تَبقى الصّافرة التَحكيمية من القَضايا الأزلية في الكُرة التونسية وتَختلف طبعا العَمليات التَقييمية بين مُؤكد ل «الانحرافات» الخَطيرة و»السّرقات» الكَبيرة ومُؤيد لتطوّر المَردودية و»نَظافة» السّلك من الشّبهات. «الشّروق» فَتحت ملف التَحكيم مع رئيس لجنة التَعيينات هشام قيراط الذي يَكشف الثَغرات ويستعرض المُكتسبات مُعتبرا أن كلّ المُؤشّرات تُقيم الدليل على أن المُستقبل سيكون أفضل خاصّة في ظلّ الجيل الجديد والواعد الذي سَيُعزّز في القريب العَاجل تِرسانة حُكّامنا النَاشطين في الرابطة الأولى. في البَدء كيف تُقيّمون أداء الصّافرة التحكيمية بعد عَشر جولات من انطلاق المُنافسات الكروية؟ رَغم وجود بعض الأخطاء التَقديرية فإن الحصيلة العامّة كانت مَرضية إن لم نَقل إنها جيّدة بالمُقارنة مع ما كانت عليه الأمور بالأمس القريب. لقد سجّلنا بعض الهَفوات المَتبوعة بالاحتجاجات كما حصل في لقاء الملعب التونسي والنادي الصفاقسي حيث تَغافل الحكم نصرالله الجوادي عن ضربة جزاء واضحة لفائدة «السي .آس .آس». وقد كانت هذه المباراة أبرز وأهمّ العَيّنات التي فتحت باب الانتقادات للتحكيم الذي يُمكن القول إنه نجح بنسبة كبيرة في أداء الأمانة طالما أن الحالات المُثيرة للجدل قليلة رغم أن بطولتنا المحلية بَلغت محطّتها العَاشرة. ويتضاعف لدينا منسوب التفاؤل في ظل التغلّب على الكثير من العوائق والمشاكل أثناء عملية التعيينات من ذلك محدودية الصّافرات التحكيمية المَعنية بإدارة مُباريات الرابطة المُحترفة الأولى. ذلك أن العدد الجملي للحكام الرئيسيين المُكلفين ب»التَصفير» في دائرة الأضواء لا يَتجاوز ال 24 «قَاضيا» وتَتزايد المُعاناة في ظلّ إعفاء بعضهم من قيادة جملة من المُباريات لغياب «الحِيادية» المَبنية على الانتماءات الرياضية وحتّى الجِهوية وهذه مُعضلة أخرى يُواجهها التحكيم التونسي ومن المفروض التخلّص منها في أقرب الآجال خاصّة أن العِبرة تَكمن في الكَفاءة والنَزاهة. أليس من الغَريب «التَشكّي والتَبكّي» من مَحدودية الطّواقم التَحكيمية في حين أن الجامعة تَتكلّم في جميع المناسبات عن سلسلة المُلتقيات التَكوينية وجَحافل الحكّام الذين سَيقلبون الأوضاع؟ هذه حقيقة دامغة وليست مجرّد إدعاءات باطلة بحكم أن الجامعة نجحت فِعلا في توفير كلّ المُستلزمات للنهوض بالصّافرة التونسية. وحتى لا يكون خطابنا فَضفاضا وكلامنا فَارغا نشير إلى أن جامعة الكرة تمكنّت خلال الموسم الفارط من تنظيم 14 تَجمّعا تكوينا فَضلا عن تكليف فريق إعلامي بتصوير كلّ المقابلات التي تدور في رادس في سبيل إنتقاء أبرز المشاهد التحكيمية قبل عَرضها على الحكّام للإستفادة من الأخطاء الحاصلة والعَمل على تجاوزها. وقد حَرصنا كذلك على تَمكين كلّ حكم من قرص مضغوط يحتوي على 1500 لقطة تحكيمية تُفسّر بطريقة سَلسلة كل التَشريعات الرياضية والحَالات المعقّدة وذلك حتى يتسنّى له التصرّف بشكل صحيح. ويَبقى التطبيق طبعا رهن اجتهادات الحكم ورغبته في التطوّر إذ لا يَخفى على أحد أن بعض حكامنا «يَموتون» عَملا لبلوغ القمّة في حين أن فئة أخرى تتميّز بالكسل و»التَكرير» ولحسن الحظ أن عددها محدود. ونعود إلى ضآلة عدد الحكّام المَعنيين بإدارة مباريات الرابطة الأولى لنشير إلى أن هذه الوضعية مُؤقتة بحكم أن الإدارة الوطنية للقطاع تَبذل قُصارى جهدها لتجهيز صَافرات اضافية حتى تكون الخَيارات أوسع. وسيلتحق الحكّام الجُدد بزملائهم في الرابطة الأولى في أجل قريب ومن المفروض أن يُحدث هؤلاء قَفزة نوعية في بطولتنا المحلية خاصّة بعد أن أظهروا استعدادات جيّدة في المُباريات التي أشرفوا إلى إدارتها في الرابطة الثانية. ولا يَفُوتنا ذكر بعض الأسماء الواعدة والمرشّحة بقوة للعمل في الرابطة الأولى مثل خالد قويدر وأحمد الذوادي وحسام بولعراس ووليد البناني وحمدي السعودي ومجدي بالحاج علي وباديس بن صالح وأسامة شريط وسفيان كتات ومجدي باللاغة وأيمن نصري.. وغيرهم كثير. هُناك اعتقاد راسخ في صفوف الأوساط الكُروية بأنّ التَعيينات تَحمل تَوقيع رئيس الجامعة بالتَنسيق مع «كِبار الحُومة» فكيف تَردّ على هذا الرأي الذي تَلهج به الألسنة من الشّمال إلى الجنوب؟ هذا الكَلام عار من الصّحة ومردود على أصحابه وأنا على استعداد تامّ ل»أداء القَسم» في سبيل تَبرئة الجامعة ورئيسها وديع الجريء من هذا الاتّهام البَاطل. كما أنّه من غير اللائق أن أقبل بالتدخّل في مَهامي والتأثير في خَياراتي وأؤكد على الملأ أن تعيينات الحكام الرئيسيين من مَشمولاتي دون غيري ولا أسمح لأيّ طرف بحشر أنفه في هذه المسألة لأن الأمر يتعلّق بأمانة ثَقيلة ويَفرض علي ضَميري تأديتها بإخلاص وتَفان. وبعد القيام بتعيين حكام السّاحة بمفردي، أبادر بتشريك توفيق العجنقي لتحديد أسماء الحكام المُساعدين قبل أن نُمرّر اللائحة النهائية للطرف المُكلّف بالاعلام في الجامعة وهو قيس رقاز الذي يَتولّى بدوره نشرها للعموم. وقد يَستفسر أهل الجامعة أحيانا عن بعض الحكام الذين يَحتجبون لفترة ما عن المُباريات وذلك من أجل الاطمئنان على سير النشاط في القطاع لكن من المُستحيل أن يتدخّل «الرئيس» في شُؤوننا. هل تُريد اقناعنا بأن لجنة التَعيينات لا تُعاني من الاملاءات الفَوقية والتَأثيرات الجَانبية؟ نعم نحن نُدير الأمور في كنف الاستقلالية والحُرية وقد تَتفاجأ إذا قُلت إن لجنة التعيينات لم تُواجه مشاكل تُذكر بإستثناء بعض الاتّصالات الجَانبية من جمعيات الصفّ الثاني وليست تلك المَعنية بالتَنافس على اللّقب. ويُطالب المُشرفون على حظوظ تلك الأندية بكلّ لطف بضمان حُقوقهم وقد حَرصنا على الاستماع إلى شواغلهم وقدّمنا لهم وعودا صَريحة بإنصاف الجميع لأنّ دورنا يَكمن في مُعاملة الجمعيات «الكبيرة» و»الصّغيرة» على قَدم المُساواة. نَبض الشّارع الرياضي يؤكد أن عدّة صَافرات تَحوم حولها الشّبهات كما هو شأن السالمي وقزقز ... وغَيرهما كثير. فأي تَعليق على مثل هذه الاتّهامات التي اخترقت كلّ الجِهات؟ رَغم مرور أربعة أشهر عن تسلّمنا لمفتاحي لجنة التَعيينات فإن الجمعيات لم تُراسلنا للمُطالبة بإقصاء أحد الحكام من إدارة مبارياته بحجّة تواجده ضمن «القائمات السّوداء» كما يُطلق عليها البعض. وهذا المُؤشر يكفي لدحض الادعاءات ودفع الاتّهامات التي تُلاحق عددا من أبنائنا الذين أثبتوا جدارتهم في الداخل وحتى في الخارج كما هو شأن الصّادق السالمي. وقد أدار السّالمي لقاء «السي .آس .آس» ونادي حمّام الأنف في صفاقس وأظن أنه نجح في أداء مَهامه على أحسن وجه خاصّة بعد أن أثبتت الصّور التلفزية أن جميع ضربات الجزاء التي طالب بها المحليون غير صحيحة. مع العلم أن الحكام الذين يَهضمون حقوق بعض الجمعيات يتعرّضون إلى العُقوبات دون التَشهير بهم في وسائل الاعلام. في خِضمّ الغَليان المُتواصل حَول مَردودية المَنظومة التحكيمية يَتساءل البعض عن الأسباب الحَقيقية لتَغييب «الفَار» الذي قد يُساهم في حفظ الحُقوق ويُخلّصكم من جَحيم الانتقادات. فلماذا تُؤجلون هذا القَرار؟ كنّا قد عبّرنا منذ فترة ليست بالقَصيرة عن رغبتنا في استخدام «تَقنية الفيديو» في البطولة التونسية غير أن المُراسلات التي وردت علينا من «الفيفا» كانت «سَلبية». ذلك أن الاتّحاد الدولي يُلزمنا بالتقيّد بالمقاييس نَفسها في كلّ المُباريات وهو أمر غير مُمكن من الناحيتين التَقنية والتَنظيمية وقد لا نَقدر على تَنفيذ مثل هذه الشّروط إلاّ في رادس. هذا وندرس امكانية تَجريب هذه التَقنية في مُسابقة الكأس وذلك أثناء مُنافسات المُربّع الذَهبي و»الفينال». بَعد مُقاطعة التَحكيم الخَارجي لعدّة مَواسم فتحت الجامعة الباب للصّافرة المصرية وسط الكَثير من القِيل والقَال حول هذه الشَّراكة التي قد تَتعزّز بإلتحاق دُول أخرى من اتحاد شمال افريقيا. فكيف تَقرأ هذه التوجّهات؟ الشَراكة مع مصر مُتوازنة ومُثمرة للجَانبين ولا تَقتصر على التحكيم فحسب بل أنّها تَشمل التَعاون في عدة مَجالات أخرى. وقد أتاحت لنا هذه الاتّفاقية الاستفادة من بعض الحكام الأشقاء لإدارة عدد من مُقابلاتنا الكبيرة مُقابل استقبال الدوري المصري لحكّامنا الدوليين ومعهم المُساعدين والحكام «الاحتياطيين» الذين لا يَحملون الشارة الدولية. ولا جِدال في أن ظهورهم في البطولة المَصرية يعود عليهم بالنّفع من النَاحتين التَحكيمية والمَادية. تُلحُّ بعض الجهات على أن أنك «تستغلّ» منصبك الحالي في لجنة التَعيينات لمساعدة نجلك هيثم على ارتقاء «السلّم التَحكيمي». فهل من توضيح؟ هذه حِكاية فارغة وتُهمة باطلة بحكم أنّ لجنة التَعيينات تُعامل كافة على الحكام على قَدم المساواة ولا فَرق بين ذاك إلاّ بالكَفاءة. وأعتقد أن نَجلي هيثم يشقّ طريقه في مجال التَحكيم ب»ذراعه» ودون الحاجة إلى من يُساعده. هل يُزعجك اتّهام سلك الحكّام بالانتماء إلى «المَنظومة الفَاسدة»؟ نَحن نَحترم حُرية الرأي والتَعبير ولا تُقلقنا أبدا مثل هذه الاتّهامات والادعاءات طَالما أن الضّمير مُرتاح. وقد عَاهدت نَفسي على توظيف جميع خبراتي لأداء الأمانة على أحسن وجه وليس مُهمّا أن أحافظ على منصبي الحالي في لجنة التَعيينات أوتَسليم المشعل لغيري والمُهمّ من وجهة نظري نجاح القطاع ولَمّ شمل العائلة التحكيمية التي مازالت للأسف الشَديد مُتفرّقة ومُتخاصمة. في الخِتام ألا تتطلّب حادثة الاعتداء على الحكم المساعد سليم الجبنياني وقفة حَازمة ومُراجعة شاملة في القطاع؟ الحمد لله حمدا كثيرا أن زميلنا سليم الجبنياني نَجا من تلك الضّربة المُوجعة وقد هبّت كل الجهات الفاعلة للتعاطف معه ومُساندته في «مِحنته» كما هو شأن الجامعة والوزارة وإدارة التحكيم. والأمل كُلّه أن لا تتكرّر مثل تلك المشاهد المُؤسفة في الكرة التونسية التي مازال حكّامها يرتدون ثوب الهِواية رغم «التصفير» في بطولة مُحترفة. ولا يَخفى على أحد أن بعض الحكام يتدرّبون في ظروف قاسية خاصّة أولئك الذين يتواجدون في العاصمة كما أن الامتيازات المادية مازالت مُتواضعة ولا تتجاوز سقف ال 300 دينار عن اللقاء الواحد (بالنسبة إلى حكم الساحة). وتجتهد الجامعة كثيرا للنهوض بالسلك حيث تم تأمين كامل المستحقات الخاصة بالموسم الفارط. وفي الأخير نتمنّى التوفيق لكافة حكّامنا ونؤكد أنّنا سنفعل المستحيل لحفظ حقوق كل الجمعيات رغم يقيننا بأن إرضاء الناس غاية لا تُدرك.