عيادة الطب النفسي هي مسألة تخص المختلين عقليا بالنسبة للكثير من التونسيين. وحتى من اضطر لعيادة الطب النفسي فإنه يُبْقِي الامر سرًا خوفا من الوصم الاجتماعي. واقع صحّي كرسته العقلية والموروث الاجتماعي. تونس (الشروق) كما يمرض الجسد تمرض الروح أيضا إلا ان هذا الامر لا يقتنع به أغلب التونسيين وحجتهم في هذا الرفض هو أن «طبيب النفس مولاها» كما يقول المثل الشعبي القديم. هذا الموروث الاجتماعي يعيش على وقعه التونسيون منذ سنوات طويلة فالطبيب النفسي هو وجهة للمختلين عقليا فحسب ومن عاد الطبيب فإنه يخفي الامر كما لو كان ارتكب خطيئة. الموروث الاجتماعي تقول سامية وهي مهندسة معمارية انها وجدت صعوبة مطلقة في اقناع شقيقتها بمرافقة ابنتها الى طبيب نفسي بعد تعرضها الى حالة اكتئاب حادة جعلتها تدخل في حالة من العزلة ومن الاضطراب السلوكي والذي بلغ حد تهديدها بإلقاء نفسها من سطح المنزل. «أخبرت شقيقتي بأن ابنتها تحتاج الى علاج وان وضعها الصحّي يحتاج طبيبا رفضت الامر مؤكدة انها تعرف جيدا كيف تتعامل مع ابنتها وأنها تفهم نفسية ابنتها اكثر من أي طبيب وان ما تمر به سلوى ظرفي وستتجاوزه». ثم تضيف سامية وملامح الحزن تعلو محياها «كانت الأقرب الى سلوى لذلك لم احاول التدخل وليتني ما فعلت اذ كان بالإمكان انقاذ سامية قبل ان تحاول الانتحار». لم تمت سلوى لكنها كادت تفقد حياتها بعد ان مزقت شرايين يسراها بقطعة بلور لولا تدخل الخالة سامية في الوقت الملائم. محدثتنا قالت ان عيادة الطب النفسي ما تزال أمرا مرفوضا لدى أغلب الاسر التونسية باعتبار وان هذا الاختصاص الطبي يرى فيه الاغلبية انه يخص المجانين وحدهم في الوقت الذي يؤمن فيه الطبيب النفسي العلاج للروح من العلات والشوائب التي ترافق حياتنا وبالتالي هو «ضرورة صحية تماما مثل بقية الاختصاصات» على حد قول سامية. وأضافت المتحدثة «كدت افقد عزيزتي سلوى بسبب هذا الموروث الاجتماعي فشكرا لكم على اثارة هذا الموضوع عسى ان يفهم الناس ان الطبيب النفسي هو طبيب يؤمن العلاج ويساعد الاشخاص على تجاوز مرحلة نفسية سيئة قد تتسبب بدورها في إصابة الفرد بالأمراض المزمنة كالسكري والقلب والشرايين». فوائد في قاعة استقبال احد الاخصائيين النفسانيين كان ماهر يجلس مثبتا نظره على هاتفه الجوال يتابع منشورات الاخبار في موقع فايسبوك حين سألناه عن سبب زيارته للطبيب فرد بهدوء «انا أتردد كثيرا على هذا الأخصائي خاصة في المراحل التي أجد فيها صعوبة في اتخاذ قرار يكون ذو أهمية في حياتي وهي عادة مررتها لأسرتي وأصدقائي وأيضا من يشتغلون معي فعيادة الطب النفسي أمر عادي وليس كل من زار طبيبا نفسيا هو مجنون». وأضاف وهو يدس هاتفه الجوال في جيب سترته «تعودنا أن نخفي ما نفعل فنحن نزور الطبيب النفسي ونرفض قول ذلك وهذا في حد ذاته نوع من العقد النفسية التي تحتاج علاجا. أمّا عني شخصيا لا أجد حرجا في هذا الامر بل المسألة ذات أهمية صحية كبرى فابنتي مثلا وهي لاعبة كرة تنس لاحظت انها أغرمت فجأة بأفلام الرعب وأصبحت عصبية وتغير سلوكها في المنزل فرافقتها لهذا الأخصائي وتبينا انها تعاني من وعكة بسبب أزمة عاطفية كانت تمر بها. هذه مسائل عاديّة ويجب ان نتعامل معها بشكل عادي». مثله تقول لمياء والتي كانت ترافق صديقتها الحامل إن صديقتها بصدد إجراء حصص لدى الطبيب النفسي لتحضيرها للولادة خاصة وانها ستعيش تجربة الأمومة لاول مرة مؤكدة «يكذب عليك الناس جميعا تزور الطبيب النفسي لكنها تخفّي هذا الامر بسبب العقلية الاجتماعية والموروث ونحن لا نستطيع محاربة هذه العقلية بدس الرأس على طريقة النعامة لابد من المواجهة والإجهار بعيادة الطبيب النفسي ففي ذلك فوائد للصحة النفسية العامة».