للباجي جبة لم تناسب كل من سعى إلى ارتدائها، اليوم حان وقت الشاهد ليجرب حظه فهل ينجح في ما فشل فيه سابقوه؟ ولكن قبل هذا هل إنه مجبر على ارتداء تلك الجبة؟. تونس «الشروق»: «يوم لك ويوم عليك»، بالأمس ارتدى السبسي جبة بورقيبة واليوم يتواصل تعلق البعض بجبته. المقياس الوحيد هو النجاح ولو كان نسبيا، فبورقيبة بما أصاب وأخطأ هو باني الدولة التونسية وهو متزعم الحداثة والوسطية ومن الطبيعي أن يكون مثلا أعلى لأتباعه ممن آمنوا بمشروعه. عندما ارتدى السبسي جبة بورقيبة لم تكن الغاية اجترار شخصية الزعيم السابق وتخليد ذكراه بقدر ما كان يسعى إلى تحقيق النجاح ذاته ،لهذا تشبه به شكلا وكشف عن مشروعه الجديد من مدينة مثله الأعلى (المنستير) وركز على المبادئ التي كان يؤمن بها والأهداف التي كان يرنو إليها. لكن الباجي لم يسجن جسده في جبة عتيقة بل أدخل عليها من التحويرات والرتوش ما يناسب بدنه ويلائم روح عصره فكانت الأرضية الفكرية البورقيبية الحديثة بما تحويه عبارة «الحديثة» من رغبة في تجاوز أخطاء بورقيبة كموقفه من الديمقراطية وتعامله مع خصومه… محاولات فاشلة نجح بورقيبة في ما فشل فيه غيره ونجح الباجي أيضا في ما فشل فيه غيره، والدليل أنه جمع ما لا يمكن تجميعه (الدستوري والتجمعي واليساري والنقابي والمستقل) حول مشروع واحد، ونجح في الوصول إلى قصر قرطاج مثلما نجح في الفوز بالانتخابات التشريعية الماضية… نجاحات الباجي كثيرة، لكن تجربته لم تخل من أخطاء لهذا حاول البعض الاقتداء به عبر محاولة تحقيق النجاحات ذاتها وتفادي الأخطاء عينها. المحاولات كثيرة فالجبة التي حققت للباجي نجاحه كانت محل تنافس شرس بين جملة من الندائيين منهم ابنه حافظ وعضده الأيمن أيام الحلم محسن مرزوق ومن اقتدوا به في الانسلاخ عن حزب النداء. لم يقطع أي من المتشبهين علاقته بالسبسي ولا بحزبه ولا بمشروعه البورقيبي الحداثي بل حاولوا كلهم ارتداء جبته دون رتوش فلم تناسب أيا منهم ولم تحقق له ما كان يصبو إليه من نجاح فهل يتصرف الشاهد من بعدهم بالطريقة ذاتها؟. استنساخ لا يبدو رئيس الحكومة يوسف الشاهد مختلفا من حيث الانطلاق فهو يستهدف الجمهور ذاته وهو جمهور الحداثة والدولة المدنية والإرث الدستوري البورقيبي وإن كان يركز على الانتماء الدستوري أكثر من تركيزه على الانتماء إلى البورقيبية والدليل افتخاره بخاله حسيب بن عمار باعتباره «الحقوقي والمناضل الديمقراطي ابن العائلة الدستورية التي أخطو على خطاها…» (من حوار لقناة التاسعة بثته يوم 21 ديسمبر الماضي). وكما فعل السبسي سنة 2012، يركز الشاهد على ما يسميه ب»الحركية الوطنية التقدمية»، ويدعو إلى مشروعه جميع الكفاءات من «التقدميين والوطنيين» حتى «ينطلقوا في تلك الديناميكية» وكأنه يستنسخ الفقرة الثالثة من البيان الذي أصدره الباجي يوم 26 جانفي 2012. لم يضع يوسف على عينيه نظارات الباجي الشمسية التي استوحاها من نظارات بورقيبة، ولم يستعمل الألفاظ الباجية ذاتها، ولكنه يحاول اسقاط جبة السبسي إسقاطا عبر التمسك بالمشروع الحداثي نفسه فهل ينجح فيه؟. علينا أن نعذر الشاهد، فالبحث عن موطئ قدم في خارطتنا السياسية يفرض المفاضلة بين المشروع الديني الإسلامي الذي تستأثر به النهضة دون أن يكون لغيرها أي أمل فيه، وبين المشروع اليساري القومي الذي تراجع جراء تراجع قيمة الايديولوجيا، وبين المشروع الحداثي الذي يستقطب من ضاقت به السبل السياسية. هذا المشروع الأخير يستهدف الحداثيين والديمقراطيين والتقدميين والمدنيين فيراكم كل من يعارض المشروع النهضوي ولا يؤمن بالتوجه اليساري الأيديولوجي أي إنه يقدر على جلب الدستوري والتجمعي والمستقل والنقابي والديمقراطي والوسطي والليبرالي ويمكن أن ينافس بجدية على أي استحقاق انتخابي ما يعني أن الشاهد مجبر على اللعب في ميدان الباجي الذي احتل من قبل المساحة الشاغرة. على أن ما يحسب للشاهد أنه واع بفشل من اقتدوا بالباجي وواع أيضا بأسباب تراجع مشروع السبسي. كان بالإمكان المشروع الندائي أن يصمد ويتطور لو انبنى على الفكرة والأرضية والهدف أكثر من انبنائه على فكرة الزعيم وهذه نقطة مهمة يمكن للشاهد أن يبني عليها فيستعيض عن جبة الباجي الشخصية بجبة مشروعه ويدخل عليها التحويرات اللازمة. «انتهى عهد الأحزاب المبنية على شخص... فتونس اليوم في حاجة إلى حركية وطنية تقدمية» ما قاله الشاهد في خطابه الذي بثته قناة التاسعة يثبت أنه واع بما يفعل وهو يمسك بالجبة التي اتسعت على الباجي. لن نعيد نفس الأخطاء قال رئيس كتلة الإئتلاف الوطني (الممثل البرلماني لمشروع الشاهد) إن فلسفة المشروع الجديد تقوم على تأسيس حزب وفق برامج وأفكار وليس على قاعدة الالتفاف حول شخصية سياسية معينة. وأوضح قبل أشهر في تصريح صحفي غداة الإعلان عن تأسيس كتلة الائتلاف: «لن نعيد نفس الأخطاء بتنصيب شخصية سياسية زعيما ونلتف حولها في مشروع سياسي». ولم ينف ابن أحمد أو يؤكد فكرة تتويج الشاهد رئيسا للمشروع السياسي الجديد ولكن نوابا آخرين مثل وليد جلاد يؤكدون أن الشاهد هو الأولى بالقيادة. الدساترة نواة أساسيّة في حزب الشاهد خلال اللقاء الاستشاري الأخير للقائمين على المشروع السياسي ليوسف الشاهد أكد سليم العزابي تعويله على العائلة الدستورية لتكون نواة اساسية لهذا المشروع. وقال العزابي في اجتماع جندوبة الاخير، بأن القائمين على المشروع السياسي الجديد يريدونه في شكل مشروع وطني شعبي وسطي دستوري مضيفا بالقول: «عمرنا ماننساو العائلة الدستورية اش عملت في البلاد هاذي». وأوضح العزابي أن رئيس الحكومة يوسف الشاهد والقائمين على المشروع السياسي الجديد اتخذوا قرارا واضحا بشأن لم شمل كل العائلات السياسية دون اقصاء بما في ذلك العائلة الدستورية. ويشار الى ان الاجتماع الاخير للقائمين على المشروع السياسي ليوسف الشاهد قد اكدوا موعد 27 جانفي ليكون تاريخ الاعلان رسميا عن ولادة هذا الحزب ومأسسة المشروع السياسي.