غير أنه في روايته لم ينشغل كما انشغل غيره بوعي الكتابة ومحاكمة اللعبة الابداعية واشتراطاتها وانما وظف تقانة الميتاسرد ليطرح مسائل أخرى تتعلق بالوعي بالذات وبالهوية بين الاختلاف والائتلاف. وهكذا نجدنا أمام هويات ثلاث متقاطعة ومتداخلة: هوية الرواية بوصفها فعلا حديثا، مكتوبا، له اشتراطاته وهوية رواية خمس عشرة جدة وحفيد بوصفها رواية الرواية بمعنى الرواية المكتوبة للرواية الشفوية التي ورثها عن أبيه في اشرطة كما جاء في الصفحة التاسعة: « ولما استمعت إلى الاشرطة، وجدت فيها حكاية مبوبة في في شكل جلسات اعتراف». هوية السارد علي بن حفيظ العيفة وهوية الكاتب علي الخريجي حيث يعمل على ايهام القارئ بالتداخل بين الهويتين فالسارد علي والكاتب أيضا والسارد أبوه حفيظ والكاتب كذلك -هنا تجدر الاشارة الى كون علي الخريجي حتى في الاهداء لم يكتب اهداء عاديا وانما هو جزء من لعبته الميتاسردية- وكلاهما يروي رواية غيرية. فهل هو الالتباس بين الذاتي والموضوعي أم هو التداخل بين السِّيَرْغَيْرِي والسِّيَرْذاتي أم هذا وذاك في آن. خاصة وانه يجب التسليم بان الكتابة والكتابة الروائية بشكل خاص هي كتابة الاسئلة ونادرا ما تكون كتابة الاجوبة. وهي صراع الخفاء والتجلي بامتياز، فهي تفتح على كاتبها نفسه أبوابه السرية ونوافذه التي منها يتسرب الريح وينفخ في فقاقيع فيحولها وفي براعم فيفتحها حتى لتصبح الكتابة عملية استنطاق ومراجعة وانتماء وتنصل في الحين نفسه كما جاء في روايتنا هذه ويعبر عنه السارد في ص108 بقوله: «المهم أن أناي يجب تلغا كالعادة». سيكون من المهم جدا الوقوف عند الموازيات النصية لللرواية من عنوان وغلاف واهداء وتصدير وهو ما ليس مبحثي في هذه القراءة المقتضبة رغم أنه من الضروري جدا أن أتوقف عند العنوان على الأقل. خمس عشرة جدة وحفيد واحد، عنوان لافت ومشاغب خاصة وأنه يجعل من الهوية الموروثة «خمش عشرة جدة» والهوية المكتسبة أو في طور الاكتساب«حفيد واحد» مداره. لم اتوقف عند الرواية وما تمنحنيه من مفاتيح القراءة والمساءلة باعتبار ان معطيات ذاتية تتقاطع بدورها بمعطيات ذاتية. فالرواية تدور احداثها الرئيسية بمارث(مدينة كل من الكاتب والرواة /السرّاد.. وانا القارئة). في الحقيقة لم اظفر بإجابة داخل المتن الروائي عن دلالة العنوان ولكنني اجزم انه لم يكن موضوعا عبثا. تقول الرواية (الموروث) ان مارث واهلها تنتسب الى الولي الصالح سيدي يحي الحمروني (ابحث في الانساب)، وان سكان مارث ومناطقها ينحدرون من الأبناء الاحد عشر له. وهكذا يكون (احد عشر جدا و....) أقرب الى روح الرواية من الناحية الطوبونيمية . ولكن علي الخريجي لم يذعن الى هذه الرواية فقدم لقارئة رواية بديلة هي خمس عشرة جدة وحفيد واحد رغم انه وتقريبا في كل فصول الرواية لم يتعرض الى تفصيل هذا العنوان ولا حتى اشار اليه عدا في بداية الرواية. بدت الانثى في الرواية متعددة الصور والفعل ولعلها تكون طوطم النص برمته. فالأحداث تدور بقريته مارث والبطل والشخوص بعامة يتحركون بالفضاء ذاته الى جانب فضاءات اخرى والبطل/الحفيد ينحت هويته المتجذرة في عمق مارث ويختلف ايضا عن الاخرين الذين يقاسمونه الفضاء. يقال ان النسب الموثوق به دائما هو النسب إلى الأنثى وأن الأنثى وحدها نساجة التوسع في النسب وأن الارض أنثى. ومن ثمة فإن العنوان بنظري يجسد الأرض وإن توالى عليها الدخيل انتهاء بالدخيل الفرنسي - وربما لذلك غيب علي الخريجي الأجداد- فقد حافظت الجدات على صفاء النسب والعرق وحافظت أيضا على امتداده ليكون الحفيد مخلّصا لها من دنس الاستعمار ومن ذل التبعية. لقد قدم علي الخريجي رواية التفاصيل والأمكنة والأفعال والهوية في نسيج تغلب عليه اللغة المتراوحة بين الفصحى والعامية المحلية ولكنه لم يجازف بنظري بتجاوز التاريخ الذي تتأصل فيه أحداث الرواية ولم يعمل على ولوج المابعد حداثة بما يكفي من الجرأة والاختراق. هل هي استراتيجية الرواية الأولى في جس نبض التلقي أم هي إقرار بكون المبدع العربي مازال يخضع لسلطة التحريم والتجريم إذ لا يسمح له بهامش من الحرية إلا داخل أسواره؟ خمس عشرة جدة وحفيد واحد هي رواية الاسئلة بامتياز.