«الرشوة» نقطة قوة الاقتصاد الموازي في جمهورية المهرّبين أمراء وبنوك ظل ومجتمع بديل 1.8 مليار دينار هو حجم المبادلات التجارية غير القانونية سنويا مع ليبيا والجزائر 55 ٪ هو حجم الاقتصاد الموازي من الناتج الداخلي الخام وقد كان في حدود 19 بالمئة في 2010 500 مليون لتر بنزين يتم تهريبه من ليبيا الى تونس سنويا 40 مليار دينار عائدات القطاع غير المنظم في تونس تونس/الشروق يقول الخبراء الاقتصاديون ان احتواء القطاع غير المنظم هو واحد من الحلول الاستعجالية المطلوبة في تونس لمنع انهيار الاقتصاد الوطني. اقتراح لا يلاقي أي تفاعل من قبل السلطات فهل في هذا الموقف تصالح مع القطاع الموازي؟ تشير الارقام الى تضخّم في عائدات القطاع غير المنظم او القطاع الموازي والذي ينحصر اساسا في تونس في التهريب وفي صرف العملة الصعبة في السوق السوداء او كما يسمّيها البعض ب»بنوك الظل». اذ تشير الارقام الرسمية الى ان عائدات هذا القطاع تناهز 55 بالمئة من الناتج الداخلي الخام وهي التي لم تتجاوز نسبة 19 بالمئة خلال العام 2010. ويقدّر خبراء اقتصاديون القيمة الحقيقية للاقتصاد الموازي ب 40 مليار دينار. ويقدّر حجم المبادلات غير القانونية او التهريب مع الجارتين ليبيا والجزائر ب 1.8 مليار دينار سنويا وفقا لتقرير صادر عن البنك الدولي سنة 2014. هذا التطور والنمو المتواصل للقطاع الموازي يتم بالضرورة على حساب الاقتصاد الوطني والذي غرق في ازمة شاملة خاصة خلال السنوات الاخيرة حيث تفاقم العجز التجاري (8164.9 مليون دينار) وارتفعت نسبة التضخم لتصل 7.8 بالمئة وتراجع مخزون البلاد من العملة الصعبة الى 69 يوما وارتفعت نسبة التداين العمومي لتبلغ 69.5 بالمئة من الناتج الداخلي الخام الامر الذي انعكس سلبا على الاسعار لترتفع بشكل غير مسبوق ممّا أثّر على القدرة الشرائية للمواطن. ورغم ان الحرب على الاقتصاد الموازي سهلة وممكنة وفقا لخبراء الاقتصاد الا ان السلطات تبدو عاجزة عن خوضها وربما كسبها. ويفسّر متابعون لهذا الوضع التردّد وخيار عدم خوض هذه الحرب بتشكّل جمهوريّة موازية تحكّمت في الاقتصاد وربّما اخترقت السياسة. جمهوريّة موازية في هذا العالم الموازي تشكّلت ملامح جمهورية ثانية او جمهوريّة موازية فيها اقتصاد نشيط وفيها بنوك ظلّ لديها مخزونات هامة من العملة الاجنبية الرئيسية كالأورو والدولار وفيها ايضا مجتمع اخر فيه نواميسه وتحكمه تفاهمات قاسية فمُغادِره مفقود خاصة إذا تورّط في تهريب السلاح. يتحرك افراد هذا المجتمع الموازي بأسماء حركيّة منها منيطة (مفتاح منيطة ارهابي قضت عليه الوحدات الامنية في مواجهات بن قردان في مارس 2016) ومعيز (انتحر خلال محاصرته من قبل الامن في 2015) وكذّوب ومسيلمة والسمعة وويبة وكشّوخ والزرقاوي والطويرف وتتّي والمحضي ووشواشة وغيرها من الاسماء التي يحملها المهربون. ويختص هؤلاء في تهريب بضائع بعينها فهناك المختص في تهريب الحديد والمختص في تهريب الآلات الكهرو منزلية والمختص في تهريب المواد الغذائية والمختص في تهريب الاسلحة وغيرها من الاختصاصات. ويعترف نقابي أمني في الجنوب الشرقي في تصريح اعلامي سابق بان بعض الامنيين يخشون الاقتراب من جمهوريّة المهربين خوفا على سلامتهم الجسديّة وسلامة اسرهم واتقاء للمشاكل الادارية نظرا للنفوذ الواسع للمهربين وقربهم من كوادر امنية وديوانية مرموقة. كما سبق لمهرّب في الحدود الغربية ان بادل رئيس الحكومة الاسبق علي العريّض التهديد حين هدّد بتطبيق القانون واستعمال القوة المسلحة ان لزم الامر لمقاومة تجار القطاع الموازي فردّ المهرّب بالقول «هذا الامر جنوني وقد يحوّل الاوضاع الى حرب اهلية فإذا قُتل أحد المواطنين عليه ان ينسى منصبه هذا. وعليه ان يعلم ان لدينا ما يكفي من الاسلحة لنرد على الامن بنفس الطريقة». انتشار واسع هكذا أصبح في تونس جمهوريتان جمهورية يسود فيها القانون ويغرق فيها الاقتصاد وتتحول فيها ملامح المجتمع بسبب تنامي الفقر والعنف وجمهورية موازية تتكدس فيها الثروات ويسود فيها بارونات يبدو انهم اصحاب النفوذ والسيادة في جمهورية القانون. وهكذا لم يعد التهريب يقتصر على الوجه الاجتماعي الذي يحارب الشباب من خلاله البطالة. فالتجارة غير القانونية على الحدود مثّلت في بدايتها حلاّ للخروج من البطالة وكسب مورد الرزق بالنسبة للكثير من شباب المناطق الحدودية. تغيّر الامر اليوم فحتّى ملامح التهريب من سيارات مستخدمة في عملية التهريب وانواع من البضائع التي يتم استجلابها الى تونس عبر التهريب ظلّت لسنوات طويلة حبيسة اسواق المناطق الحدودية. اما اليوم باستطاعتك رؤية سيارات التهريب تمر في كل المناطق في عمق الجمهورية وبعيدا بمئات الكيلومترات عن المناطق الحدودية. البضائع المهرّبة ذاتها يمكنك العثور عليها في أرقى المحلات وفي مختلف المدن التونسية. ويمكن قراءة هذا المشهد الجديد بفرضيتين لا ثالثة لهما وهما إمّا ان الجميع أصبح يمتهن التهريب وتحت انظار السلطات او انه أصبح هناك تصالح مع التهريب فأصبحت تجارة بسيطة وممكنة تتم تحت انظار السلطات ايضا. ويقول شاهد عيان في مناطق الجنوب الشرقي ان التهريب تجارة مربحة جدا اذ هي عرض لسلع وتحقيق مرابيح دون أي التزام بالواجب الجبائي وهي تستهوي العاطلين والمعدمين لكنها خلال السنوات الاخيرة انتجت أمراء يغطّون تجاوزاتهم للقانون بالولاء لبعض الاحزاب وهو ما يفسّر ربما هذا الارتخاء في مقاومة هذا النوع من التجارة الذي كدّس الثروات في ايادي هؤلاء فتشكّلت طبقة جديدة من الاثرياء في تونس والذين أصبحوا لاعبين مهمين في الساحة الاجتماعية والسياسية والاقتصادية. شاهدة عيان تقول سامية وهو اسم مستعار لمهندسة شابة تعتزم الدخول في أي تحرّك مجتمعي او مبادرة يطلقها المجتمع المدني لدعوة الحكومة الى الالتزام بمكافحة التهريب والفساد ووضع حد لنزيف الاقتصاد الموازي إنّها كانت في إحدى محلات بيع الملابس المستعملة في سكرة حين تحدّث صاحب المحل امامها عبر الهاتف بأريحيّة كبرى وكأنه يتحدث عن حق قانوني ليطلب من أحد معارفه في الحرس الوطني التدخل لتخليص بضاعة يتولى صديقه، تاجر جزائري، تهريبها نحو تونس بالاستعانة بعون حرس حدودي. تتمثل هذه البضاعة وفقا لشاهدة العيان في مجموعة من الأحذية الرياضية باهضة الثمن وقد تعوّد التاجر الجزائري تهريبها عبر المعبر الحدودي في الشمال الغربي التونسي بالتعاون مع عون حرس. ولكن لم ينجح الامر هذه المرة فانقلب عون الحرس على التاجر واستولى على البضاعة ورفض تسليمه إياها. فما كان من التاجر الجزائري سوى الاستنجاد بمعارفه للبحث عن واسطة امنية لاستعادة بضاعته. تضيف سامية «كان صاحب المحل يتحدث بثقة كبرى مع مخاطبه عبر الهاتف وكأنه يطلب منه امرا قانونيا وهو يبدو قياديا أمنىا من الصفوف الأولى كما مدّه باسم هذا العون ويبدو ان المتحدث تفاعل معه وقال له «نعرفو خامج» وطبعا المقصود هو عون الامن الذي استحوذ على البضاعة ورفض تسليمها لصاحبها المهرّب الجزائري. تسمّرت في مكاني وكم وددت ان اسأل صاحب المحل هل استحق عون الحرس هذه الصفة لأنه استولى على بضاعة مهرّب ام لأنه خان مهنته واسهم في تأزّم الاقتصاد». كما اعتبرت سامية ان ما كانت شاهدة عليه في ذلك المحل يبدو انه يحصل بشكل عادي ومستمر في حدودنا الجنوبية والغربية حيث يبدو ان جزءا هاما من أعوان الامن والديوانة اختاروا ان يكونوا جزءا من المنظومة فشكّلوا أذرعا مساعدة للمهربين مقابل حصول على «رشاوي» وهو الامر الذي سمح سابقا بتهريب كميات كبرى من الأسلحة وتخزينها في البلاد من قبل الإرهابيين وكذلك تهريب الالاف من الشباب في اتجاه ليبيا للانضمام للحركات الإرهابية المسلحة وللإبحار خلسة باتجاه التراب الإيطالي. تعاون لا يخفيه المهربون وفقا لشهادات بعضهم بل انهم يسمّون بعض المناطق التي تتواجد فيها الدوريات بقنطرة دينار وقنطرة ثلاثين وغيرها من الأرقام والمقصود هو حجم الرشاوي المطلوبة من قبل بعض أعوان تلك الدوريات. اذ جاء في شهادة لمهرّب ان «شرطي بشريطين يتم منحه علبة سجائر وشرطي بثلاثة اشرطة يتم منحه 100 دينار اما أصحاب النجوم على الاكتاف فكلفتهم باهضة وتصل الرشوة الى 800 دينار». ويمثل الارتشاء نقطة القوة الرئيسية لهذا القطاع غير المنظم والذي تضاعف نشاطه وتضخم بشكل كبير خلال سنوات ما بعد الثورة وذلك لأسباب منها الانفلات الأمني الذي عاشته البلاد بُعيد انهيار نظام بن علي والتشتت الحزبي الكبير الذي افرز بحثا عن مكان شعبي وقاعدة انتخابية وبحثا عن مصدر تمويل مضمون.