في وثيقة تاريخية نادرة روى المبروك بن مفتاح رفيق الدغباجي الكثير من تفاصيل معركة الجلبانية الواقعة بتاريخ 12 أفريل 1920 والتي توقفنا عندها في عدد أمس. وتعميما للفائدة نورد هذه الشهادة التاريخية حول نفس المعركة الخالدة. يقول المبروك بن مفتاح في شهادته حول معركة الجلبانية. «كنا جالسين للراحة صباحا، وقد أوقدنا نارا وطرحنا فيها أرنبا نشويها، فظهرت لنا حيل من بعيد تتبع آثارنا، وكان لابد من الدفاع عن أنفسنا، فالأرض عارية والخيل أسرع منّا، فأسرعنا الى ربوة قريبة وانتصبنا في المكان استعدادا للمواجهة، لكن الدغباجي الجريح اختفى خلف شجرات صغيرة في أسفل الربوة وفي منخفض يخفيه عن اللاحقين بنا، وكنا أربعة إذ أن رفيقنا الخامس الغمراسني فارقنا قبل المعركة بقليل والتحق بأهله، وكنت في أعلى الربوة أنا وبلقاسم بن لطيف وعمر كريد الحامدي منتظرين وصول الفرسان، بينما كان الدغباجي في مخبئه، وكان اللاحقون يتسابقون نحونا حين رأونا، وأغاروا علينا فرسانا، وبدأ اطلاق الرصاص بيننا فكانوا يتساقطون الواحد تلو الاخر فكان لاخفاء الدغباجي في أسفل الربوة الذي لم يروه أثر عظيم في انتصارنا، كذلك كان لهجومهم علينا وهم فرسانا أثره أيضا حيث «واثى فيهم الضرب». اللجوء الى طرابلس اختار محمد الدغباجي بعد الانتهاء من معركة الجبانية تجاوز الحدود في اتجاه طرابلس بصحبة عدد من رفاقه واستقر في قبيلة الحوامد، هناك. لم يغفل محمد الدغباجي متابعة أخبار جهته وخاصة مدينة الحامة التي كانت مسرحا للاضطهاد والقمع، فكان أن بادر الدغباجي بارسال رسالة الى محمد بلخوجة عامل الاعراض يذكر فيها «أنه فر من بلده نتيجة الظلم وأن أهله ليس لهم بسوء ماداموا ليست لهم أيّة علاقة به». وكانت غاية الدغباجي من وراء ذلك تخفيف حملة التمشيط التي أصبح أهل الحامة عرضة لها بحكم انتماء الدغباجي إليها. ولئن سعى محمد الدغباجي أثناء تواجده في طرابلس الى الاتصال مرة أخرى بخليفة بن عسكر فإن السلط الفرنسية لم تكن بمعزل عن كل هذه الأحداث لذلك عمل المراقب المدني بقابس على اقناع السلطة العليا بتجريد الدغباجي ورفاقه من أملاكهم وهو ما تم اثر صدور قرار بالرائد الرسمي بتاريخ 8 جانفي 1921 في هذا الاتجاه. يتبع