تدارس عدد من الخبراء والمختصين في مجال الحريات العامة والخاصة والأمن أمس سبل حماية المعطيات الشخصية والمشاركة في الحياة العامة وذلك في إطار مقاربة تؤسس لمحاربة الارهاب والجريمة. تونس (الشروق) وجاء ذلك في ندوة نظمها معهد حنبعل الاستراتيجي بمشاركة فاعلين سياسيين ونشطاء في المجتمع المدني من المدافعين عن حقوق الإنسان ومختصين في الأمن والدفاع. فلقد رصدت الدولة التونسية اعتمادات مالية كبرى لتعصير قطاع الأمن منذ سنة 2014 من أجل تمكين قوات الأمن الداخلي من الوسائل والتكنولوجيات الحديثة على غرار التقنيات البيومترية والمراقبة بالفيديو والتقنيات الرقمية وذلك بهدف محاربة الإرهاب والجريمة. هذا المشروع المخصص لتعصير قطاع الأمن يتضمن تركيز كاميرات مراقبة في الأماكن العامة، وإصدار بطاقات تعريف وطنية وجوازات سفر بيومترية، كما يستوجب اللجوء الى البصمات والحمض النووي وهيكلة استغلال المراقبة بواسطة الكاميرا عبر إنشاء مركز وطني للمراقبة بالفيديو لمزيد إضفاء النجاعة والفاعلية...حيث ان كل هذه الوسائل أصبحت ضرورية ولا بديل عنها في كل أنحاء العالم باعتبارها مصلحة حيوية. الحريات على المحك إن اعتماد هذه الوسائل المتطورة خلّف عدة آراء متعارضة، فقد اعتبر البعض أنها تمس من الحريات الخاصة وتنتهك حقوق الإنسان الأساسية وحرمة المعطيات الشخصية المنصوص عليها في الفصل 24 من الدستور والذي ينص: «تحمي الدولة الحياة الخاصة، وحرمة المسكن، وسرية المراسلات والاتصالات والمعطيات الشخصية...». لا أحد ينفي اليوم أن اعتماد التقنيات البيومترية والرقمية الحديثة شكّل تطورا نوعيا في مجال الأمن باعتبار أنها ساهمت بشكل كبير في مجابهة الجريمة والإرهاب والجرائم السيبريانية، و ذلك من خلال كشف هوية الفاعلين وبناء الأدلة الجنائية ومراقبة الشبكات العابرة للحدود. وهذا يعتبر من الجوانب الإيجابية والنفعية في المجال الاقتصادي والمدني لأنها تحد من التزوير في المادة الانتخابية و تعزز من نسق تطور الإدارة الرقمية والتجارة الإلكترونية وتسّرع في آليات تقديم الخدمات الاجتماعية وغيرها من المرافق على الشبكات. كما أن استعمال التكنولوجيات التي تعتمد على التقنيات البيومترية والمعالجة الآلية للبيانات والمراقبة بالفيديو و الفرز عن طريق سجل البيانات للبصمات الإلكترونية والحمض النووي ومراقبة شبكات الأنترنات، يواجه بقلق كبير من قبل المدافعين عن حقوق الإنسان خوفا من خطر انتهاك الحياة الخاصة والمعطيات الشخصية للمواطنين بواسطة الرقابة الرقمية الشاملة لأجهزة الدولة كما يحذر من ذلك ممثلي المجتمع المدني. أهداف الندوة وتهدف هذه الندوة إلى المساهمة في إثراء النقاش العام حول هذه المسألة من خلال أفكار جديدة تؤسس لمقاربة براغماتية توازن بين تحقيق الأمن وحماية الحريات الأساسية بما يضمن معادلة الحق في الأمن باعتباره أول الحريات، ولا أمن بدون حريات. وتهدف أيضا إلى بناء رؤية توافقية بين الأمن والحريات رغم صعوبة المعادلة بينهما حيث أن انعدام الأمن يحد من الحريات المدنية، كما أن المس من الحريات يؤدي إلى انعدام الأمن، ولا بديل عن وضع استراتيجية شاملة بين المسألتين. من خلال هذا الحوار، والسعي إلى وضع مقاربة ناجعة وإطار شرعي وشفاف تقتدي به السلط العمومية لإرساء الثقة بين الأمن و المواطنين. إن الأمن يبقى شرطا جوهريا لممارسة الحرية وتعزيز حقوق الإنسان الأساسية وخاصة حماية المعطيات الشخصية والحياة الخاصة. تفاصيل المشروع هذا الحوار له عدة جوانب: أولا المشروع الحكومي لإصدار بطاقات تعريف وجوازات سفر بيومترية المزمع تنفيذه منذ سنة 2014 بقي دون أي تقدم حاصل الى حد الآن بما أن انطلاقه الفعلي كان مبرمجا لسنة 2017 ، رغم أن عدد البطاقات البيوميترية التي ستصدر في العالم من هنا إلى سنة 2021 ستبلغ 3.6 مليار بطاقة، أي تقريبا نصف سكان العالم. وهو ما يفرض على صانعي القرار السياسي ضرورة إعادة تفعيل هذا البرنامج بالنظر إلى تبعاته. وفي هذا الإطار فإن مشروع القانون الأساسي عدد 2 لسنة 2016 المنقح والمتمم للقانون عدد 93 لسنة 1993 المتعلق ببطاقة التعريف الوطنية المودع بمجلس نواب الشعب منذ أوت 2016، وقع سحبه في 9 جانفي 2019. هذا المشروع واجه الرفض والاعتراض من قبل الهيئة الوطنية لحماية المعطيات الشخصية وبعض مكونات المجتمع المدني مثل بوصلة، فريديريش ايبرت تونس، نواة، الرابطة التونسية للدفاع عن حقوق الإنسان، التنسيقية الوطنية للعدالة الانتقالية، شبكة دستورنا... 2/ برنامج تركيز شبكة لكاميرات المراقبة في الأماكن العمومية في اطار مشروع تنفذه وزارة الداخلية منذ 2016 والذي يهدف إلى تثبيت 1200 كاميرا في انحاء البلاد. محاور الندوة الأمن والحياة الخاصة والهوية الالكترونية وبطاقة التعريف البيومترية والمراقبة بواسطة الكاميرا وآلية رقابة جماعية أو أداة لمكافحة الجريمة والأمن السبرياني وحماية المعطيات الشخصية وحماية المشاركة في الحياة العامة.