بشهادة أغلب المتابعين، لم تنجح تونس في الاستفادة من التجربة الانتقالية ولم تنجح خاصة منظومة ما بعد 2014 في استغلال شرعيتها الانتخابية والدستورية وحالة الهدوء والاستقرار لتحقيق الإصلاحات والانتظارات، وكل ذلك بسبب كثرة الصراعات والتجاذبات السياسية. تونس الشروق: رغم تعدد الحكومات المتعاقبة منذ 2011 الى اليوم ورغم ما شهدته التجربة الانتقالية من تطورات مختلفة وما تحقق من تجديد دستوري وقانوني ومؤسساتي، إلا أن ذلك لم ينعكس على الوضع العام في البلاد من حيث الاصلاحات المرجوة وانتظارات الناس. صفر إصلاحات 8 سنوات، منها 4 سنوات خلال الفترة الانتقالية الاولى و4 سنوات أخرى خلال فترة ما بعد انتخابات 2014، أضاعت أثناءها البلاد وقتا طويلا دون ان تحقق السلطات المتعاقبة الأهداف المنشودة في المجال الاصلاحي. ومن ابرز هذه الاهداف الاصلاحات المختلفة في كل المجالات تقريبا: التربية والتعليم والصحة والثقافة والبنية التحتية والعناية بالنظافة والبيئة والنقل والإدارة والأمن والقضاء والديوانة والاعلام والقطاع البنكي والصناديق الاجتماعية ونظام التقاعد والمؤسسات العمومية التي تمر بصعوبات ومنظومة السوق ومنظومة الدعم والمالية العمومية والرياضة والشباب والتنمية والاستثمار والعناية بالمناطق المحرومة والتشغيل ومعالجة الفقر والتقليص من الجريمة . كما عجزت عن اصلاح المنظومة الاقتصادية بمختلف مجالاتها ( الصناعة والتجارة والفلاحة والصيد البحري والسياحة والخدمات) والمنظومة المائية والقطاع الطاقي. ويتقاطع مع كل هذه المجالات ملف الفساد الذي انتشر بشكل غير مسبوق وعجزت مختلف الحكومات عن محاربته. تراجع وصعوبات هذا الوضع يتسبب بين الحين والآخر في تراجع ترتيب تونس في التصنيفات الدولية لمختلف هذه المجالات بعد أن كانت خلال سنوات ما قبل 2011 تحتل مراتب محترمة واحيانا متقدمة. كما أدى إلى افتقاد تونس لبعض الأسواق العالمية من الناحية الاقتصادية بعد ان نجحت دول اخرى في «افتكاكها». اما داخليا فقد أصبح الوضع قاتما في رأي اغلب التونسيين في ظل الصعوبات المعيشية المختلفة ( أسعار مرتفعة – احتكار عديد المواد الاستهلاكية الحساسة وغيابها عن السوق – فوضى – فساد – جريمة- أوساخ – تراجع جودة الخدمات العمومية – فقر – بطالة – تهميش المناطق المحرومة..). حسابات وعراقيل طوال كل هذه السنوات غابت الحوارات الوطنية حول مختلف هذه الملفات، وقصرت في ذلك كل الاطراف بلا استثناء، من سلطة ونواب الشعب وأحزاب حاكمة او معارضة ومنظمات وطنية ومجتمع مدني واعلام ، في طرح الملفات الاصلاحية الحارقة على طاولات النقاش والحوار وفي تنظيم الاستشارات الوطنية اللازمة حولها. فلم نر مثلا الحكومة او احد بقية الاطراف يطرح حوارا او استشارة وطنية حول التعليم او الصحة او الماء او النقل او منظومة السوق او الوضع الطاقي، مع الالتزام بتنفيذ التوصيات. وأكثر من ذلك أصبحت بعض الاطراف تعمد إلى تعطيل كل رغبة في الاصلاح من أجل حسابات مادية او سياسية او فئوية ضيقة لأن مصالحها تكون في غياب الاصلاحات.. فلا الحكومات المختلفة تحلّت بالجرأة والشجاعة والصرامة للمضي في الاصلاحات ولا الأحزاب ساهمت عبر اقتراح الحلول والبدائل والعمل على فرضها على الحكومة، ولا المنظمات الوطنية ومكونات المجتمع المدني نجحت في فرض الاصلاحات المطلوبة على الاطراف الحاكمة. ويعود السبب في ذلك حسب المختصين إلى انشغال مختلف هذه الاطراف بالصراعات والتجاذبات السياسية من اجل بلوغ كراسي السلطة. إذ لم يمر عام واحد من اعوام ما بعد 2011 دون ان تعيشه البلاد على وقع أزمة سياسية ( انظر المؤطر). وكان من الطبيعي ان يستنزف السياسيون والحُكام كل الجهود في المناورات والتجاذبات السياسية وفي «التخطيط» ليل نهار للإطاحة بالخصم أو لعرقلته. وضعية صعبة باتت تتخبط فيها البلاد ويعاني منها التونسيون، وهو ما يتطلب من المنظومة الحاكمة التحلي بأكثر جرأة وشجاعة لتنفيذ الاصلاحات المطلوبة، ومن الأحزاب وبقية الأطراف الكف عن صراعاتهم التي لم تستفد منها البلاد ولا المواطن في شيء.