لكل انتخابات تشريعية ظروفها ومؤثراتها ونتائجها ما يجعل الانتخابات القادمة مختلفة بالضرورة عن الماضية فمن يملك من الأحزاب الناشطة حاليا أوفر الحظوظ للفوز أو على الأقل للمنافسة بجدية وكسب عدد أكبر من المقاعد مقارنة بما حققته في امتحان 2014. تونس الشروق: ثمانية أشهر تقريبا تفصلنا عن موعد الانتخابات التشريعية. وحتى ذلك التاريخ، هناك متسع من الوقت يكفي لصعود أطراف سياسية وأفول أطراف أخرى ما يعني أن موازين القوى المتوفرة اليوم ستتغير حتما يوم الامتحان. النقطة الثانية الجديرة بالتنويه أن لدينا اليوم 215 حزبا لكنها لن تشارك كلها في الانتخابات بفعل تلاشي بعضها وعدم جاهزية بعضها الآخر واندماج بعض ثالث في أحزاب مقربة منها. أما النقطة الثالثة فتتعلق بتواصل المشاورات لدى بعض الأطراف من أجل تشكيل تحالفات حزبية انتخابية وبإمكان كل تحالف أن يقوي حظوظه على حساب حظوظ بقية الأحزاب. وعليه فسنحاول أخذ هذا كله بعين الاعتبار في قراءة موضوعية بعيدا عن سبر الآراء من جهة والتنجيم من جهة أخرى فما هي حظوظ أهم المعنيين بالانتخابات التشريعية؟. في طريق مفتوح لدينا اليوم حزب واحد جاهز للتشريعية يمكنه أن يخوضها قبل 8 أشهر من موعدها المبدئي. ما نعنيه هو حركة النهضة التي تنطلق بأوفر حظوظ النجاح مراعاة لجملة من المعايير الموضوعية أولها خبرتها الطويلة بالانتخابات وثانيها رصيدها النضالي وثالثها وحدة ناخبيها وانضباطهم الانتخابي ورابعها استفادتها من تطويع الدين لصالحها وخامسها غياب أي حزب أو جبهة قادرة على منافستها وإعادة تجربة نداء تونس في تشريعية 2014. هذه الحركة ستفوز حتما بالانتخابات القادمة إلا إذا جدّ أحد حدثين أولهما أن تتعرض إلى رجة داخلية (انقسام أو تورط قضائي…) أو هجوم خارجي مدمر (تدخل قوى خارجية لمنعها من المشاركة بتعلة معاداتها للمدنية) وثانيهما أن تتشكل جبهة انتخابية تقدمية قبل شهرين على الأقل من موعد انطلاق الحملات الانتخابية حتى تنجح في إقناع ناخبيها واستقطاع خصوم النهضة. الفرضيتان صعبتا التحقيق ما يعني الحركة في طريق مفتوح نحو فوز قد يكون كاسحا ولكن ماذا عن بقية منافسيها. بين تحيا تونس والنداء تبدو حركة «تحيا تونس» بلا منافس على المرتبة الثانية بالنظر إلى مفاتيح النجاح التي تملكها فهي تستفيد حاليا من الحكم ومن حماس قيادتها ومن وحدة كتلتها النيابية المتجانسة نسبيا. وبإمكانها أن تقوي طموحها بفضل انفتاحها على الأحزاب المقربة منها (أهمها حركة مشروع تونس). ولعل التحدي الوحيد الذي يواجهها هو مدى قدرتها على إقناع الناخب التقدمي بمنافسة النهضة والحال أنها تشاركها الحكم دون أن تغلق باب التوافق معها مستقبلا. هذا التحدي المهم يلعب حاليا لصالح النداء ما يقوي حظوظه لمنافسة «تحيا تونس» على المرتبة الثانية والاكتفاء على الأقل بالمرتبة الثالثة خلفها شريطة نجاحه في عقد مؤتمره الانتخابي القادم وتوفقه في إعادة قيادييه المستقيلين واسترجاعه بعض مخزونه الانتخابي السابق. أما لو كتب للحركتين أن تقيما تحالفا انتخابيا وهذا مستبعد جدا رغم تطابق مشروعيهما فسيحق لهما أن يأملا في منافسة حركة النهضة بجدية وحتى في إعادة سيناريو 2014. لكن علينا أن ننتبه إلى الدور المحمول على حركة المشروع في الحكم بينهما: قوتان صاعدتان قد تكتفي حركة المشروع بالمرتبة الرابعة لو خاضت الانتخابات منفردة لكن الثابت أنها تميل إلى إقامة تحالف انتخابي، فبعد أن أوشكت على التحالف مع النداء، فرملت تسرعها وولت وجهتها صوب «تحيا تونس» ما يقوي حظوظهما في الانفراد بالمرتبة الثالثة دون القدرة على هزم حركة النهضة. في المقابل تبدو الجبهة الشعبية ثابتة في أفكارها وأهدافها وطموحاتها وحظوظها بما يجعلها تحافظ على ما اكتسبت من الانتخابات الماضية فلا هي طورت نفسها لتستقطب المزيد من الناخبين ولا هي تخلت عن مبادئها لتفقد ناخبيها التقليديين. لكن الأمر خلاف ذلك لدى قوتين صاعدتين تتمثلان في التيار الديمقراطي والحزب الدستوري الحر فالأولى تستفيد من تمسكها بأهدافها ومبادئها الوطنية والتقدمية والديمقراطية، أما الثانية فقد جعلت نفسها بديلا مقنعا لأعداء النهضة من الدساترة والتجمعيين. وعلى النقيض من المفترض أن تتهاوى العديد من الأحزاب وأن تفقد تمثيليتها النيابية أو تواصل غيابها عن البرلمان بسبب تلاشي جمهورها (مثل تيار المحبة والتكتل والمسار والحزب الجمهوري) أو اندماجها في حزب آخر (مثال الاتحاد الوطني الحر) أو تأزم وضعيتها الداخلية بفعل الانسحابات (مثل آفاق تونس وحراك تونس الإرادة وريث حزب المؤتمر العريق). النهضة في المقدمة كشفت سيغما كونساي في تقريرها السّنوي الذي أصدرته أواخر جانفي الماضي أن النهضة تتقدم بأريحية عن بقية منافسيها. فمن خلال رد عينة من المستجوبين على سؤال «لو كانت الانتخابات التشريعيّة اليوم، فلمن ستصوت؟»، تصدرت حركة النّهضة الترتيب ب 30.2 % من نوايا التّصويت متبوعة بنداء تونس في المرتبة الثانية ب 22.0% من نوايا التصويت المُعلنة تليهما في المرتبة الثالثة أحزاب أخرى بنسبة 16.7% من نوايا التصويت ثم الجبهة الشعبية في المرتبة الرّابعة ب 9.3% من نوايا التصويت. هذا الاستجواب لم يتطرق إلى حركة «تحيا تونس» حديثة التأسيس.