فيما انفجر اللّفظ حول «حادثة سيدي حسين» التي أودت بحياة شاب في عمر الزهور بدأت ترفرف رايات الانتصار على رؤوس «أباطرة» التهريب أو الاقتصاد الموازي بعد أفول دام أكثر من عام تحت وطأة الحرب على الفساد التي أطاحت إلى حد الآن بثلاثين من مصّاصي دماء الدولة والشعب معا. الشرق تونس: بمعنى آخر وبقطع النظر عن تفاصيل هذه الحادثة التي لم تحسم بعد.. هناك مخاوف فعلية اليوم من أن تحمل ردة فعل لدى أجهزة الدولة وفي مقدمتها جهاز الديوانة في هذه المعركة الشرسة ضد ما يسمى «مجتمع المافيا» وحينها على تونس ألف سلام. بنك مركزي مواز بل ان هذه المعركة بالذات هي معركة شعب بأسره لانتشال حاضره ومستقبله من الضياع لسبب بسيط وهو أن كل المدخرات قد استنزفت على مدى السنوات الأخيرة ولا سبيل إلى إعادة ملء خزائن الدولة وإيقاف مسار انهيار الطبقة الوسطى إلا باستهداف «مصّاصي الدماء» في بيوتهم ومخازنهم حيث تتكدس البضائع المتمردة على الجباية وأكياس الدينار و«الدوفيز» التي تراكمت عبر تفقير المواطن والدولة والبنك المركزي الذي يبدو اليوم بمثابة دكان صغير مقارنة بحجم «البنك المركزي الموازي» الذي تتوزع فروعه على الأزقة في الأحياء الشعبية والضيعات الفلاحية في كل شبر من تونس.وهذا التغوّل للموازي هو الذي أدى آليا إلى تضاؤل مساحات الاستثمار أمام القطاع المنظم ومن ثمة إلى انفجار البطالة أي ان فقدان أربع نقاط من النمو على مدى السنوات السبع الأخيرة يساوي نصف مليون عاطل عن العمل جديد دون احتساب جحافل العمال الذين وقع تسريحهم بفعل تواتر انقراض المؤسسات ومنهم ربع مليون عامل في قطاع النسيج وحده. دروع بشرية والمفارقة الكبرى أن مافيا الاقتصاد الموازي تستثمر هذا البؤس الذي صنعته من خلال توظيف جحافل من الشباب الذين انسدت أمامهم الآفاق ك«دروع بشرية» لحماية مخازنهم ومراقبة تحركات أجهزة الرقابة مقابل بضعة دنانير ملوثة أو قرص مخدر أو «سيقارو مكالي» (مخلوط بالزطلة) فأباطرة التهريب والتجارة الموازية يتاجرون في كل الممنوعات بما في ذلك البشر. سيناريو التصادم والمفزع في كل هذا هو السيناريو الذي يمكن أن تتعرض إليه تونس إذا تواصل هذا الانفلات حيث أن حصول رجة أخرى للدينار التونسي وهي فرضية مطروحة في خضم المؤشرات الحالية سيسقط الشعب في «الجوع» ويخسر رجال الأعمال ثرواتهم التي راكموها على مدى سنوات في القطاع المنظم وحينها سيحصل التصادم بين «المجتمع المنظم» وعالم الموازي. أين الدولة؟ ولا سبيل لقطع الطريق أمام هذا السيناريو المفزع سوى استعادة الدولة زمام المبادرة وممارسة مسؤوليتها الأولى وهي التحكيم L›ARBITRAGE بين كل أفراد المجتمع على أساس المساواة أمام القانون وبشكل خاص أمام «الواجب الجبائي» الذي يشكل جوهر المواطنة في أي مشروع حضاري فيما يمثل التمرد عليه بداية ثقافة الانفلات وتكفي الإشارة في هذا الصدد إلى أن حجم التهرب الضريبي لنحو ثلاثين من أباطرة التهريب والاقتصاد الموازي شكلوا الدفعة الأولى من الحرب على الفساد يعادل ستة مليارات من الدنانير (6 آلاف مليار من المليمات) راكموها في جيوبهم دون أن تغنم منهم المجموعة الوطنية ولو فلسا أحمر وهو ما يعني أن رهان الحرب على الفساد هو عشرات الآلاف من المليارات كفيلة باستصلاح موازنات الدولة وإيقاف حريق الأسعار تحت وطأة بوادر انقراض الدينار. ومن هذا المنطلق فإن أي ردة في هذه الحرب ستضع تونس على الطريق السريعة باتجاه سيناريو الافلاس أو «اليونان 2» فيما تجفيف منابع الموازي هو الجسر الذي تمر فوقه كل الحلول من انعاش القدرة الشرائية للسواد الأعظم من المجتمع إلى طي صفحة شح الأدوية في المستشفيات و المخاوف على جرايات التقاعد.. فكل هذه المصائب التي نزلت على تونس سببها تغول الموازي الذي تقدره اليوم منظمة الأعراف بنحو 70 ٪ من الاقتصاد بالمحصلة ان أباطرة التهريب والتجارة الموازية ومنهم صاحب المخزن الذي تمت مداهمته في سيدي حسين والذي يمتلك عشرات المخازن الأخرى.. هم القتلة الفعليون للشاب أيمن الذي هلك في مقتبل العمر لأن مصّاصي الدماء جوّعوا الشعب التونسي واغتصبوا منه الأمل..