بعد ان احتل الصليبيون بيت المقدس نكلوا باهلها وفعلوا فيها ما تاباه الاديان السماوية والرحمة الانسانية وارتكبوا بحق المسلمين اشنع الاعمال وافظعها وقد بلغ عدد القتلى من المسلمين سبعين الفا حتى ان الدماء سالت انهارا في المسجد الاقصى وفي الحارات والدروب التي تتفرع منه ويصف لنا ابن الاثير مظهر استياء المجتمع الاسلامي وقتئذ قائلا: «وورد المستنفرون من الشام في رمضان الى بغداد بصحبة القاضي ابي سعيد الهروي فاورد في الديوان كلاما ابكى العيون واوجع القلوب وقاموا بالجامع يوم الجمعة فاستغاثوا وبكوا وذكروا ما دهم المسلمين من قتل الرجال وسبي الحريم والاولاد ونهب الاموال فلشدة ما اصابهم افطروا». وبذلك استقر الصليبيون في البلاد الشامية واسسوا على السواحل الشامية عدة امارات امتدت من خليج الاسكندرية الى عسقلان ومن خليج العقبة الى شمال الرها. وكان من اهم اسباب نجاح الصليبيين في احتلالهم لبيت المقدس وما حوله ما كان عليه المجتمع الاسلامي من الانحلال والتدابر والنزاع والتخاصم ولم يستطع العدو ان ينفذ الى ديار الاسلام ويسيطر على الاماكن المقدسة ويستولي على مسرى رسول الله صلى الله عليه وسلم الا لما رأى حال الامة الاسلامية وما هي عليه من تخاذل وضعف وانحطاط فانتهزها فرصة مواتية لينقض على العالم الاسلامي ويأتي على بنيانه من القواعد ويجعل اعزة اهله أذلة . ولهذا نرى كثيرا من مؤرخي تلك العصور يشيرون الى تلك الحالة التي مني بها المجتمع الاسلامي في الحرب الصليبية الاولى بامثلة كثيرة كقولهم ، بينما الفرنج يحاصرون ويحتلون القدس كان محمد بن ملكشاه السلجوقي يحارب اخاه لابيه بركياروق . وافتك الفرنج عكا من واليها العلوي ، وانشغل ملوك الشام بقتال بعضهم بعضا وانقسمت البلاد الاسلامية وناصب كل بلد الآخر الكيد والعداوة ، بل وصل بالبعض ان استعان بالعدو على اخيه . الى غير ذلك من الاحداث التي سجلها المؤرخون في كتبهم . ويعتبر اغلب الباحثين ان الحالة السيئة التي وصل اليها المجتمع الاسلامي قبيل الحروب الصليبية كانت من اهم اسباب نجاح الصليبيين في احتلالهم لبيت المقدس ولم تكن هناك وسيلة للتغلب على الصليبيين الا بنهضة اسلامية شاملة توحد المشرق الاسلامي وتجمع شتاته لدحر العدو وقهره وقد بدأت بوادر النهضة تتحقق مع وصول آل زنكي حينما كون عماد الدين دولة قوية تمتد من الموصل الى معرة النعمان سنة 521 هجري . واخذ عماد الدين يكيل الضربات للصليبيين الواحدة تلو الاخرى وكان من اعظمها على الرها سنة 539 هجري وازالة امارتها . وكان لعماد الدين وجهاده الاثر الاكبر في اثارة الحرب الصليبية الثانية التي شارك فيها لويس الرابع ملك فرنسا وكونراد الثالث امبراطور المانيا وعوض ان تتجه هذه الحملة الصليبية الى اكبر خطر يهدد الصليبيين وهو قتال نورالدين محمود الذي تولى ولاية القسم الغربي من المملكة بعد موت ابيه عماد الدين الزنكي فان الصليبيين توجهوا الى دمشق وحاصروها مدة قصيرة ثم رجعوا من حيث اتوا وكان فك الحصار عن دمشق سنة 542 هجري .وهكذا انتهت الحرب الصليبية الثانية بهذا الفشل الذريع مما انعش المسلمين وقوى معنوياتهم ومهد للنصر الاكبر في معركة حطين بقيادة صلاح الدين . يتبع