في عام 1996 اقترح عبدالله خايمي بوكرم اورتيز رئيس الإكوادور في ذلك الوقت تشكيل حكومة من الفقراء لإدارة الشأن السياسي في البلاد . وكان هذا المقترح قمة اللاواقعية واللامنطق في سياسة اوفي الخطاب السياسي للرئيس الاكوادوري وقتها حتى انه وصف بالخبل وعزل من الرئاسة بعد 6 اشهر فقط من توليه الحكم وذلك لعدم أهليته للمنصب حسب ما جاء في تقرير مجلس الشيوخ الاكوادوري . ولم يكن مقترح عبدالله بوكرم بتشكيل حكومة من الفقراء في الحقيقة، مفاجئا اوغريبا بالنسبة لأستاذ رياضة بدنية ومعلق رياضي وجد نفسه فجأة زعيما سياسيا ورئيس دولة وذلك بعد حملة انتخابية صاخبة فعل فيها ما فعل من اجل إقناع شعب 65 % منه من الفقراء من اجل التصويت لفائدته . ويذكر مثلا، أنه كان عاري الصدر في أحد المدن الساحلية خلال حملته الانتخابية، والتي وعدها بالغد الأفضل وراح يسكب البيرة على طريقة أهلها، وهويرتدي سروالا قصيراً ملقياً كلماته الموجهة لرجال الاعمال بكل هدوء . ويذكر كذلك أنه عند إعلان « التبرعات الأخوية « رقص مع مجموعات من السكان الأصليين في شرق مقاطعة ايل أورو... ورحل بوكرم دون ان يحقق شيئا مما وعد به أنصاره من الفقراء بالخصوص بل انه فر من البلاد خوفا من المحاسبة وذلك بعد اتهامه في قضايا فساد مالي والاستيلاء على أموال الشعب الذي أوصله الى الحكم . تذكرت هذه ال « الكوميديا السياسية السوداء « في تاريخ السياسة الشعبوية، وأنا اتابع من بعد 14 جانفي 2011 حركات اوممارسات، وخطابات وتصريحات بعض الساسة الجدد في تونس التي لا تختلف كثيرا عما قام به عبدالله بوكرم، فما معنى ان يقود حزب سياسي حملاته الانتخابية بشعار « يخافو ربي « ويدعوالى عدم التصويت لاعداء الله، وينشر نائب في مجلس نواب الشعب مثلا فيديوعلى مواقع التواصل الاجتماعي وهويركب حمارا، ويباغت رئيس حزب زبائن احد المطاعم الشعبية لتناول « الكفتاجي « معهم والغناء في البلاتوهات التلفزية، ويلقي رئيس دولة سابق الورود في البحر حدادا على غرقى مهاجرين بشكل غير قانوني … ويصرح رئيس كتلة نيابية في مجلس نواب الشعب « الشهادة العلمية ليست ضرورة لادارة البلاد وممارسة الشأن السياسي « … هذا دون ان ننسى ما يحدث يوميا في مجلس نواب الشعب ومن قبله في المجلس الوطني التأسيسي اللذين تحولا الى ما يشبه السيرك اوالاحتفالات القضيبية عند اليونانيين القدامى . لم يعد خافيا ان غالبية الساسة الجدد في تونس استسهلوا العمل السياسي وادارة الشأن العام وهوما اثر سلبا حتى في المواطن البسيط ذاته الذي يتحدثون دائما باسمه مرددين عبارة « شعبنا « او» أهلنا « لإظهار دفاعهم عنه في مناهضة واضحة ل « المؤسسة « و» النخبة « في معزل عن المضمون السياسي لتلك المناهضة . ان ما نخشاه هوتداعيات الخطاب السياسي الشعبوي الذي عادة ما يقود الى الفوضى وتدمير مؤسسات الدولة وعودة الديكتاتورية مثلما حدث في الإكوادور حين تم منح السلطة الى الجيش بعد عزل الرئيس عبدالله بوكرم، لان حكم الشعبوية في نظر الألمانيّ جان فيرنر مولر مؤلف كتاب « ما الشعبوية « يحظى في العادة بسمات سلبية منها احتلال الدولة عبر توظيف الأتباع في وظائف بيروقراطيّة عامّة، والتدخّل خصوصاً في الإعلام والقضاء، والزبونيّة على نطاق جماهيري والتي تتّخذ أحياناً شكل الرشوة الماليّة، وهوما تسهّله الديموقراطيّة المباشرة التي تزيل الوسائط التمثيليّة والمؤسسيّة، والقمع الممنهج للمجتمع المدنيّ، خصوصاً المنظّمات غير الحكوميّة التي تنتقد التمادي الشعبويّ في ممارسة السلطة. ولعل اخطر ما في سياسة الحاكم اوالحكم الشعبوي هودفع الشعب الى الحنين الى الدكتاتورية كما هوالحال في تونس اليوم، والمطالبة بحاكم ديكتاتوري اوبحكم العسكر لإيقاف الفوضى والانفلات .