إن انجازات الشعوب أكبر من أن تختزلها أسطر في كتب التاريخ. فحركات الشعوب و ثوراتها هي التاريخ نفسه, و في تونس أعاد الشعب التونسي العظيم كتابة التاريخ, فقد قام بثورته المجيدة, ثورة الحرية و الكرامة, بحناجر عالية لم يأكلها الصدأ و بصدور عارية لم تخشى رصاصا أكله الصدأ. فأربك بحركته العجيبة فكر الأكاديميين والفلاسفة و المؤرّخين و المحللين و السياسيين وأحدث رجة في الثوابت و حركية غريبة الصنع في المتغيّر من الحياة السياسية ,في الساحة العربية و الإسلامية, و ربما في الشرق والغرب, على شكل مدّ طاحن لكل الأصنام المدّعية للعصمة و الكمال في القيادة و الزعامة والإلهام و سياسة الشعوب .و أنا واحد من أفراد هذا الشعب العظيم , عشت منذ أن بلغت الحلم أحلم بالكرامة و المجد و العزة والحرية ,و قد دفعت في سبيل ذلك أنا وثلة من إخواني البررة زهرة شبابنا في السجون و نالت أجسادنا أنكل التعذيب و أبشع أصناف القمع .فمنا من قضى نحبه في محافل أمن الدولة وسجون بن علي المخلوع , و منا من ينتظر الشهادة فلعل الله يكرمنا بها يوما , و ما بدلنا تبديلا؛ و ها أنا اليوم أرى هذا الحلم يتحقق بثورة عارمة , أدواتها أصوات عالية و صدور عارية , أبطالها شباب يتقد ثورة و نارا , و قيادتها روح من الله سرت في عروق الغاضبين من الظلم و القمع و القهر .فصرخت الدماء : هلمّوا.. هلمّوا لمجد الزمن .فأجابتها حناجر الشباب بصوت كالرعد مزلزل :نموت نموت و يحيا الوطن .و انتصرت الثورة , و سقط الطاغوت بارتقاء الشهداء إلى عليين فظهرت واجبات الحرية و الكرامة , و ضرورة الانبعاث من جديد . انبعاث حضاري لشعب تراه يصنع بيديه حاضره و مستقبله . و أوجب الواجبات , صياغة دستور جديد يحقق ألا رجعة لأن يستبد بأمر هذا الشعب فرد أو جماعة أو حزب .تحت أي شعار مهما كان لمعانه . وما لم يقم الواجب إلا به فهو واجب, و عليه فان انتخاب مجلس تأسيسي ينبثق من الشعب ,و يحظى بثقة العامة من الناس , و يضم خيرة الكفاءات و الإطارات و أصحاب الاختصاص في القانون و في شتى علوم السياسة و الاقتصاد و الاجتماع و التاريخ ,ضرورة ثورية و أوكد الواجبات , حيث يعهد لهذا المجلس , حكم البلاد لمرحلة انتقالية , يتم فيها صياغة دستور جديد للبلاد يقع عرضه على الاستفتاء العام, كما يعمل هذا المجلس على سن قوانين عادلة و لازمة لسير الحياة العامة , و تيسير معيشة الناس. و إنني من منطلق واجب المشاركة الايجابية في تحقيق أهداف الثورة,التي يحرسها هذا الشباب الذي اختزل كل الكلام عن الرجولة و الكرامة و التضحية والبطولة, وعن اليقظة و الوعي , في كلمة واحدة : "أنا تونسي" أقترح على هذا الشباب , فصولا دستورية أرجوا أن تكون مادة أوّلية لصيانة الثورة من الانحراف بها إلى غير مقصدها الأساسي , و من مقاصد الثورة الأولية , إثبات الذات و الهوية و الانتماء ,وتحقيق العدل و الحرية و الكرامة . وقد استعنت في ذلك بقراءة ثورية و عصرية لدستور جوان1959 الفصل الأول تونس: دولة حرة, مستقلة, ذات سيادة, الإسلام دينها و العربية لغتها, و الجمهورية النيابية نظامها الفصل الثاني الجمهورية التونسية جزء من العالم العربي و الإسلامي, تعمل لوحدة صفه و كلمته في إطار المصلحة المشتركة النابعة من وحدة الحضارة والتاريخ. الفصل الثالث الشعب التونسي هو صاحب السيادة في البلاد, يباشرها عبر مؤسساته المنتخبة. الفصل الرابع شعار الجمهورية التونسية: كرامة -حرية – عدالة. الفصل الخامس كل المواطنين متساوون في الحقوق و الواجبات , و لا حصانة لأحد أمام القانون. الفصل السادس الجمهورية التونسية بكل مؤسّساتها التنفيذية و التشريعية والقضائية تضمن حرمة الفرد في ماله و عرضه و دينه, و تحمي حرية المعتقد و القيام بالشعائر الدينية الفصل السابع الجمهورية التونسية , بكل مؤسّساتها , التنفيذية و التشريعية و القضائية , تضمن حرية الفكر و التعبير و الصحافة و النشر , و الاجتماع و تأسيس الجمعيات و الأحزاب و العمل النقابي , كل ذلك مضمون ما لم يقع إكراه الناس على انتماء أو فكر أو دين أو معتقد باستعمال التهديد بالقوة أو السلاح أو المضايقة في العيش و الأرزاق. الفصل الثامن هذا الدستور يضمن حرمة المسكن , و سرية المراسلة بين الأشخاص الذاتية و المعنوية. الفصل التاسع لكل مواطن تونسي حق الملكية, وحرية التصرف في ما يملك ما لم يكن محجورا عليه طبقا للقانون. الفصل العاشر لكل مواطن حرية التنقل داخل البلاد و خارجها , واختيار مقر إقامته في حدود القانون المعمول به. الفصل الحادي عشر ليس لأحد أو لسلطة أو أي جهة, تغريب أو نفي المواطن عن أرض الوطن أو منعه من العودة إليه. الفصل الثاني عشر الدفاع عن حرمة الوطن و استقلاله و سلامته حق لكل مواطن, و واجب مقدس على كل مواطن. الفصل الثالث عشر يحجر تسليم أي مواطن تونسي لأي دولة أجنبية لمحاكمته من أجل تهم أو جرائم قام بها داخل البلاد أو خارجها الفصل الرابع عشر يحجر تسليم اللاجئين السياسيين. الفصل الخامس عشر يمارس الشعب السلطة التشريعية بواسطة مجلس نيابي منتخب انتخابا عاما, و يسمى "مجلس الشعب"و عدد النواب فيه يكون عددا فرديا. الفصل السادس عشر الترشح لعضوية مجلس الشعب حق لكل مواطن ولد من أب تونسي الجنسية , و بلغ من العمر خمس و عشرين سنة كاملة , وله مستوى تعليمي جامعي. الفصل السابع عشر لنوّاب مجلس الشعب حق التشكل في كتل سياسية للفوز بأغلبية المجلس الموكل لها تزكية رئيس الحكومة. الفصل الثامن عشر يعتبر كل نائب بمجلس الشعب نائبا للتونسيين جميعا. و لا يحق لأي نائب ممارسة أي نشاط أو أي مسؤوليات حزبية بعد دخوله للمجلس. الفصل التاسع عشر رئيس الجمهورية يكلّف من تزكّيه الكتلة الغالبة لرئاسة الحكومة, بتشكيل الحكومة و عرض أفرادها على النواب لنيل الثقة, في أجل لا يتعدى الثلاثين يوما. الفصل العشرون لنواب مجلس الشعب, حق مساءلة رئيس الجمهورية, و طلب إقالته أو خلعه إذا ثبت انحرافه عن مبادئ الثورة أو حاد عن القانون أو قصّر في خدمة مصالح الشعب. الفصل الحادي و العشرون لنواب مجلس الشعب, حق مساءلة الوزراء أفرادا أو جماعة, وسحب الثقة منهم و طلب إقالتهم أو خلعهم أو محاكمتهم طبقا للقانون إذا حادوا عن القانون وأظهروا الفساد وقصّروا في خدمة الشعب الفصل الثاني و العشرون أعضاء مجلس الشعب, يتفرغون كليا لخدمة الشعب, و كل منهم يتقاضى راتبا شهريا لا يجوز أن يفوق ما كان يتقاضاه قبل دخوله المجلس في الوظيفة التي كان يشغلها. الفصل الثالث و العشرون أعضاء مجلس الشعب مطالبون بكشف حساب عن ممتلكاتهم و مدا خيلهم و مدخراتهم المالية والعقارية الثابتة و المنقولة, أمام هيئة قضائية مختصة في المساءلة و الشفافية, قبل دخولهم المجلس و بعد خروجهم منه الفصل الرابع و العشرون لا يجوز أن يكون العمل السياسي و الانتماء الحزبي و العمل النقابي و تحمل المسؤوليات في الحكومة أو في الجمعيات الخيرية أو السياسية أو النقابية ,مصدر ثراء و كسب فاحش.
الفصل الخامس و العشرون كل مواطن مطالب بالجواب عن سؤال:"من أين لك هذا؟" أمام هيئة قضائية مختصة , متى حامت الشكوك حول أملاكه و مكتسباته. الفصل السادس و العشرون رئيس الحكومة هو رئيس الوزراء, و دينه الإسلام. الفصل السابع و العشرون رئيس الحكومة يمارس السلطة التنفيذية طبقا لأحكام هذا الدستور وهو المسؤول الأول عن أعمال وزراء حكومته. الفصل الثامن و العشرون المساجد و الكنائس و كل دور العبادة و الجامعات و الكليات و كل المؤسسات العلمية الخالصة مستقلة عن السلطة التنفيذية, وتدير شؤونها بنفسها, ولها حرمة مصانة بهذا الدستور,ولا يجوز توظيفها أو استخدام فضاءاتها لأغراض سياسية أو دعائية حزبية أو تجارية. الفصل التاسع و العشرون رئيس الجمهورية هو رئيس الدولة, ودينه الإسلام. الفصل الثلاثون رئيس الجمهورية يمارس السلطة التنفيذية بأن يقوم بإدارة السياسة العامة للبلاد في الداخل و الخارج, و هو الضامن لاحترام الدستور و تطبيق بنوده. الفصل الحادي و الثلاثون رئيس الجمهورية هو الذي يترأس المجلس الأعلى للجيوش. الفصل الثاني و الثلاثون ينتخب رئيس الجمهورية لمدة خمسة أعوام انتخابا عاما, حرا, مباشرا, و سريا, بالتزامن مع انتخاب أعضاء مجلس الشعب لنفس المدة. و لا يجوز لرئيس الجمهورية أن يجدّد ترشحه للرئاسة أكثر من مرة. الفصل الثالث و الثلاثون الترشح لمنصب رئاسة الجمهورية حق لكل مواطن تونسي مولود لأب و جد تونسيين , ثلاثتهم تونسيون بدون انقطاع ,مقيم في تونس وبلغ من العمر أربعين سنة , و له مستوى تعليمي عال و متحصل على شهادة جامعية,وليس محكوما عليه في قضايا الحق العام , متمتعا بجميع حقوقه المدنية , وليس له أمراض تعوقه عن أداء مهامه , ولم يتجاوز الخامسة و الستين من العمر يوم تقديم ترشحه. الفصل الرابع و الثلاثون ليس لرئيس الجمهورية سلطة على مجلس الشعب . ومجلس الشعب سيد نفسه. الفصل الخامس والثلاثون رئيس الجمهورية ,مسؤول مسؤولية كاملة أمام مجلس الشعب. الفصل السادس و الثلاثون يخضع رئيس الجمهورية إجباريا لكشف حساب و جرد لممتلكاته, وأمواله القارة و المنقولة, وتضمين ذلك في سجل خاص تتكفل به هيئة قضائية مختصة. و ذلك عند توليه منصب الرئاسة , وعند انتهاء مدة رئاسته. الفصل السابع و الثلاثون رئيس الجمهورية خادم للشعب , لا يجوز له الإثراء و الكسب الزائد عن حاجته أثناء قيامه بمهامه. الفصل الثامن و الثلاثون انتخاب رئيس الجمهورية و أعضاء مجلس الشعب, يتم بإشراف تام من السلطة القضائية وهي التي تبت في صحة النتائج و تفحص الطعون, وتعلن الفائزين, و ذلك باستقلالية تامة عن السلطتين التنفيذية و التشريعية. الفصل التاسع و الثلاثون في حالة شغور منصب رئاسة الجمهورية ,لوفاة , أو استقالة , أو عجز ثابت , يتولى رئيس مجلس الشعب المنتخب مهام رئيس الجمهورية ,لما تبقى من المدة الرئاسية , وان تعذر ذلك لسبب من الأسباب , يجتمع مجلس الشعب لانتخاب خلفا للرئيس السابق و لما بقي من مدته. الفصل الأربعون تصدر الأحكام باسم الشعب , وتنفذ باسم رئيس الجمهورية. الفصل الحادي و الأربعون السلطة القضائية, مستقلة, تمام الاستقلال عن السلطتين التنفيذية و التشريعية, ولا سلطان لأحد على أحد في علاقتهم بدواليب الدولة إلا للقانون. الفصل الثاني و الأربعون السلطة القضائية, أو المجلس الأعلى للقضاء, رئيسه وأعضاؤه منتخبون من قبل القضاة و المحامين ورجال القانون التابعين لسلك القضاء. الفصل الثالث و الأربعون السلطة القضائية , أو المجلس الأعلى للقضاء ,يضبط القوانين التي تنظم أعضاءه و تركيبته و اختصاصاته. الفصل الرابع و الأربعون المجلس الأعلى للقضاء هو الذي يعين القضاة و يحدد رواتبهم وترقياتهم و يسهر على كل ما يهم إدارة القضاة وشؤونهم. الفصل الخامس و الأربعون القضاة مستقلون, لا سلطان عليهم في قضائهم بين الناس لغير القانون و رقابة الله عليهم. الفصل السادس و الأربعون لرئيس الجمهورية و لأعضاء مجلس الشعب ولأعضاء المجلس الأعلى للقضاء, تقديم مشاريع قوانين لمناقشتها داخل مجلس الشعب. الفصل السابع و الأربعون لا يكون القانون نافذا إلا بعد موافقة مجلس الشعب, و إمضائه من قبل رئيس الجمهورية الذي يسهر على تنفيذه. الثامن و الأربعون لثلث أعضاء مجلس الشعب الحق في المطالبة بتنقيح الدستور ما لم يمس ذلك بالنظام الجمهوري و النيابي للدولة, وبالفصل الأول من هذا الدستور. الفصل التاسع و الأربعون لا يمكن إدخال أي تنقيح على هذا الدستور من طرف مجلس الشعب إلا إذا تمّت الموافقة عليه بأغلبية الثلثين من الأعضاء في قراءتين. الفصل الخمسون رئيس الجمهورية المنتخب و أعضاء مجلس الشعب المنتخبون و أعضاء المجلس الأعلى للقضاء المنتخبون , يؤدون اليمين التالية بنص موحد: "أقسم بالله العظيم أن أصون دماء الشهداء , وأن أحفظ ثورة الشعب التونسي العظيم ثورة الحرية و الكرامة , وأن أحافظ على استقلال الوطن و مناعته, وأن أحترم دستور البلاد و تشريعها و قضائها , وأن أعمل على دوام استقلالية السلطات الثلاث بعضها عن بعض , السلطة التنفيذية والسلطة التشريعية و السلطة القضائية , و أن أكون أمينا و راعيا لمصالح الشعب , و أن أكون محافظا لحرية أفراد الشعب و كرامتهم حفاظا تاما و رعاية تامة . والله على ما أقول شهيد."
هذا مبلغ اجتهادي , ولا أدعي في ذلك العصمة و فصل الخطاب , وإنما أسأل الله الأجر و المثوبة فيما أصبت و أوفيت , والمغفرة و الرحمة فيما أخطأت و تجاوزت , والله من وراء القصد , والله ولي التوفيق الإمضاء: محمد الحبيب الأسود . ناشط سياسي مستقل و قيادي سابق في الاتجاه الإسلامي