إن ما يلفت النظر في السنين الأخيرة تنامي ظاهرة العنف بأنواعه في المجتمع التونسي وازدياد معدل الجريمة في أبشع صورها وهي ظاهرة تستحق الدراسة والتحليل من طرف أهل الاختصاص للوقوف على أسبابه نظرا لخطورته حيث اكتسح العنف كل المجالات في العلاقة بين الزوج وزوجته وبين الآباء والأبناء و بين أرباب العمل والعمال و بين المربين والتلاميذ وداخل وسائل النقل حيث تعرض كثير من المواطنين إلى عمليات عنف وسلب لأموالهم وممتلكاتهم بل إن العنف قد انتقل إلى الرياضة وانتشرت معه العصبيات المقيتة بين متابعي الرياضة وخاصة لعبة كرة القدم التي تسببت في كثير من الكوارث و هلاك في الأرواح واعتداء على الممتلكات الخاصة والعامة وتخريبها( تجهيزات رياضية , حافلات وقطارات وسيارات خاصة وغيرها....) في لحظات غضب وتشنج أعصاب بسبب انهزام فريق رياضي أمام فريق رياضي آخر. إنها البربرية في أسوأ صورتها التي تنمّ عن سلوك حضاري متخلف ينطبق عليها قول الله تعالى(يُخْرِبُونَ بُيُوتَهُم بِأَيْدِيهِمْ) (الحشر: 2). ذلك أن المرء أصبح يفاجأ بتصرفات غريبة بعيدة كل البعد عن أخلاق الرياضة وسلوكيات مشينة يندى له الجبين وتشمئز منها النفوس الأبية تصدر عن بعض الجماهير الرياضية ومن المحبين المتعصبين لهذا الفريق أو ذاك هذا السلوك يبعث على الحيرة والاندهاش وهي تصرفات لا يقرها الدين ولا الأعراف ولا المجتمعات المتمدنة وقابلة للتطور إلى ما هو أسوأ إذا لم تجد من يكبحها في مهدها ويوقف تيارها.إن الإسلام قد شجّع على ممارسة الرياضة في روح من التنافس النزيه لأنها وسيلة لتهذيب النفوس وتربيتها على الخير والصلاح وزرع المحبة والتآخي بين الناس وتهذيب الأخلاق والسلوك والسمو بها. إن مقولة(العقل السليم في الجسم السليم) تعني أن الأجسام السليمة تخلق عقولا سليمة فإن العقول أيضا إذا كانت سليمة تخلق أجساما سليمة ذلك أنه إذا لم تكن العقول سليمة فإنه يتوقع أن تصدر من تلك الأجسام تصرفات مرَضية غير سوية تسيء إلى الرياضة والرياضيين وإلى الأخلاق وتلحق الضرر بالبلاد والعباد والله لا يحبّ الفساد. إن الإسلام دين يرفض العنف بكل أشكاله وأنواعه ومهما كانت مبرراته وهو يرد على أولئك الذين يتهمونه بأنه دين يدعو إلى العنف والإرهاب.فقد كانت دعوته مبنية على الرفق لا على العنف كما قال تعالى: (ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ) (النحل: 125) وقد كان العرب في جاهليتهم يتصفون بأخلاق القوة والبطش لا بأخلاق الرحمة والعدل وحسبك أن تعلم أن منهم من قتلوا أولادهم ولا سيما البنات من إملاق واقع أو خشية إملاق متوقع. وأفظع من ذلك أن يقتلوهم بطريقة الوأد (وَإِذَا الْمَوْءُودَةُ سُئِلَتْ . بِأَيِّ ذَنبٍ قُتِلَتْ) (التكوير: 8/9). فلما أكرمهم الله بالإسلام غير عقائدهم و أفكارهم وغير سلوكهم وأنشأهم خلقا جديدا وعلمهم استقامة الفكر واستقامة الخلق واستقامة السلوك وأعلن أن رسالة محمد صلى الله عليه وسلم ليست رسالة عنف وبطش بل رسالة رحمة ولين ورفق: (وما أرسلناك إلا رحمة للعالمين) (الأنبياء:107 ) (فَبِمَا رَحْمَةٍ مِّنَ اللهِ لِنتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لاَنْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ) (آل عمران: 159 ) فكم نحن اليوم في حاجة إلى التعامل بيننا بهذا الخلق الكريم حتى يسود علاقاتنا الحبّ والوئام وتتقوى عرى المحبة بين مختلف فئات المجتمع .