تحية واحتراما، وبعد، يشرفني أن أرفع لكم صحبة هذه الرسالة نسخة من رسالة أخرى كنت أرسلتها إليكم بعد انتخابكم كرئيس للجمهورية التونسية عينات صور شمسية من بعض المقالات الصحفية باللغتين العربية والفرنسية متمنيا من اللّه عزّ وجلّ أن تنال إعجابكم وأن تتمتعوا بقراءتها عندما كنت أعلمكم بنشر بعض المقالات عبر الإرساليات القصيرة قبل توليكم رئاسة الجمهورية بدون تزلف أو تملق أقول لكم سيدي العزيز إنكم سائرون صحبة المجموعة التي تحيط بكم من وزراء ومستشارين وغيرهم في الطريق السوي طريق النمو الحقيقي وطريق السير بتونس الى خانة الدول المتقدمة التي تؤمن بحرية الإنسان وبمنظومة حقوق الإنسان روحا وممارسة. 1 ضرورة تفعيل فصول الدستور وإرجاع الروح إلى حزب نداء تونس ولكن بعد مرور ما يقارب الأربع سنوات على توليكم مقاليد الحكم وبناء على ما تعيشه بلادنا من تسيّب في بعض المجالات من أهمها عدم اكتراث رجال ونساء السياسة بالمصلحة العليا للوطن وشغلهم الشاغل الجري وراء المناصب وما تعود عليهم هذه الأخيرة من رغادة في العيش وفي بعض الأحيان أو أقل في كثيرها الثراء الفاحش والانغماس في الملذات بعيدين كل البعد عما ترجو منهم كافة الطبقات الشعبية من تفان في خدمة المصلحة العامة وبناء على ما يهدد البلاد من عدم استقرار وتربص الظلاميين والإرهابيين بأمن بلادنا بما فيها بعض مؤسسات الدولة أذكر منها على سبيل الذكر لا الحصر المجلس الاسلامي الأعلى الذي أصبح يقوم بدور الشرطة الدينية. فانتفض ضد عيان الله وتقرير لجنة الحريات والمساواة الذي أذنتم ببعثها كما يرى في الوهابية حركة إصلاحية وما خفي كان أعظم. إذ أصبح يفتي في الكبيرة والصغيرة متناسيا أننا في دولة مدنية أساسها احترام القانون وبالأخص ما جاء به الدستور التونسي في فصوله المتعدّدة والخاصة بالمساواة بين المرأة والرجل في الحقوق والواجبات متمرّدين على روح الدستور وخارقين لأبسط فصوله الواضحة منها أذكر الفصل ال21 الذي جاء فيه حرفيا «المواطنون والمواطنات متساوون في الحقوق والواجبات. وهم سواء أمام القانون من غير تمييز». وتضمن الدولة للمواطنين والمواطنات الحقوق والحريات الفردية والعامة وتهيّئ لهم أسباب العيش الكريم. كما أن الفصل الثاني أكد أن تونس دولة مدنية تقوم على المواطنة وإرادة الشعب وعلوية القانون وإن أكد الفصل السادس من الدستور من أن الدولة راعية للدين فإنها كافلة لحرية المعتقد والضمير وممارسة الشعائر الدينية لكافة المتدينين من مسلمين ومسيحيين ويهود على حد السواء. وهي مطالبة واقعا وقانونا بتحييد المساجد ودور العبادة عن التوظيف الحزبي. كما يمنع دعوات التكفير والتحريض على الكراهية والعنف والتصدي لها. وبناء على هذه المعطيات القانونية التي لا لُبس فيها والتي لا تحتمل أي تأويل مهما كان نوعه فإنه وجب عليكم، سيدي الرئيس، توفير كافة الشروط لضمان احترام الدستور بصفتكم رئيس الجمهورية ورئيس الدولة ورمز وحدتها ووحدة البلاد. كما عليكم ضمان استقلالية الدولة واستمراريتها كما جاء في ذلك الفصل ال72 من الدستور. ولا تستطيعون القيام بهذا الدور لوحدكم ويتجه بذلك إعادة الروح الى حزب نداء تونس وإرجاع مياهه الى مجاريها وإبعاد الانتهازيين منه وتلميع صورته لدى الرأي العام التونسي والدولي حتى إذا أدى الأمر الى نصح ابنكم الفاضل السيد حافظ قائد السبسي الذي نكنّ له كل الاحترام بالابتعاد عن ترؤسه خدمة للوطن وللمصلحة العليا للبلاد. ألم تقولوا في عديد المناسبات أن الوطن قبل الحزب La patrie avant les partis. 2 مواصلة الحرب على الإرهاب بلا هوادة وبكافة الطرق كما يتجه التفكير في مراجعة مجلة الإجراءات الجزائية في ما يخص جرائم الإرهاب والفساد باعتبار أن هاتين الآفتين هما السببان الرئيسيان لما تلاقيه تونس من معاناة ومن تدهور عملتها وأحوالها الاجتماعية والاقتصادية. ولا يمكن ذلك إلا بإحداث محكمة خاصة لهم تسمى «محكمة أمن الدولة» على منوال محكمة أمن الدولة التي أذن ببعثها الراحل الزعيم الحبيب بورقيبة في السنوات الأولى للاستقلال لأنه لا يجوز لا منطقا ولا قانونا أن يقوم إرهابي بقتل ستة من رجال أمننا البواسل في كمين جبان في عمر الزهور. ويبقى حيّا مسجونا يأكل ويشرب على نفقة الدولة عديد السنوات وأهل الضحايا ينظرون بألم وحسرة للفراغ العاطفي والمادي الذي تسبّب فيه هؤلاء القتلة قال اللّه تعالى: ﴿وَلَكُمْ فِي القِصَاصِ حَيَاة يَا أولِي الألْبَاب﴾ لا يستقيم العدل إلا بأحكام مضبوطة تكتسي في آن واحد النجاعة والإسراع في تنفيذها. سيدي الرئيس، إن تونس في خطر وأعيدها معكم لذلك وجب عليكم بصفتكم رئيس الدولة ورمز وحدتها أن لا تتركوا الحابل على الغابر وأن نقفوا من جديد لتونس لأنكم أنقضتم هذا البلد عديد المرات أنقضتموه من براثن الإرهاب رغم وجود بعض الجيوب والخلايا النائمة وأنقضتم هذا البلد من حرب أهلية كادت تكدّر صفو حياتنا أنتم الابن الروحي للزعيم المجاهد الأكبر الحبيب بورقيبة وبذلك فإن المستحيل ليس سبسيا ولا تونسيا دخلتم التاريخ من بابه الكبير بوصفكم أول رئيس جمهورية عربي إسلامي اعتلى هذا المنصب إثر انتخابات شفافة وقانونية. سيدي الرئيس وزميلي المحترم، لا يفوتكم أن كل الدساتير المعاصرة ابتداء من الدستور الفرنسي للجمهورية الخامسة لسنة 1958 والدستور التونسي جوان 1959 قد ذكرت في أبواب معينة على وجوب أخذ بعض الإجراءات التي تفرضها الظروف والأحوال التي يجب الأخذ بها والعمل على ضوئها لإنقاذ البلاد من التسيّب والانهيار. وأخيرا وليس بالآخر لا يجب أن تنسوا كل المخاطر التي عاشتها بلادنا وتعيشها مع الأسف الى حدّ الآن هي ثمرة بذور زرعتها بعض الأحزاب الدينية التي ترأست الترويكا ورغم ادعاءاتها بأنها أصبحت أحزابا مدنية فلا يجب أن تغرّنا هذه الطرّهات الكاذبة لأن من شبّ على شيء شاب عليه وان حلم الخلافة هو حلم أبدي لديهم لا تزحزحه الجبال تلك هي طبيعة الأحزاب الدينية من إسلام ويهودية ومسيحية على حدّ السواء: التظاهر بعكس ما يخفونه وترقب الفرص السانحة للانقضاض على مأربهم متى سنحت لهم الفرص بذلك كما ذكر الفيلسوف الفرنسي منذ القرن الثامن عشر جون جاك روسو وغيره من المفكرين العرب أمثال المرحوم الأستاذ محمد الطالبي والأستاذ عبد الحميد الشرفي والأستاذة ألفة يوسف والمفكر السوري برهان غليون وناصر حامد أبوزيد والمفكر التونسي عبد اللّه العمامي. الذي يرجع إليه الفضل في فضح سلوكيات ومخططات حزب النهضة في كتابه الرائع «تنظيمات الإرهاب في العالم الاسلامي أنموذج النهضة (الدار التونسية للنشر) والذي أستسمح لنفسي بنشر ما قاله في مقدمة كتابه باعتبار أن رسالتي هذه تصبّ في نفس المنحى «فعسى أن يسهم هذا العمل في التذكير بأن مدار الصراع ليس استبدال نظام سياسي. بل هو اكتساب حقّ في الوجود واسترجاع قدرة على السير» نفس المرجع ص 6». ولا يفوتكم سيدي الرئيس بأننا احتفلنا بالذكرى الستين لعيد الجمهورية الذي طمسته عام 2014 يد الارهاب بالقضاء على المناضل الكبير المرحوم الحاج محمد البراهمي ان من أوكد ما وعدتم به الشعب التونسي أثناء حملتكم الانتخابية سنة 2014 هوالكشف عن القتلة الحقيقيين للشهيدين شكري بالعيد والحاج محمد البراهمي فلينجز حر ما وعد. نتمنى أن تكون مناسبة الاحتفال هذه السنة بعيد الجمهورية فرصة لتقليم أظافر الارهاب والقضاء عليه. ولا يكون هذا ممكنا إلا بتعليق نشاط الأحزاب الدينية المتطرفة باعتبار أن هذه الأحزاب تمثل قنابل موقوتة في يد الارهابيين والظلاميين. بهذا ولأجل هذا فقط سيذكر التاريخ بأنكم أول زعيم عربي آمن بالحرية والديمقراطية والمساواة بين المرأة والرجل. ختاما أذكركم سيدي الرئيس بهذه الآية الكريمة التي ما فتئتم تذكرونها في خطاباتكم قال الله تعالى: ﴿ومن المؤمنين رجال صدقوا ما عاهدوا الله عليه منهم من قضى نحبه ومنهم من ينتظر وما بدلوا تبديلا﴾ (سورة آل عمران: 169) صدق الله العظيم. تقبّلوا مني سيدي الرئيس أسمى عبارات المحبة والتقدير.