هي قضية فريدة من نوعها في تونس ما بعد 2011. حيث تورطت فيها دولة أجنبية في دعم حكومة تونسية ضد محتجين تونسيين عبر شركة خاصة أجنبية. تونس الشروق: تعودنا خلال السنوات الماضية على استقدام عدد من الأحزاب أو المنظمات الوطنية لخبراء وشركات أجنبية مختصة في التكوين في مجال الاتصال أو الإعلام من أجل تحسين قدراتها أو قدرات منظوريها. لكن لم تمر بنا حالة حيث تقوم فيها دولة أجنبية بدفع المقابل. يعد ما كشفته صحيفة ال"قارديان" البريطانية سابقة خطيرة في تاريخ تونس وأكدت من خلاله أن الحكومة البريطانية تورطت باستعمال صندوق سري في دعم رئيس الحكومة يوسف الشاهد اتصاليا عبر شركة "ساتشي" التي تعمل في مجال خدمات التسويق. ولها فروع في عدة مدن منها "تل أبيب" في الأراضي المحتلة. وحسب ما أوردته صحيفة ال"قارديان" فقد قامت الحكومة البريطانية بتمويل شركة التسويق والإشهار العالمية ‹› Saatchi M&C›› لدعم وسائل إعلام تونسية محلية بهدف تبييض حكومة يوسف الشاهد بعد أحداث جانفي 2018، التي شهدت احتجاجات شعبية في مختلف ولايات الجمهورية ضد قانون المالية الذي تضمن زيادات في مواد أساسية وفي الضرائب. وتم التعاقد مع الشركة حسب الصحيفة لإدارة حملة تستهدف الشعب التونسي الغاضب من الميزانية ومساندة حكومة يوسف الشاهد، مشيرة إلى أن الشركة روجت من خلال وسائل إعلام تونسية محلية، إلى دور «الحكومة التونسية في تخطيط وتنفيذ الإصلاحات الاقتصادية التي يجري الاضطلاع بها كجزء من خطة يدعمها صندوق النقد الدولي لخفض عجز الميزانية وتعزيز النمو». وبيّن المقال أن الشركة لها قاعدة في تونس. وقامت خلال المرحلة الأولى من حملتها باستهداف الشباب الذين تتراوح أعمارهم بين 18 و 35 سنة، نظرا ‹›الى أنهم كانوا في طليعة الاحتجاجات المنددة برفع حكومة الشاهد لأسعار المواد الأساسية وفرض ضرائب جديدة، طبقا لأحد شروط قرض تحصلت عليه تونس من صندوق النقد الدولي يقدر ب2.9 مليار دولار››. وأوضحت ال"غارديان" أن الحكومة البريطانية مولت الشركة المذكورة من خلال صندوق سري يسمى «الأمن والاستقرار CSSF» الذي تم إنشاؤه بدعم حكومي من وزارتي التنمية والخارجية البريطانيتين، مؤكدة أن البرلمان البريطاني يدقق في تمويلات الصندوق المذكور وطريقة عمله «التي تثير الشكوك»، وفق نص المقال. وأضاف المقال أن الحكومة البريطانية قامت بهذا التصرف دعما للموارد الموجودة في منطقة شمال إفريقيا، ‹›بعد أن تم تصنيفها من قبل مسؤولين حكوميين كأرض للتطرف ومصّدر أساسي للمهاجرين نحو أوروبا››. وبالرغم من أن الصحيفة قالت إن الشركة لها مكتب في تونس الا أنه بالعودة الى موقعها تأكد أن ذلك غير صحيح وأن الشركة لها ثلاثون مكتبا في ثلاثين بلدا. وتونس ليست منها وإنما كان تعاقدها ظرفيا مع الحكومة البريطانية لأول مرة في تونس أي أنها كلفت بمهمتها الأولى في تونس. ونقلت الصحيفة عن عضو البرلمان البريطاني لويد روسل قوله، بأن «إنفاق الحكومة البريطانية للمال العام من أجل دعم حملة ضد مطالب شعبية لتخفيض الأسعار في تونس، مدعاة للسخرية»، مشيرا إلى أن هناك فسادا كبيرا يحيط بصندوق «الأمن والاستقرار CSSF» الذي كان المصدر الأساسي لدعم الحملة. كما أشار المقال إلى أن لجنة التدقيق في المساعدات داخل البرلمان البريطاني تحقق في طريقة عمل البرنامج، الذي تم من خلاله تمويل الحملة المذكورة، خاصة في علاقة بانتهاك حقوق الإنسان التي دعمها الصندوق بشكل غير مباشر في احتجاجات جانفي الأخيرة. ووفقا لتصريح المدير التنفيذي لمؤسسة «War on Want» البريطانية، الذي ضمّنته ال"غارديان" في تقريرها، فقد اعتبر أن «أغلب المشاريع التي تنفذها بريطانيا في تونس تدعم الحكومة على حساب القضايا الاقتصادية والإنسانية»، مؤكدا أنه «من الصادم أن تدعم الشركات البريطانية الحكومات في فرض سياسات قاسية ستؤدي الى الانفجار». كما أكد مصدر من وزارة الخارجية البريطانية، في ذات السياق، أن شركة الإشهار العالمية «Saatchi M&C» لا تعمل مباشرة مع الحكومة التونسية ككل بل مع مكتب رئيس الحكومة. وفي المقابل أكدت الصحيفة أن شركة «Saatchi M&C» قالت إنها لا تعلق على عقودها مع الحكومة البريطانية.