لا أعرف ما إذا كان من سوء حظي أو من حسنه أني عرفت خلال مسيرة الثلاثين عاما في الصحافة عددا كبيرا من روٌاد الدراما التلفزيونية ومن مؤسسي التلفزة الوطنية ، عرفت عن قرب الحبيب الحرار ومحمد الهمامي وأحمد حرزالله وجميل الجودي وعبداللطيف الحمروني ونورالدين القصباوي وغيرهم ممن جمعتني بهم أيام وليال وكان المرحوم منصف الأزعر أصغرهم . ففي عمر مبكٌر كان منصف الأزعر الفتى الأوٌل للشاشة التونسية وشارك في معظم الأعمال التي قدٌمتها التلفزة التونسية في بداياتها أواخر الستينات من بينها الزورق الصغير والقرية المطوقة كما كان شاهدا على عدد من الأفلام التونسية التي شارك فيها الى أن اختار الانسحاب من الحياة الثقافية والتفرّغ لعائلته ومهنته الى حين تقاعده وعودته من جديد الى العمل المسرحي والفني منتصف التسعينات عندما عاد مع مسلسل الحصاد وغادة ثم سلسلة آمال التي كتبهابنفسه والمثير في تجربة منصف الأزعر - هذا ليس خاصا به - أنٌه تم تجاهله من المخرجين في السنوات الأخيرة ولم تشفع له ريادته في الأعمال التلفزيونية وهذا ينسحب أيضا على أخرين غابوا ورحلوا بعد أن عانوا من التجاهل والنسيان والتغييب مثل نورالدين القصباوي وجميل الجودي وعبدالمجيد الأكحل وسمير العيادي وغيرهم الذين لم يجدوا مكانا في المشهد التلفزيوني الذي كانوا مساهمين في تأسيسه ! إن الدراما التونسية لها خصوصيات غير مسبوقة وأهمٌها الجحود والتغييب للمؤسسين وآخرهم منصف الأزعر الذي أصبح غريبا عن منظومة الانتاج التلفزيوني في تونس وكأنٌه لم يكن ، لقد فهم الأزعر مبكرا - كما قال لي - أن الفن لا يطعم خبزا ولا يضمن أي استقرار عائلي فأختار أن يبقى هاويا في تعامله مع الفن الى حين ضمان تقاعد مريح من مهنته الاصلية في وزارة الفلاحة وحسنا فعل منصف الأزعر فلولا الوظيفة لما وجد حتى ثمن الدواء ! ولن يكون منصف الأزعر آخر الذين تكافئهم مؤسسة التلفزة التونسية بالجحود والتغييب .