جندوبة الشمالية « الشروق « : « بلاّ « الملكية هي التسمية الحقيقية لهذه المدينة الموغلة في التاريخ والتي ظلّت في القرن الثاني قبل الميلاد عاصمة لإمارة نوميديّة هي شقيقة مدينة شمتو . وتشهد بعض الآثار القليلة المنتمية إلى العهد البوني بتأثير العاصمة القرطاجيّة على نمط العيش لدى سكان المدينة وهم نوميديّون في أغلبيتهم ولكنّ الاحتلال الرومانيّ هو الذي خلّف لنا أهمّ الآثار التي تمتدّ اليوم على عشرات الهكتارات التي تشهد على حضارات تعاقبت نعم من هنا مر النوميديون كما القرطاجينيون كما الروم كما المسلمون ليسجل كل بصمته . توجد في بلاّريجيا جميع مكوّنات المدينة الرومانية القديمة من معابد، فوروم، حمّامات عمومية، مسرح،... بعض هذه المعالم مثل الحمّامات المبنية في القرن الثاني لها أحجام عملاقة. لكنّ أطرف ما في الموقع يتمثّل في منازل ذات طابقين : أحدهما على سطح الأرض، وهو اليوم مسوّى تقريبا وقد بقيت منه أجزاء بديعة من تبليطات فسيفسائية شاهدة علة عبقرية سكان المدينة وإبداعاتهم اللامتناهية والآخر تحت الأرض كان مسكونا في الصيف اتقاء للحرارة المحرقة التي تسود في تلك الفترة من السنةوكأن سكان بلاريجيا وجهوا رسالة مفادها تمرسهم بجغرافية المكان واكتساب تقنيات تحدي الطبيعة والتغلب عليها لذلك بقيت المساكن على حالها وحافظت على طابعها الفسيفسائي الرائع التي تبهرنا من بينها لوحة « أمفيتريت»، وتشاهد فيها الربّة محمولة من طرف سنتور بحري ونبتون وجنّيين مجنّحين في مشهد أبدع راسمه ونسج صورة تكاد تنطق من فرط روعتها يا الله . ويتحول المسرح الأثري البديع الذي كان شاهدا على معاناة العبيد والمقاتلين الذي يستمدون من قوتهم في مصارعة الحيوانات البرية حياة قد تنتهي يوما بمجرد عثرة وهون في القوى إلى ملتقى للإبداع والثقافة والفن اليوم ليقول لكل من يعشق التاريخ ومن يعشق لغة محبي الحياة « زرعوا فأكلنا ونزرع فيأكلون « وما أبدع ثمار تضحيات القدماء لتكون بلسما للجراح ونبراسا ينير طريق الحاضرين .