ارتبط اسم عليسة بقرطاج رباطا أبديا.. وتحفظ كتب التاريخ وسير الرواة تفاصيل عن قصة تأسيس هذه المدينة التي كانت بحجم دولة وفي اشعاع حضارة طالت أنوارها حوض المتوسط وأبعد منه بكثير. يتناقل الكثيرون سيرة هذه الأميرة الفينيقية وقصة التأسيس وجلد الثور وتغيب عنهم التفاصيل الدقيقة والحيثيات والاطار الاقليمي والاستراتيجية الذي حفّ بتلك الخطوة المجنونة التي بدأت في شكل مغامرة وانتهت في حجم أسطورة. وقد تطرق المؤرخ التونسي الكبير د. محمد حسين فنطر الى القصة الكاملة لعليسة مع قرطاج في محاضرة القاها بتاريخ 3 ديسمبر 2015 في اطار ندوة علمية نظمتها الجمعية التونسية للتاريخ والتربية على المواطنة حول «المرأة والمجتمع في تونس عبر التاريخ». «الشروق» تنشر هذه المحاضرة القيمة على حلقات لتقريب القصة الكاملة لعليسة مع تأسيس قرطاج من كل التونسيين. وهي قصة جمعت بين المعلومة التاريخية الدقيقة والأسلوب الروائي القصصي الشيق والإضاءة الجيوستراتيجية الرشيقة التي تعطي مغامرة عليسة كل بعدها الاقليمي والدولي. تتظافر الوثائق التاريخية والأثرية لتثبت أن تأسيس قرطاج يعود الى نهاية القرن التاسع قبل ميلاد المسيح ولا شيء يحول دون قبول الرواية القائلة بأنّها أسّست قبل الألعاب الأولمبية الأولى بثمان وثلاثين سنة مع العلم أنّ الألعاب الأولمبية الأولى نظمت سنة ستّ وسبعين وسبعمائة ق.م. وبتأسيس قرطاج تخلّى الفينيقيون عن سياسة المصارف الوقتية وتوخوا سياسة جديدة تقوم على المستوطنات القارّة والحضور الدائم ودون ما دخول في التفاصيل حول الأسباب والأهداف التي أدت إلى تأسيس قرطاج، فثابت أنّ ما صنّف حول الأميرة عليسة يمتّ الى الخيال بخيوط وله نصيب من الواقع المعيش إذ هي قصة خيالية من وحي الواقع شأنها في ذلك شأن الأساطير جميعها على أنّ الذين أوردوها وتناقلوها لم يتردّدوا في إثرائها بعناصر اقتبسوها من محيطهم ومما تميّزت به عصورهم والأجيال المتعاقبلة. كذلك فعل ورجليوس Virgile وأثراها يوستنوس Justin والسابقون واللاحقون. أمّا الأسطورة فهذه خلاصتها. عليسة بنت متّن ملك صور أميرة فينيقية أوصي لها بالعرش ولأخيها بجمليون ولكن، بعد وفاة الملك، تنكّر الشعب لتلك الوصيّة وقضى أن يستأثر بجمليون بالعرش وقد تمّ ذلك فعلا. فلم يكن للأميرة إلاّ قبول الأمر الواقع هذا وزفّوها لخالها زكربعل وكان رئيس كهنة معبد ملقرت إله صور وحامي حماها. بقلم المؤرخ محمد حسين فنطر (المختص في التاريخ القديم والآثار الفينيقية البونية وتاريخ الأديان)