اهتمت البشرية في السنوات الأخيرة بقضايا حقوق الإنسان واعتبرها المجتمع الدولي المعاصر من أهم المسائل حيث حظيت بعناية كبيرة حتى بدت كأنها سمة من سماته لم يسبقه أحد في ذلك من المجتمعات السابقة والحقيقة خلاف ذلك , فلو نظرنا في القرآن الكريم وتصفحنا السيرة النبوية لوجدنا أن لحقوق الإنسان مكانة كبيرة في الإسلام. فقد جاءت شريعة الإسلام مقررة بسخاء حقوقا للإنسان لا تتوفر لأي نظام وضعي ويمكن تلمس المبادئ الأساسية لهذه الحقوق في خطبة رسول الله صلى الله عليه وسلم في حجة الوداع حيث شملت المبادئ الأساسية لحقوق البشر من حقوق خاصة وحقوق عامة نجدها مفصلة في القرآن الكريم وفي أحاديث الرسول. إن العالم اليوم يتحدث كثيرا عن حقوق الإنسان من خلال منابر المنظمات العالمية المهتمة بهذا الموضوع ولكن يتكلم قليلا وبصوت خافت يكاد لا يسمع عما يقابل هذه الحقوق من واجبات والتحدث عن حقوق الإنسان مع الصمت عن واجباته هو إقرار بالخلل الأكبر في فهم وظيفة الإنسان في الحياة والتي ما تزال تعالج في غالب الأحيان بمنظور جزئي بعيدا عن الشمولية والتكامل. أما الإسلام فإنه يتعامل مع مهمة الإنسان في الحياة باعتباره خليفة الله في الأرض بمنهجية تنبني على أساس من التوازن والتلازم بين حقوقه وواجباته فحقوقه هي فعليا واجبات إنسان آخر يجب أن يؤديها له فبهذا التلازم بين الحقوق والواجبات تنجح مهمة الإنسان في الحياة ويحصل التبادل النفعي بين الناس ، والأمثلة على ذلك كثيرة ومتعددة فحق التعليم مثلا ثابت لا نقاش فيه وقد نصّت المواثيق الدولية على ذلك ولكن هو في نظر الإسلام ليس بحق فقط بل هو واجب قال الله تعالى :( اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ ، خَلَقَ الْإِنسَانَ مِنْ عَلَقٍ اقْرَأْ وَرَبُّكَ الْأَكْرَمُ الَّذِي عَلَّمَ بِالْقَلَمِ عَلَّمَ الْإِنسَانَ مَا لَمْ يَعْلَمْ) وقال النبي صلى الله عليه وسلم : ( طلب العلم فريضة على كل مسلم) ولكي يضمن الإسلام انتشار العلوم بمختلف أصنافها فإنه لم يقتصر على أن جعل من التعلم حقا للإنسان بل جعله أيضا واجبا من أوكد الواجبات وكما أن من حق الإنسان التعلم من واجبه أن يعلّم الآخرين . قال الرسول (من سئل عن علم فكتمه ألجمه الله بلجام من نار يوم القيامة) وكذلك حق العمل الذي أكد عليه ميثاق حقوق الإنسان ولكن الإسلام لم يقتصر على اعتبار العمل حقا من الحقوق بل اعتبره واجبا فقد جاء في القرآن الكريم قول الله تعالى (وَقُلِ اعْمَلُواْ فَسَيَرَى اللّهُ عَمَلَكُمْ وَرَسُولُهُ وَالْمُؤْمِنُونَ وَسَتُرَدُّونَ إِلَى عَالِمِ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ فَيُنَبِّئُكُم بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ) (التوبة:105) وغير ذلك من الأمثلة. إن الحق والواجب متلازمان في كل تشريع سماوي أو وضعي بحيث إذا كان الحق هو كل ما هو ثابت للفرد أو المجتمع أو لهما معا يقرره المشرع لتحقيق مصلحة أو دفع ضرر فإن الواجب كل ما يلزم الإنسان مراعاته وحفظه وعدم انتهاكه من حقوق الآخرين فالواجبات تقابلها الحقوق والحقوق تقابلها الواجبات والإنسان لا يطالب بحق من حقوقه إلا إذا أدى ما عليه من واجبات وقد حرص الإسلام على حماية هذه الحقوق وإلزام المسلمين بها فجذور الحقّ والواجب واحدة فحقِي هو واجب على غيري وواجبك هو حقّ لغيرك وعلى أساس هذا التلازم بين الحقوق والواجبات يمكن للمجتمعات أن تحقق النهضة والتقدم في كل المجالات.