فيما تتواصل أشغال البناء ليلا نهارا على الأراضي الأثرية بقرطاج تواجهها السلط المعنية بالصمت و التستر على المعتدين وتجميد مشروع مثال الحماية و الإحياء مما بات يهدد خروج آثار قرطاج من قائمة التراث العالمي . تونس الشروق: نجوى الحيدري خطير ما تتعرض له جهة قرطاج قبل وبعد الثورة من سطو و اعتداء صارخ على المناطق الاثرية التي تحولت الى مساحات مقسمة للبناء دون حسيب او رقيب امام تهاون السلط المعنية، رغم ان موقع قرطاج مصنف في التراث العالمي منذ 1979 كما وقع ايضا سنة 1985 وضع إجراءات تحديد المساحات التي يحجر فيها البناء لأهميتها الأثرية و الجمالية و التاريخية لكن كل ذلك لم يمنع عنها السطو اذ تم اخراج جزء منها من الحضر الأثري التاريخي الى مقاسم لفائدة اشخاص حولوها الى منطقة سكنية و تفيد بعض المعلومات بخصوص هذا الملف ان الرئيس المخلوع غير الصبغة العقارية لقرابة 5 هكتارات من المنتزه الطبيعي و الأثري بقرطاج سيدي بوسعيد لفائدة أصهاره الذين قاموا بتقسيمها و بيعها و بعد 2011 حاولت بعض الأطراف اثارة الملف و اصدرت الحكومة المؤقتة آنذاك مرسوم 10 مارس 2011 يلغي 14 امرا متعلقة بهذه الأراضي لكن بقي الإشكال قائما في غياب مثال للتهيئة و الصيانة يعنى بهذه المنطقة خاصة مع الحماية التي يتمتع بها المعتدون و الذين ازداد عددهم بعد الثورة من طرف شخصيات نافذة في البلاد كما اكدت ذلك عدة اطراف مطلعة على هذا الملف مع العلم ان 60 بالمائة من بلدية قرطاج مصنفة وهو ما يمنع البناء على أراضيها لكن في ظل غياب القانون و مثال التهيئة و الصيانة الذي دعت له اللجنة الوطنية للتراث و صمت كل من وزارت الثقافة و الداخلية و التجهيز و املاك الدولة و المعهد الوطني للتراث و رئاسة الحكومة و بلدية قرطاج اصبحت التجاوزارت بالجملة و اصبحت آثار قرطاج متاحة للمعتدين في وضح النهار في المقابل بقي الملف الذي يتضمن مشروع الصيانة و التهيئة رهين الرفوف ... تحيل و تجاوزات بالجملة ولمزيد التوضيح حول هذا الملف يتحدث للشروق المديرالعام الأسبق للمعهد الوطني للتراث و المكلف بإعداد ملف التهيئة و الصيانة منذ 2011 عدنان الوحيشي الذي يقول في هذا الصدد انه في مارس 2011 اصدر فؤاد المبزع رئيس الجمهورية مرسوما أعاد فيه الأراضي الى صبغتها القديمة و التي تم تحويل صبغتها بموجب غير قانوني من طرف بن علي الى جانب الغاء كل رخص البناء و أمر الملكية العقارية بألا تسلم اي شهادة ملكية خاصة بالأراضي الأثرية بقرطاج ... يضيف عدنان الوحيشي" الى جانب ذلك أقر المرسوم بتكوين لجنة سرية متكونة من عدة وزارات وهي الداخلية و العدل و املاك الدولة و الثقافة من اجل اعداد تقرير يخص هذه العقارات و كيفية استرجاعها "يترأسها محاورنا(الوحيشي )و قد تم تقديم التقرير بعد قرابة السنتين وهويتضمن كل التفاصيل حسب عدنان الوحيشي الذي اكد انه قد تم تكليفه ايضا بإعداد مثال الصيانة و التهيئة او الحماية و الإحياء وهو مثال تهيئة خاصة بالمنطقة الأثرية يعوض مثال التهيئة العمرانية لوزارة التجهيز . ويؤكد محدثنا " و بعد إعداد مثال الصيانة و التهيئة بالتنسيق مع وزارة التجهيز و اليونسكو و الهياكل المعنية حددنا موعد 17 جوان 2014 لانعقاد المجلس الوطني للتراث و بموافقة و امضاء وزير الثقافة مراد الصكلي آنذاك على ان يتم بعد موافقة اللجنة الوطنية للتراث تمرير المشروع للمصادقة عليه في مجلس نواب الشعب ثم إصداره في الرائد الرسمي و يصبح ساري المفعول ." لكن قبل هذا التاريخ بثلاثة ايام فوجئ عدنان الوحيشي حسب تصريحه بإقالته من منصبه لكن هذا لم يلغي انعقاد اللجنة الوطنية للتراث التي كانت حاضرة في الموعد لكن الوزير طرد كل اعضائها من مكتبه دون اي تبرير على حد قول المدير السابق للمعهد الذي اكد انه منذ ذاك التاريخ دخل المشروع طَي النسيان و الوضعية زادت تدهورا و التجاوزات اصبحت بالجملة و ازداد التحيل امام صمت الحكومة! بلدية قرطاج تتحمل المسؤولية و لايمكن ان نخوض في هذا الموضوع دون ان نطلع على رأي بلدية قرطاج و موقفها من هذه الاعتداءات على المنطقة الأثرية و في هذا الخصوص يتحدث عضو المجلس البلدي بقرطاج و رئيس لجنة الثقافة و الفنون بالبلدية زياد الهاني ويقول " اليوم قرطاج التي تحتفل بعد اسابيع قليلة بالذكرى الأربعين لإدراجها على قائمة التراث العالمي اصبحت مهددة بالإخراج من هذه القائمة و السبب هو عدم اتخاذ إجراءات جازمة ضد البناءات الفوضوية فوق الأراضي الأثرية ." و في نفس السياق يقول عضو المجلس البلدي " كان يفترض بعد صدور مرسوم مارس 2011 حول اعادة تصنيف الأراضي التي سبق اخراجها من المنطقة الأثرية للتصرف فيها من قبل الجهات المتنفذة و الفاسدة في اطار المضاربات العقارية كان يفترض احداث لجنة تقوم بتصفية الوضعيات الإشكالية خلال سنة واحدة من تاريخ اصدار المرسوم و رغم مرور حوالي السبع سنوات على اصدار المرسوم لم يحصل اي شيء من ذلك بل ازداد الوضع تعفّنا و تضاعف اكتساح المنطقة الأثرية بالبناءات الفوضوية عديد المرات في ظل ضعف سلطة الدولة و تأثير اصحاب النفوذ و استشراء الجشع و عدم تحمل الجهات المكلفة بتنفيذ القانون بمسؤولياتها " ... و تتركز الإشكاليات اساسا حسب ما افادنا به زياد الهاني في منطقتي بئر فتوحة بالمعلقة و المركز الروماني بقرطاج بيرصة. و بالنسبة لتقسيم بئر فتوحة الذي تم إخراجه من المنطقة الأثرية و حظي بالمصادقات القانونية ادت اعادة تصنيفه طبقا لمرسوم 2011 الى خلق وضعية اشكالية بالنسبة للأشخاص الذين لم يستكملوا بناياتهم و في هذه الحالة و بموجب اعادة التصنيف الأثري اصبحت كل الاشغال ممنوعة قانونيا و بالتالي موجبة للهدم على حد تعبير عضو المجلس البلدي . اما البناء في المركز الروماني و الذي بسببه سيتم إخراجه من لائحة التراث العالمي يؤكد زياد الهاني ان ذلك تم بسبب الجشع من مالكي الأرض و غياب السلط المكلفة بالرقابة فضلا عن انتشار الفساد ففي هذه المنطقة يقول محدثنا " قام بعض المالكين بإنجاز تقسيمات غير قانونية و بيعها و ما من احد تدخل لوضع حد للتجاوزات الحاصلة و تطبيق القانون على المخالفين و في مقدمتهم بعض من كانوا يشرفون على عمليات البيع و التعهد بإرشاء الموظفين المكلفين بالمراقبة حسب ما بلغنا من معطيات بل اكثر من ذلك رأينا بعض هؤلاء الفاسدين كيف يقومون بتجييش الاشخاص الذين قاموا ببراءات غير قانونية و حملهم للضغط على البلدية عن طريق الاحتجاج و التهديد ..." و حمل زياد الهاني المسؤولية فيما يتعلق بهذه الإشكالات الى من باع الأرض و من اشتراها بأسعار زهيدة و الى كل من بلدية قرطاج و شرطتها البلدية و كذلك وزارة املاك الدولة و وزارة الثقافة و وزارة الداخلية . البلدية تصدر هدنة و التجاوزات تتواصل من جهتها و حسب عضو المجلس البلدي بقرطاج زياد الهاني قررت بلدية قرطاج إقرار هدنة تمتنع فيها عن تنفيذ قرارات الهدم ضد المخالفين في انتظار التوصل الى اكبر تسويات ممكنة في اطار القانون من ذلك عمليات التنقيب على الآثار في منطقة بئر فتوحة و الحصول على شهادة من معهد التراث تفيد خلوها من التراث حتى يتمكن اصحابها من استكمال البناء في المقابل اشترطت البلدية ان تتوقف كل عمليات البناء و أوضحت ان كل من لا يحترم الهدنة فسيضطر البلدية حينها الى تنفيذ قرار الهدم الصادر ضده و مع ذلك اكد زياد الهاني ان البعض واصل تحديه مستندا الى نفوذه و الحماية التي يتمتع بها من بعض الجهات المسؤولة على حد تعبيره مؤكدا انه كمسؤول عن الثقافة ببلدية قرطاج لن يتوانى عن القيام بكل ما يلزم لتطبيق القانون وفضح المستقوين عليه و من يسندهم سواء كانوا ولاة او وزراء او مستشارين ... وفي اتصالنا بوزارة الشؤون الثقافية لتحديد موقفها و تفاعلها مع هذا الملف اكدت المسؤولة على التراث بالوزارة سامية حمامي ان الوزارة تدين و بشدة هذه الاعتداءات مؤكدة انه قد تم اصدار قرار هدم ضد المتجاوزين و ايقاف كل عمليات البناء على حد تعبيرها مضيفة ان الوزارة بصدد متابعة الملف وقريبا ستصدر مثال الحماية و الإحياء بقرار مشترك بين وزارتي الثقافة و التجهيز لتحديد المنطقة الأثرية بعد المصادقة عليه من طرف مجلس نواب الشعب .