(الشروق) مكتب الساحل بعد أكثر من ثلاثمائة عرض وبعد عشر سنوات من توقف عروضها أعاد منصف ذويب تقديم مسرحية "مدام كنزة" واقتراحها في مهرجانات هذه الصائفة، قرار لم يحتمل المراهنة بحكم أن مُنفّذة العمل هي واحدة من مبدعي الفن الرابع ومن البارعين في فن الممثل وهي وجيهة الجندوبي. صفات رسّختها في عرضها مساء الثلاثاء بمسرح الهواء الطلق "سيدي الظاهر" في إطار الدورة الستين من مهرجان سوسة الدولي بحضور جماهيري غفير من مختلف الأعمار منهم من سبق له مشاهدة هذه المسرحية ومنهم من جاء ليكتشفها أو لإعادة اكتشافها، عكسوا جميعا علاقة حميمية تربطهم بالممثلة القديرة وجيهة الجندوبي التي أعادت الروح لهذه المسرحية رغم حفاظها على نفس النص تقريبا ولكن كانت وفية لجوهر العملية المسرحية في أنه فن حيّ جديد متجدّد بما تمتلكه من مهارات تمثيلية عكستها قدرتها على فن الحكي وإتقان تجسيم الشخصيات والتنقل بين الشحنات التعبيرية وتمكنها من آليات الكوميديا إلى جانب حضورها الركحي المتميز وسرعة بديهتها ومدى قدرتها على الارتجال الموجه مع حسن التفاعل مع الجمهور ودقة توظيف هذا التفاعل. وجيهة الجندوبي أضفت بذلك حلّة جديدة لهذا العمل الكوميدي الفردي الذي يسرد قصة السيدة "كنزة" مع ابنها "ياسين" منذ الولادة مرورا بدراسته وفترات حياته النفسية المعقدة وصولا إلى زواجه في سياق مليء بالإشكاليات والتي تشكو من أغلبها العديد من العائلات، متّخذة من موضوع السرد مطيّة للتعريج بصفة مباشرة وتلميحا عن قضايا اجتماعية ووجودية في صلة مباشرة بمسائل عائلية تربوية ونفسية وسوسيولوجية عموما ضمن فضاء فارغ خطّ مكوناته الشخصيات المجسمة والأكسسوارات التي وظفتها الممثلة بالاعتماد على عمق تعبيراتها اللفظية والإيمائية في عرض قد يتعوّد المتفرج بنصه المنطوق ولكن يبقى متعطشا إلى تعبيراته الفنية لممثلة قادرة على تحويل اللاّشيء إلى أشياء وتجعل من الفراغ مضمونا رسائله محددة ولكن رموزها تأخذ المتفرج إلى التخيل والتأويل ضمن جدلية الكائن وما يجب أن يكون وإن كررت "مدام كنزة" نفسها فإن وجيهة أعادت لها روحا أخرى فكانت جديدة متجدّدة.