تعتبر تونس منذ استقلالها من أكثر الدول تعاونا مع أوروبا اقتصاديا وتعمق التعاون اكثر مع تأسيس السوق الاوروبية المشتركة ثم تنظم أغلب اعضاء تلك السوق في ما يعرف الآن بالاتحاد الاوروبي. هذه الشراكة استفادت منها تونس خاصة بعد تطوير عديد الاتفاقيات للوصول الى مرحلة التبادل التجاري الحر وكانت البداية بالمجال الصناعي لتحظى المنتجات الصناعية التونسية بتسهيلات للدخول إلى الأسواق الأوروبية التي تعد الأهم على الإطلاق للصادرات التونسية. كما تدفقت الاستثمارات الاوروبية على بلادنا مستفيدة من عاملي القرب وايضا انخفاض اجور العاملين مع تمتعهم بالكفاءة. وساهم ذلك التعاون في تطوير القدرات التنافسية للمؤسسات التونسية وتحسين وسائل الإنتاج في تونس ونقل التكنولوجيا إليها . ومع التغيرات السياسية التي يعرفها العالم تباعا وتوتر الاجواء بين كباره اقتصاديا في ما يعرف بالحرب التجارية التي لا تهدأ نيرانها الا لتضطرم من جديد بعد ان وصل كبار العالم اقتصاديا الى عشرين دولة تتنافس في ما بينها بشراسة لكسب فضاءات حيوية لمنتجاتها تمنع عنها الركود وتحفز معدلات النمو ببلدانها. وهذا أثر في ضعفاء العالم. وبلادنا من هذه الدول لتفرض عليها اتفاقيات مجحفة المصلحة العليا فيها للدول القوية وليس مثال «الاليكا» وما يتبعه من جدل ببعيد عنا خاصة ان دول الاتحاد الاوربي التي تعتبر تونس «مجالا حيويا تاريخيا» لمصالحها لا تريد التفريط فيه. وهو ما دفعها الى مواجهة تداعيات «الاغلاق» المتبع من طرف قوى عظمى مثل الولاياتالمتحدةالامريكية امام منتجاتها باتباع اجراءات حمائية صارمة تجنح الى تعويض ذلك بفرض اتفاقيات جديدة على تونس تقضي برفع القيود الجمركية عن المنتجات الأوروبية وفتح السوق التونسية أمامها. وهو ما يهدد عديد الشركات بالاندثار لعدم قدرتها على كسب معركة المنافسة جودة وكلفة. وهو ما سيدفع المستهلك التونسي الى اقتناء المنتجات الأوروبية. ويتجاهل المنتجات المحلية للفوارق بينها في الجودة والسعر اضافة الى أن عقلياتنا تميل الى استهلاك ما صنع في اوروبا رغم عديد الحملات التحسيسية بمخاطر هذا التوجه من التونسيين. وزادت الصعوبات أمام المؤسسات التونسية بعدما غزتها المنتجات الصينية سواء عبر المسالك الرسمية أو عبر التهريب وهو ما يحتم على القائمين على اقتصادنا المسارعة بالبحث عن شراكات جديدة تخفف من وطأة الضغوطات الاوروبية علينا لانها رهنت مساعدتنا اقتصاديا وامنيا وسياسيا بفتح حدودنا امام منتجاتها. وتدفع المواطنين الى التريث عند اقتناء سلع صينية لا جودة لها ولا قيمة الا ضعف اثمانها وتوفرها في كل مكان نتيجة التهريب او التوريد العشوائي غير المراقب رغم انه منظم بكراس شروط لا يطبق من بنوده شيء. هذه الايام زارنا الوزير الاول الكوري الجنوبي في اول زيارة لمسؤول من هذا البلد بهذا المستوى الى تونس حاملا معه حزمة من المقترحات لتنشيط المبادلات التجارية بين البلدين. وطرق البيوت من ابوابها بافتتاحه في مقر الاتحاد التونسي للصناعة والتجارة والصناعات التقليدية منتدى الأعمال التونسي الكوري معتبرا أن بلادنا تنتهج منهجا اقتصاديا متميزا وأن كوريا الجنوبية تقف إلى جانب تونس من أجل إنجاح مسيرتها الاقتصادية والتنموية مقترحا مزيد التعاون الثنائي في مجالات مهمة مثل تكنولوجيات المعلومات والاتصال والفلاحة والتجارة والطاقات المتجددة والتعليم والتكوين. وختمت الزيارة بالتوقيع على ثلاث اتفاقيات تعاون بين البلدين تشمل مذكرة تفاهم بين مركز النهوض بالصادرات والوكالة الكورية الجنوبية للتجارة والاستثمار ومذكرة تفاهم بين الهيئة الوطنية للاستثمار والوكالة الكورية الجنوبية للتجارة والاستثمار ومحضر المناقشات والتقييم لتجديد منظومة الشراءات الالكترونية بين الهيئة العليا للطلب العمومي والوكالة الكورية الجنوبية للتعاون الدولي . هذه الاتفاقيات لا يجب ان تبقى حبرا على ورق كغيرها من التي أبرمت مع دول عديدة من قارات أخرى غير اوروبا. اذ لا بد من متابعتها عبر تأسيس مجلس اعمال بين البلدين وليس مجرد غرفة ايام نومها اكثر من نشاطها او منتدى لن ينعقد الا حسب الظروف. والاهم من كل ذلك ان الرجل جاءنا الى بلادنا ليستفيد من انضمامها الى «الكوميسا» ولأن الشراكة الاقتصادية الناجعة تقوم على قاعدة «رابح – رابح» فان تونس بإمكانها الاستفادة من هذا العملاق الصناعي والتكنولوجي .. نفس هذه الاستفادة ستحصل لتونس لو أحسن ساستها تثمين زيارة وزير الخارجية الياباني الى بلادنا. وهي الأولى لوزير في مثل منصبه منذ ما يزيد على 15 سنة. وقد أكد الضيف الياباني على تقدير بلاده لما حققته التجربة الديمقراطية التونسية من «نجاحات» أن اليابان تشجّع المستثمرين على الاستفادة ممّا يوفره مناخ الاستثمار في تونس من فرص هامة للشراكة. كما اتفق مع من قابلهم من مسؤولي تونس من رئيس الجمهورية مرورا برئيس الحكومة ووصولا الى وزير الخارجية على بحث إمكانيات توسيع تحسين الإطار القانوني الذي يجمع بين البلدين مقررا النظر في شهر مارس القادم حسب الجهيناوي في اتفاقية تخص حماية الاستثمارات والنهوض بها مرحبا بما عرض عليه من مشروع حول اتفاقية تخص التعاون الفني اضافة الى تأكيد سعي بلاده الى توقيع مذكرة تفاهم لدعم الاستثمار وتعزيزه في مجال البنى التحتية النوعية. كل هذا الدعم المنتظر من اليابان مشروط فقط بمشاركة تونسية على أعلى مستوى في ندوة طوكيو الدولية حول التنمية بإفريقيا (تيكاد)، التي سوف تنعقد بمدينة يوكوهاما في أوت 2019. بل إن الحضور الرسمي من أعلى مستوى تونسي في هذه القمة سوف تكون الاستفادة منه حاصلة خاصة من ناحية الاستثمارات والمشاريع المقترحة للتنمية في الدول الإفريقية. وسيكون من الهراء حضور قمة الفرنكوفونية في أرمينيا وهي التي لا تعد الا «شقشقة لفظية» وترويجا للغة لا تعتمد الا في بلادها او في بلدان لا تفوقنا في شيء خبرة وتطورا. ونهمل قمة مثل تلك التي سوف تنعقد في اليابان وحل من اجل اقناع تونس بحضورها ممثلة بوفد عالي المستوى وزير خارجيتها كما سيكون من الهراء ان نهمل ان وزير خارجية اليابان او الوزير الاول الكوري الجنوبي زارا بلدان المنطقة المغاربية خاصة الجزائر والمغرب بما يعني انه اذا لم يجدا التجاوب من تونس فإن البديل متوفر .. فهل سنضيع الفرصة مجددا ونرد أيدي ممدوة الينا بالتعاون المثمر والقائم على الندية؟ إن حدث هذا الامر فعلينا مراجعة ذكائنا.