تضم منطقة المسيرب من معتمدية الوسلاتية حوالي 100 ساكن وأكثر من 40 عائلة ,أقل أفراد الواحدة منها 8 . جميعهم لم تطأ أقدامهم المدرسة أو أنهم تسربوا من أقسام مبكرة جدا في أحسن الأحوال. 35 ٪ نسبة الأمية في القيروان وهي تحتل المرتبة الأولى وطنيا (الشروق) مكتب القيروان منية العويني أرملة أربعينية وأم ل8 أبناء تتراوح أعمارهم بين العاشرة وال24 سنة حرموا من التعليم ومباشرة مقاعد الدراسة. فأغلبهم في مقتبل العمر ...تسأل أحدهم عن سنه فيخجل عاجزا عن مدك بسنه الحقيقي لأنه لا يعلم حقا كم بلغ من العمر و حتى الأم لا تعلم سنها أوسن أبنائها. .»قائلة «ما نعرش هانومقيدين في العمرية»...هكذا أجابتنا منجية العويني. والجيلاني الذي هجرته زوجته بسبب الفقر تاركة وراءها 8 أطفال حدثنا قائلا :» تولت والدتي إعالتنا من خلال جلب الحطب لإعداد المردومة «وإن نجحت في تأمين مأكلهم ومشربهم الا أنها لم تنجح في أن تمنحهم العلم. فالأولوية المطلقة لديها كيف تسكت بطونهم فقط». أما ربيعة مزروعي 39سنة وهي أم لثمانية أبناء جميعهم لم تطأ أقدامهم المدرسة بسبب قلة ذات اليد والفقر أما تاسع الأبناء فقد توفي بسبب البرد!! هكذا علقت محدثتنا قائلة «لقيت باش نوكلهم حتى باش نقريهم..الحال أمامكم نحن موتى بالحياة لا حقوق لا كرامة لا بطاقة علاج لا منحة ولا حتى مساعدات تذكر ولا من مسؤول يكلف نفسه عناء زيارتنا». منية أرملة وجدناها رغم قسوة الطقس منغمسة في الرماد تعد "المردومة"وتحكم إغلاق كيس من الفحم لبيعه أوحتى للاستعمال اليومي ». ولا خيار لدي. هذا هوحالي أقطع مسافات لجلب الحطب من جبل السرج لأعيل عائلتي قائلة :» أتحدى أي شيء من أجل قوت أبنائي وإن اعتبره المسؤولون خرقا أقول لهم :كلفوا إذن أنفسكم ووفروا لنا ولأبنائنا متطلبات العيش والحق في التعليم كما ينعم أبناؤكم». لا بطاقات هوية ولا حالة مدنية أغلب السكان لا يحملون بطاقات هوية ويمكن بحسب الشهادات الإقرار أنك قد تجد عائلة بأكملها دون بطاقات هوية مما يجعلهم في خانة اللا انتماء. صباح اليعقوبي أم ل4 أبناء تجاوزوا ال25 لم يستخرجوا بطاقات هوية الى اليوم. أما نعيمة فهي الأخرى لا تحمل بطاقة هوية منذ أكثر من 10 سنوات تاريخ ضياعها....وابنتها التي نتوقع أن تفوق العشرين هي الأخرى لم تستخرج بطاقة هوية ونفس الشيء لبقية إخوتها. «م» منعت وبشدة والدتها من التصوير وكأنها تداري شيئا أو ربما كانت تحمل هما كبيرا وقهرا مضاعفا بسبب الوضع.لم تنبس ببنت شفة سوى»ما نحكيش «وكأن بملاطفتنا لها تريثت قليلا وأصبحت هادئة. وهو هدوء قرأنا من ورائه دموعا انحبست في عينيها. فخيرنا التربيت على كتفها دون إحراجها أكثر لنفهم أنها فقدت الثقة في حلحلة الوضع وكأن بالأوان فات على الدراسة والتعليم طالما أن ما يثبت الانتماء مفقود أصلا. مسؤولية من ؟ تركنا المنطقة لنتولى قطع مسافات طويلة وصولا الى منزل ربح اليعقوبي التي أكدت أن ابنها البالغ من العمر 4 سنوات تقريبا لم يسجل الى يومنا هذا بدفتر الحالة المدنية... فهل استقالت السلط عن مهامها؟ ليس بالجغرافيا وحدها يعرف فعل العزلة. كما يذهب الى ذلك الأستاذ الباحث في علم الاجتماع علي المحمدي قائلا» إن الأمية التي تنمو وتترعرع بين الجبال بعيدا عن نور العلم والنهل منه لها أسبابها العميقة أهمها الفقر. ويضيف المحمدي أن الادارات المعنية اليوم تقاعست عمدا عن الولوج الى هذه المناطق. وعليه يجب استحداث طرق عمل ميداني ناجعة لتحديد عدد الأطفال الأميين والمنقطعين عن التعليم المبكر . معتمد الوسلاتية محمد العمري الذي لم يمض على مباشرته مهام المعتمدية ثلاثة أشهر كان متعاونا. وبمجرد إعلامه برحلتنا ,سخر نصف اليوم ورافقنا خلاله في زيارة الى المنطقة. وإن بدا متفاجئا بالوضعيات الموجودة الا أنه حمل المسؤولية لهياكل الشؤون الاجتماعية والصحة الإنجابية على مستوى محلي بدرجة أولى . جيل بأكمله أمي... أحمد يعقوبي وابنة عمه مباركة هما تقريبا الوحيدان من خريجي التعليم العالي أكدا أن المشهد يزداد قتامة في ظل الفقر الذي ولد الجهل والأمية اللذين ينهشان مائة بالمائة أهالي المنطقة ولاسيما الأطفال منهم. مباركة تقول:»إذا كان منتهى من تعلم وتخرج هو البطالة والبيت فكيف نتوقع أن ننجب جيلا متفائلا بواقعه ومستقبله ؟» ومع ذلك علينا محو هذه الفكرة والتحلي بروح الإرادة التي لن تأتي الا بالتعلم مقترحة مساندتها لتأسيس جمعية جبلية لفائدة «نساء الدوّار» لبعث مشاريع تخص ثروات منطقتهم من اكليل وزقوقو وخروب. أما أحمد فأفاد بأن غياب مدرسة تؤم أطفال المنطقة و غياب طريق مهيأة والنقل الريفي أسباب مباشرة في عزوف العائلات عن تعليم أبنائها وبالتالي انتشار الأمية قائلا «أتساءل كيف يتجاهلون ربطنا بطريق والحال أنها منطقة محاذية لمسلك سياحي. ومن جهته تساءل سالم السبري سائق نقل ريفي وابن المنطقة عن دور الهياكل الجهوية والمحلية قائلا» ما الذي يعرفه المسؤول وحتى الإعلام عن منطقة المسيرب سوى الحادثة المعروفة عن مقتل رجل أعمال بسبب النبش عن الكنوز ؟ هذه مخلفات الأمية والجهل والوهم المعشش في عقول البعض وما الذي يدفع بطفل 11 أن يحترف بيع الخمر خلسة بعد أن يزج بوالده بالسجن ؟ رابطة حقوق الانسان تحذر... نائب رئيس الفرع الجهوي لرابطة الدفاع عن حقوق الانسان ، توفيق القداح قال إن وجود أشخاص اليوم لا يتمتعون بأبسط حقهم في الانتماء الى هذا الوطن ومن دون هوية هي مسألة خطيرة ونحن في هذه المرحلة ...وأضاف : «نخشى تبعات هذه الحالات في حال التعامل معها باستسهال مطلق وما قد ينجم عنها من ظواهر أكثر خطورة لا على الفرد فحسب وانما على المجتمع على غرار التطرف والانحراف والجريمة والعنف وغير ذلك من أشكال التخلف. صورة المسيرب كما يدل معناها ( الطريق الضيقة ) تبقى حالة تنسحب على عديد الحالات بأرياف القيروان وغيرها أكيد بمختلف مناطق البلاد...صورة لأطفال وكهول ونساء توقظ مضجعك فتتساءل إذا كان نهارهم على تلك الشاكلة ,فكيف هوالحال عندما يتوسدون حاضرا جائرا ومستقبلا مجهولا كلما أسدل الليل ستاره وحاصرهم الضيق والضياع والمستقبل المجهول محاصرة عواء الذئاب وتهديد الخنزير القادم من غابات جبل السرج؟ نتساءل أي مشروع سيحمله هؤلاء الاطفال في ذلك الركن المعزول من العالم في وقت ظننا فيه أن هذا الوطن يتسع لجميع أبنائه دون تمييز أوتهميش؟ أرقام ودلالات 100 ساكن في منطقة المسيلة 35 % نسبة الأمية في القيروان منطقة المسيرب تقع منطقة « المسيرب « شمال معتمدية الوسلاتية على بعد 35 كلم. ويحدها شمالا دشرة « عوين « من عمادة معروف وشرقا منطقة « الحمالة « وغربا جبل السرج على الحدود مع ولاية سليانة وجنوبا منطقة « جورج « . وتتبع منطقة « المسيرب « كلا من عمادتي جبل السرج وعمادة معروف وتبلغ مساحتهما حوالي 300 هكتار يقطنهما قرابة 40 عائلة تعتمد على جمع الإكليل والزقوقو ( الصنوبر الحلبي ) وتجارة الفحم ( المردومة).