دعوة الغنوشي تعني عمليا تقديم مقترح مشروع قانون لغرض يبدو بعيدا عن مفهوم العفو التشريعي العام كما هو متعارف عليه في تجارب الدول بخصوصه، بل يتعلق بقانون عفو عام مشروط. ومقترح الغنوشي يتمثل في الواقع في قانون عفو عام بمواصفات القانون الحالي للعدالة الانتقالية بما انه مشروط بالاستجابة لمتطلبات تقليدية لنمط معين للعدالة الانتقالية يستوجب الا يكون هناك إنهاء للمساءلة أو الانتفاع بالعفو إلا بعد استيفاء مراحل أبرزها ما يسمى ب»كشف الحقيقة» والاعتذار...إلخ... إن التوجه إلى صيغة العفو العام، كعفو ينجز بقانون ويسمى بعفو تشريعي، يتطلب تصورا مغايرا يقطع مع التصور المعتمد لحد الآن في تونس لما يسمى بالعدالة الانتقالية وهو أسوأ تصور نجده لهذا النمط من «العدالة» لو نقارنه بما تم اعتماده للغرض في التجارب الأخرى للعدالة الانتقالية في العالم. لذا لم تنجح العدالة الانتقالية في تونس ولن تنجح ابدا وستكون لها ارتدادات سلبية بصورة حتميةاما اللجوء إلى صيغة العفو العام بالنسبة للمستهدفين اليوم بإجراءات قانون العدالة الانتقالية الجائر، فلا يكون مؤديا للمطلوب الا وهو طي صفحة الماضي والانطلاق نحو مستقبل أفضل على أساس من الوئام الوطني الصادق، إلا إذا كان عفوا عاما غير مشروط و غير ملوث بتلك الموجبات المستوردة من بعض المخابر الأجنبية التي تقدم وصفات جاهزة لبضاعة اسمها «عدالة انتقالية»، فتستعمل حسب موازين القوى في دولة ما لتصفية حسابات سياسية فتتجلي طبيعتها الانتقامية والانتهازية. فمن يريد إنهاء مثل هذا الضغط على المسار السياسي والاقتصادي والاجتماعي للبلاد و على السلم الاجتماعية وعلى الاستقرار فيها، عليه أن يختار وان يحسن الاختيار. ولا معنى في هذا الإطار وفي هذا الظرف لعفو عام مشروط. فالعفو العام الحقيقي اليوم لا يكون إلا عفوا غير مشروط. وما زاد على ذلك فما هو إلا تعقيد للأمور في وقت لم يعد يحتمل مزيد التعقيد.