّلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِّنَ الْهُدَى وَالْفُرْقَانِ} [البقرة: 185] يقول ابن كثير في تفسيره: «يمدح تعالى شهر الصيام من بين سائر الشهور بأن اختاره من بينهن لإنزال القرآن العظيم، وكما اختصه بذلك قد ورد الحديث بأنه الشهر الذي كانت الكتب الإلهية تنزل فيه على الأنبياء». ويقول: «وأما القرآن فإنما نزل جملة واحدة إلى بيت العزة من السماء الدنيا وكان ذلك في شهر رمضان في ليلة القدر منه؛ كما قال تعالى: {إنا أنزلناه في ليلة القدر} وقال: {إنا أنزلناه في ليلة مباركة} ثم نزل بعده مفرقا بحسب الوقائع على رسول الله صلى الله عليه وسلم، هكذا روي من غير وجه عن ابن عباس». ويقول: «وقوله: {هدى للناس وبينات من الهدى والفرقان} هذا مدح للقرآن الذي أنزله الله هدى لقلوب العباد ممن آمن به وصدقه واتبعه {وبينات} أي دلائل وحجج بينة واضحة جلية لمن فهمها وتدبرها دالة على صحة ما جاء به من الهدى المنافي للضلال والرشد المخالف للغي ومفرقا بين الحق والباطل والحلال والحرام»[8]. فحقيق بهذا الشهر أن يسمى شهر القرآن، وحقيق بهذا الشهر أن يملأ ليله بالتلاوات ويشغل نهاره بالآيات، وحقيق بعبد أقبل على الله وعلى طاعته ورغب فما عند سيده ومولاه أن يلقي السمع وهو شهيد؛ قال تعالى: {إِنَّ فِي ذَلِكَ لَذِكْرَى لِمَن كَانَ لَهُ قَلْبٌ أَوْ أَلْقَى السَّمْعَ وَهُوَ شَهِيدٌ} [ق: 37]. لمن كان له قلب: أي قلب حي يعي ويعقل عن مولاه.. فارغ من المفسدات والشهوات قابل للذكر والآيات. أو ألقى السمع: أي أصغى وانتبه لما يلقى على مسامعه. وهو شهيد: أي حاضر القلب والفؤاد غير لاهٍ ولا ساهٍ.