في كل رمضان نعود الى نفس السؤال الى متى سيبقى الانتاج الدرامي التونسي مقتصرا على مسلسل او مسلسلين وغائبا عن الفضائيات العربية؟ فرغم ان المشهد البصري في تونس يضمّ الآن أربع فضائيات فإن انتاجنا الدرامي لم يتجاوز الاربعة مسلسلات بل ان المسلسل الرابع أنتج بمبادرة من شركة خاصة يعني انه لا يمكن نسبته إلا بشكل جزئي لمؤسسة التلفزة التونسية وهو مسلسل «مكتوب». فالدراما السورية التي ولدت مع الدراما التونسية تقريبا أصبح لها سوقها العربي الكبير والدراما الأردنية التي جاءت متأخرة وكذلك الخليجية اصبح ينافسان بجدية في السوق العربية مما يطرح الكثير من المفارقات. الممثلون من المفارقات العجيبة في تونس هي غياب المسرحيين عن الدراما فأبرز المسرحيين لا حضور لهم في الدراما بل حتى الذين صنعوا بداياتها مثل جميل الجودي وعبد المجيد الأكحل ومنصف الأزعر لا وجود لهم تقريبا حاليا في الانتاج الدرامي التونسي. أما البقية مثل جليلة بكار ومنصف الصائم ورجاء بن عمار والبشير الدريسي وتوفيق الجبالي وفاضل الجزيري فلم يشاركوا الى حد الآن في اي عمل تلفزي، أليس هذا أمرا غريبا وعجيبا وبلا مبرّر؟ أليس من الغريب ان ينتظر محمد ادريس نصف قرن ليظهر في التلفزة التونسية في عمل درامي؟ أيعقل ان لا يوجد اي دور مناسب في المسلسلات التونسية طيلة السنوات الأخيرة لعدد من المسرحيين البارزين مثل الأسعد بن عبد الله وعبد اللطيف خيرالدين ونادية بن أحمد وفاطمة بلعربي وجمال العروي وغيرهم ممن يتجاهلهم المخرجون كليا؟ إن غياب المسرحيين عن الدراما مسألة مثيرة للانتباه وهي تكشف عن مفارقة حقيقية، فالمسرحيون التونسيون الذين حملوا راية المسرح التونسي في المهرجانات العربية لا نجد لهم اي حضور في الدراما التونسية وهذا واحد من أسباب ضعفها. شركات الانتاج حسب السجلات الرسمية هناك في تونس اكثر من 600 شركة انتاج سمعي بصري ولكن كل هذا الطابور من الشركات يبدو انه حبر على ورق فأغلب الشركات لا تعمل خارج تنفيذ الانتاج لإنعدام مواردها ولغياب بنوك مستعدة لتبنّي مغامرات انتاج درامي يحقق النجاعة المالية والإبداعية مثلما حدث في سوريا والأردن والخليج حتى لا نتحدث عن مصر. فمؤسسة التلفزة التونسية لا يمكن ان تقوم بأعباء الانتاج بمفردها وحتى القناتان الخاصتان «نسمة TV» و«حنبعل» لا يمكن تحميلهما مسؤولية تنمية الانتاج الدرامي بشكل كامل فلابدّ ان تتحمّل شركات الانتاج مسؤوليتها وأن تتجاوز عقلية الربح فقط عن طريق الفوز بعقود تنفيذ الانتاج الى الدخول في مغامرات انتاج فعلية وهذا لن يتحقق دون خلق حوافز وتشريعات لتنمية الانتاج الدرامي والسعي الى خلق امكانيات للانتاج المشترك واستقطاب الرأس المال الخليجي خاصة في وجود أستوديوهات للتصوير مثل التي اقامها المنتج طارق بن عمار في بن عروس. أولوية بدون هذا التمشي سيبقى شعار الدراما التونسية «زوروني كل سنة مرة» وستبقى الأعمال الدرامية عبءا على خزينة الدولة دون ان تحقق اي مردودية لا مالية ولا ثقافية طالما انها لا تعرض إلا في تونس فالانتاج الدرامي التونسي يجب ان يتحوّل الى هاجس للجهات المتدخلة في هذا القطاع حتى يكون لتونس حضور على الشاشات العربية وفي انتظار صياغة استراتيجية للنهوض بالانتاج الدرامي التونسي يمكن الاستفادة من الوجوه التونسية التي اصبح لها رصيد عربي مثل شوقي الماجري وفتحي الهداوي وهند صبري. بهذا فقط يمكن ان يتجاوز الانتاج التونسي موسميته وسوقه المحلية.