كل موضوع يخص الجنسين إنما يندرج ضمن مقاربة ثقافية كاملة ويخطئ من يعتقد أن الأمر لا يتجاوز القانوني أو غيره من مجالات الفعل الاجتماعي. باتت في السنوات الأخيرة مسألة تعنيف المرأة متعدد الأشكال من المواضيع التي تشغل بال النخب الحقوقية وتتسابق النخب الحاكمة في معالجة الثغرات كسبا لود الآخر الذي يعتبر ملف المرأة من مقاييس تحديد الحكم الرشيد من عدمه. وحتى إن كنا ندرك جميعا أن القضاء على العنف ضد المرأة حلم عالي السقف إلى حد المثاليّة فإنه في رفع السقف فوائد أوّلها إتاحة الفرصة عالميا للتفكير والنقاش المعمق حول هذه الظاهرة المتزايدة رغم تنامي كوابحها الاقتصادية والحقوقية والتشريعية وتراكمها. تتعدد أشكال التعنيف: فنجد المباشر اللفظي أو الجسدي ونجد أيضا الرمزي المعنوي والمادي الظاهر المحسوس. وليس يسيرا بالمرة إقامة أي مفاضلة بين هذين النوعين أو القبول بشكل من أشكال العنف ورفض آخر وذلك لتوفر نفس المعنى والمرارة والضرر. أيضا كثر الحديث في السنوات الأخيرة في مراكز الأبحاث والندوات ووسائل الإعلام عن ظاهرة تعنيف النساء، حتى أضحت رغم أهميتها وخطورتها لا تستأثر بالانتباه اللازم من فرط تكرار طرحها بنفس الرؤية والمقاربة وتناولها بشكل يطغى عليه خطاب الأخلاق والموعظة، دون التأسيس إلى ما يجمع بين التشريع من جهة والتنشئة الاجتماعية والتربية على تقدير كينونة المرأة من جهة ثانية. أيضا يبدو لنا أن طريقة طرح الحركات النسوية في العالم ككل هذه الظاهرة تتميز بالتعصب النّسوي دون معالجة تنتصر للأنسنة بعيدا عن المقاربة الجندرية . لا يجب أن نستهين بهذه الظاهرة والقنوع بالأجوبة السهلة وإلقاء التهم الجاهزة: كيف يولد التوتر ويتعاظم إلى حد العنف والتعنيف بين جنسين خلقهما الله للمودة وكي يسكن الرجل المرأة والمرأة الرجل؟ نحن أمام عطب في علاقات كثيرة بين الجنسين ينتهي بتراجيديا العنف والتعنيف. إنّه عطب الاغتراب والمسافة والتبادل والتفاهم والإصغاء والقرب والعاطفة. طبعا مفهوم جدا الاهتمام بالضحايا النساء المعنفات. ولكن أكاد أجزم أنه لا معالجة حقيقية لهذه الظاهرة إلا بمحاولة فهم الفاعل والقائم بفعل التعنيف وعندما نفهم رسائل العنف الذي يمارسه الرجل على المرأة في محيطه ربما يتبدد بعض الالتباس ونقوم بتفكيك أسباب لجوء بعض الرجال للعنف في علاقتهم بالمرأة. فالعنف سلوك حمّال رسائل ومعاني قاسية أوّلها أن هؤلاء الرجال يعانون من أزمة تواصل بشكل عام ومع المرأة بشكل خاص، بلفت النظر عن نصيب مشاركة المرأة في هذه الأزمة التي لا يمكن أن تكون إلا نتاج الجنسين معا. ولعل ما رأيناه في المدة الأخيرة من عنف ضد بعض النساء اللواتي يدافعن عن المساواة في الميراث لدليل قاطع على عنف الثقافة وعنف الذكورة وأغلب الظن أن الدين بريء من هذا العنف.