أجمل ذكرياتنا نحن المسلمين في شهر رمضان، أنزل كتابنا العظيم، والذكر الحكيم في شهر رمضان {شهر رمضان الذي أنزل فيه القرآن هدًى للنّاس وبيّنات من الهدى والفرقان}. نزل كتابنا في رمضان، فكانت ذكراه أحلى الذكريات، وأيامه في الدهر خالدات. نزل القرآن الكريم على أمة أمية، ليخرجها بإذن اللّه من الظلمات إلى النور. كلما جاء رمضان تذكرنا لهذه المنة العظيمة بنزال هذا الكتاب الحكيم على الرسول الكريم {لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه تنزيل من حكيم حميد}. وفي رمضان انتصرا وغلبنا بإذن اللّه ودحرنا الكفر في بدر الكبرى. وفي رمضان انتصر رسولنا ص وأصحابه المهاجرون والأنصار. قال تعالى : {لقد نصركم اللّه ببدر وأنتم أذلّة، فاتّقوا اللّه لعلكم تفلحون}. انتصر الاسلام على الكفر في رمضان، وارتفعت لا إله إلاّ اللّه محمد رسول اللّه في رمضان، واندحر الإلحاد في رمضان {يوم التقى الجمعان} بدر الكبرى كانت في السابع عشر من هذا الشهر، فكلّما مرّ بنا هذا اليوم ذكرنا بتلك الغزوة المباركة. الفتح في رمضان كانت غزوة الفتح، فتح مكّة قال تعالى : {إنّا فتحنا لك فتحا مبينا}. فتح رسولنا ص القلوب بالقرآن الكريم في رمضان، وفتح مكّة بالتوحيد في رمضان، فاجتمع الفتحان، وانتصر الإيمان، وعلا القرآن، وفاز حزب الرّحمان. معارك المسلمين الكبرى تقع في رمضان، وانتصارات المسلمين الخالدة كانت في رمضان. ومن ذكرياتنا في رمضان أن أمين الوحي جبريل عليه السلام كان ينزل على رسولنا ص في هذا الشهر كثيرا فيدارسه القرآن الكريم ويراجع معه آيات اللّه البيّنات، ويثبّت حفظه ويتدبّر معه تلك الحكم العظيمة والآيات الكريمة، ويعيد عرض هذا الكتاب عليه، ويتأنّق معه في التلاوة، ويجود معه الوحي، فكانا في أعظم عبادة وأجل قربة وأحسن مجلس. ومن ذكرياتنا في رمضان اجتماع الصدر الأول من الصحابة في صلاة التراويح فكانوا يسمعون لإمام واحد وهو يتلو عليهم كتاب ربّهم فيخشعون ويبكون ويتدبّرون. يطول بهم الليل فيقصرونه بالقيام، فلو رأيتهم وقد سالت منهم الدموع وثبت في قلوبهم الخشوع، فهم في قيام وسجود وركوع. ولو رأيتهم وقد هلّت منهم العبرات وارتفعت منهم الزفرات وضجوا الى ربّ الأرض والسموات. ولو رأيتهم وقد وجلت منهم القلوب واقشعرّت منهم الجلود وجادت بدمعها العيون. جنان ومن ذكرياتنا في رمضان أنه الشهر الذي تفتح فيه أبواب الجنان وتغلق فيه أبواب النيران، وتقيد فيه الشياطين، وهذه من أحلى الذكريات يوم يشعر المؤمن أنه مرحوم في هذا الشهر الكريم، وإن إغواء الشياطين مصروف عنه في هذه الأيام المباركة. ثم إن لكل صائم في هذا الشهر فرحتان يفرح بفطره ويفرح بلقاء ربه تبارك وتعالى. فكلما تجدّد هذا الشهر تجدد معه الفرح وزاد الأنس والسرور. وهذا الشهر كفارة لما بينه وبين رمضان الماضي كما أخبر بذلك عليه الصلاة والسلام في الصحيح، فهو شهر يحمل ذاكرة مجيدة لكل مسلم يوم يعلم أنه مطهر له من السيئات والخطايا. ورمضان شهر الفقراء والمساكين فهم يجدون فيه السخاء والعطاء من الأغنياء، ويجدون العون والمدد من الأثرياء، فكثير منهم يسعد في هذا الشهر بما يجود به على أيدي الباذلين. صحّ عنه عليه الصلاة والسلام أنه قال : «إن في الجنّة بابا يقال له الريّان، يدخل منه الصائمون، فإذا دخلوا أغلق فلا يدخل منه غيرهم». فباب الريّان له مكانة عظيمة في رمضان عند عباد الرحّمان.