نعم الله كثيرة لا تحصى ولا تعدّ، فهو الذي خلقنا وأوجدنا في هذه الحياة من العدم وهو الذي هدانا للإيمان وما كنا لنهتدي لولا أن هدانا الله. أنعم علينا بالصحة والأمن ورزقنا من الطيبات وقد حُرم منها كثير من الناس وفضلنا على كثير من خلقه تفضيلا ﴿وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ وَحَمَلْنَاهُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَرَزَقْنَاهُم مِّنَ الطَّيِّبَاتِ وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَى كَثِيرٍ مِّمَّنْ خَلَقْنَا تَفْضِيلاً﴾ الإسراء /70. والنعم إذا شكرت زادت واستقرت وإذا كفرت وجحدت زالت: ﴿وَضَرَبَ اللّهُ مَثَلاً قَرْيَةً كَانَتْ آمِنَةً مُّطْمَئِنَّةً يَأْتِيهَا رِزْقُهَا رَغَدًا مِّن كُلِّ مَكَانٍ فَكَفَرَتْ بِأَنْعُمِ اللّهِ فَأَذَاقَهَا اللّهُ لِبَاسَ الْجُوعِ وَالْخَوْفِ بِمَا كَانُواْ يَصْنَعُونَ﴾ (النحل /112) ومما يجب على الإنسان فعله عند النعم شكر الله عليها قولا وفعلا فيحمد الله على نعمته ويستعين بها على طاعته. والشكر يكون بالقول والفعل والاعتقاد، وهذا هو العمل الصالح الذي أمر الله به المرسلين وأمر به المؤمنين ولكن الإنسان قد يغفل عن هذه النعم ولا يقدّرها حقّ قدرها بحكم أنه تعوّد عليها. خذ لذلك مثلا نعمة التنفس ودخول الهواء وخروجه بسهولة فكل واحد فينا محفوف بألطاف الله مع كل دقة من دقّات القلب وقد تختنق الأنفاس لحظة فإذا هو يعاني ما يعانيه من آلام واضطراب تكاد عيناه تتفجّران منه ويكاد صدره يخرج من مكانه , وكذلك نعمة الطعام والشراب والصحة وغيرها.وأولى مراحل الشكر: أن يتفطن كل واحد فينا إلى هذه النعم وأن يحسّ بها وأن لا يغفل عنها وأن يدرك أن كل النعم التي يسعد بها هي من منعم واحد لا شريك له هو الله ربّ العالمين فالوسائط التي جرى على أيديها ما وصلنا من نعم وفضل هي وسائط فقط . وأن مسبّب الأسباب هو الذي يسّرها لنا وبقدرته تعالى تحرّكت الأسباب ولهذا فالشكر إنّما يتوجّه أولا وأخرا لصاحبها المنعم المالك لها: ﴿فاذكروني أذكركم واشكروا لي ولا تكفرون﴾ (البقرة:152). والشكر يكون باللسان بحمد الله عزّ وجلّ والثناء عليه: ﴿لئن شكرتم لأزيدنّكم﴾ (إبراهيم:7) ويكون أيضا باستعمال نعم الله في طاعته والتوقي من الاستعانة بها على معصية وارتكاب ما حرّم الله من زنا وشرب الخمور وقمار واعتداء على أعراض الناس بل يكون في استعماله فيما يرضي الله تعالى كأداء الزكاة وإعانة الفقراء واليتامى فإن حصن الخيرات والإبقاء عليها بالقيام بهذه الأعمال خاصة في هذا الشهر المبارك الذي يتضاعف فيه الأجر والثواب باعتبار الصدقة تقرن بالصيام.