تميل الأغلبية في تونس إلى مقاربة ملف المرأة بالفخر والاعتزاز وغض الطرف عن كل ما يخل بذلك. وفي الحقيقة من منظور قانوني تشريعي يصعب الطعن في مبررات الشعور بالفخر إزاء الوضعية الوردية للمرأة التونسية خصوصا أن مجلة الأحوال الشخصية والحقوق المتراكمة الأخرى وعلى رأسها قانون 1993 القاضي بتحول العلاقة بين الجنسين من مستوى الطاعة إلى مفهوم يكرس مبدأ المساواة ويتمثل في مستوى الشراكة بل أن هذه المجلة رغم مرور خمسة عقود على تاريخ إصدارها لم تفقد توهجها الثوري وإلى اليوم لا تزال حلم النساء العربيات وإلى جانب المدونة القانونية، نجد في لغة الأرقام والنسب ما يثلج النفس والصدر ذلك أن نسبة الطالبات في بلادنا تبلغ 57% وحضور المرأة في البرلمان 22,7% و23 امرأة مديرة عامة في الوظيفة العمومية، إلى غير ذلك من الأرقام المشجعة والتي تبرهن على الخطوات التي قطعها المجتمع التونسي في معالجة ملف المرأة. ولكن تراكم التجربة التونسية، قد أثبت أن قيمة القوانين والأرقام، تكمن أولا وأساسا في تحسس مردوديتها في الممارسة الاجتماعية وكذلك فعاليتها الايجابية على طبيعة الفعل الاجتماعي والعلاقات بين الجنسين في مختلف الأشكال الاجتماعية الممكنة للعلاقة بين المرأة والرجل. وعند هذه المسألة تحديدا والتي تعتبر الأهم والمقياس الوحيد القوي للتدليل على مكانة المرأة، فإننا نجد صعوبة كبيرة في التحلي بنفس الفخر والاعتزاز، والحال أن ظاهرة العنف ضد المرأة في تفاقم الشيء الذي يستدعي وقفة معرفية هامة، تفسر لنا الوضعية المتناقضة التي تعيشها المرأة التونسية اليوم. ونعتقد أن احتفال كل الدول اليوم باليوم العالمي للقضاء على العنف ضد المرأة والذي سيواكبه الديوان الوطني للأسرة والعمران البشري خلال هذا الصباح بالإعلان عن انطلاق برنامج «تكافؤ النوع والوقاية من العنف الموجه ضد المرأة»، في مثل هذه المناسبة، قد نجد المتسع والإرادة الناقدة لمقاربة هذه الظاهرة ومحاولة فهمها وتحديد الذاتي والموضوعي فيها. ذلك أنه بقدر ما يوجد في مجتمعنا اليوم نساء يتمتعن باستقلالية وشخصية لافتة وقدرة على الفعل والقرار هناك نساء لم يغادرن رغم المستوى التعليمي مرحلة الدونية، والخضوع والضعف بالإضافة إلى أن جسد المرأة قد أصبح مستهدفا سواء ذلك بالعنف اللفظي الذي يسود الشارع التونسي أو ذلك المادي والذي بلغ حد بروز ظاهرة أخرى تتمثل في تشويه وجوه بعض الفتيات أو ضربهن في الشارع أو في الحافلات... هذا طبعا دون التحدث عن الزوجات المعنفات نفسيا وجسديا. وفي مقابل العنف اللفظي والمادي، نجد في مجال العمل مظاهر مغلفة من العنف غير المباشر والذي يتخذ شكلا شرسا للحط من فرص المرأة في الترقي في عملها وهو في أغلبه عنف شرس وسري يمارسه الرجل الزميل - مع بعض الاستثناءات -. إن هذه الظواهر وغيرها، تحتاج إلى المقاربة والمعالجة لأنها تفعل فعلها داخل الممارسات الاجتماعية وفي حقوله المختلفة، وهو مايعني أن العلاقة بين المرأة والرجل في تونس مازالت تعتريها الكثير من العقد والمركبات ومن الأمراض. وما دام هناك ضرب وعنف وتنافس شرس بين المرأة والرجل في البيت وفي الشارع وفي العمل، فذلك يعني أن الأزمة قائمة وأن مسألة تطوير الممارسة الاجتماعية ثقافيا، قد باتت أولوية اليوم حتى نتحسس بالفعل ثمار القوانين الصادرة لفائدة المرأة. ونعتقد أنه لا خيار لنا سوى تعزيز الجهد السوسيوثقافي خصوصا أن ملف المرأة في تونس من الدعائم الأساسية للمشروع المجتمعي التحديثي الذي انطلق منذ الاستقلال، وأي إهمال لهذه الدعامة يعني إهمال المشروع بأسره!