نظر العربي بن مهيدي إلى ياسف السعدي وأشار له برأسه أن يبدأ في تقديم «خطة العملية» فانطلق السعدي موضّحا أن اختيار فتيات لهذه العملية ليس من قبيل المصادفة وإنما تم ذلك بعد تفكير جيد وبعد استبعاد كل الفرضيات الأخرى بسبب المراقبة اللصيقة والدقيقة للبوليس الفرنسي. ومضى يقول: «أنتن الثلاث وحدكنّ القادرات على اختراق رجال البوليس والمظليين ووضع القنابل في الأماكن التي سنحددها الآن. نظرت الفتيات الثلاث إلى بعضهن وتغيّرت ملامحهن فجأة ورأى السعدي التغيير على وجوههن وأحس منهن الرهبة فابتسم وجلس وأشعل سيجارة وواصل قائلا بلهجة الواثق من نفسه الهادئ: «هذا المساء سيتغيّر وجه المعركة وسيبدأ انتصار الجزائر يتحقق». والتفت إلى العربي بن مهيدي وحرّك رأسه من أسفل إلى أعلى طالبا منه أن يتدخل، ابتسم بن مهيدي وحدّق مليا في وجه الفتيات ثم انطلق يقول بهدوء لا يساويه غير الإصرار الذي كان يبديه لنجاح العملية: نحن في هذه اللحظة شهداء أحياء، إن بقينا كلنا أو بعضنا على قيد الحياة بعد انتصار الثورة فسنعيش مرتين، مرة كمناضلين ومرة كمواطنين أحرارا. وإن قُتلنا فلن نموت لأن الشهداء كما جاء في كتاب الله، أحياء عند ربهم يرزقون. أنتنّ محظوظات لأنكن قبلتنّ شرف أمانة التضحية بأنفسكن من أجل عزة الجزائر وحريتها. إنها لحظة فارقة فإما أن ثورتنا مجرد مناوشة مع المستعمر الذي لن يتأثر بما نقوم به ضده وإما نشنها عليه حربا شعواء وسنكون نحن المنتصرين في النهاية. لم يعد لنا اختيار آخر غير الإلقاء بالثورة إلى الشارع حتى يحتضنها الشعب الجزائري عندها لن تقدر دباباتهم وطائراتهم على حقائبنا وقنابلنا»... سكت العربي بن مهيدي وأحسّ ياسف السعدي الوقع العميق لخطابه على الفتيات الثلاث فأخذ الكلمة من جديد: لقد وقع الاختيار عليكن أنتن الثلاث، أنت طبعا جميلة بوحيرد وأنت زهرة طريف وأنت سامية لخضاري لأنكنّ جميلات قالها وانفجر ضحكا وضحك معه الحاضرون. ثم واصل قائلا: «وبما أنكن جميلات وبورجوازيات فلن يثير حضوركن الشكوك والارتياب. وستتجاوزن حواجز البوليس والمظليين بسهولة وتصلن إلى الأماكن المقررة لزرع القنابل. وأزاح الغطاء عن صندوق كان معه وقال: وها هي القنابل التي سيكوى بها المستعمر كما كوى أبناء الجزائر!